IMLebanon

ماذا عن إلغاء الألقاب المتوارثة في لبنان؟

baabda2

 

قبل ان تعوم الجمهورية فوق أكوام الزبالة وتسبح في فضاء الفراغ الرئاسي، ويصبح مجلس النواب فيها عنوانا لتمرير الوقت والحكومة مقرّا للبطالة، برزت مناشدات محدودة من هنا وهناك للتوقّف الفوري عن اعتماد الالقاب .

حاجة فطرية في بقعة، تكاد تشكّل مجرد نقطة أو أقل على خارطة العالم، لكنها تختزن في سلوكياتها كل ما يلزم من ادوات التمييز السياسي والطبقي في الذهنيات وفي الممارسة.

لم تفض المحاولات الى النتيجة المتوخاة. فإضافة الى «فوبيا» التخلّي عن المواقع والكراسي، والغرام الذي يبدأ ولا ينتهي بالسلطة والنفوذ، والتسكّع على أبواب «القادرين» من أجل الظفر بمقعد نيابي او وزاري او إداري، والتصرّف بالموقع العام كممتلكات خاصة… كان يبدو مستحيلا دفع السياسيين الى التصويت على ما يجرّدهم من جزء من هيبتهم وسطوتهم و»لَمعَتِهم» أمام من لا حول لهم ولا قوة.

نزع الالقاب عن أصحاب الالقاب ليس مدرجا اليوم على جدول أعمال اي من جمعيات الحراك المدني. ثمّة من لم ينتبه الى واحدة من أكثر الفظائع التي ترتكب بحق السياسة في لبنان. الكارثة ان الالقاب لا تعرف التقاعد. ان تكون وزيرا او نائبا او رئيسا او مديرا عاما حتى ليوم واحد فقط… لحقك اللقب الى القبر!

لا يستقيم «الشأن العام» من دون «معاليه» و«دولته» و«سعادته» و«صاحب الفخامة» و«الشيخ» و«البيك»… ترنّ في الاذن فتمنح سامعها مزيدا من جرعات الاستقواء والعنجهية. ليس بالضرورة الاستقواء لتغليب المصلحة العامة. ليس هذا ما يحدث عادة. يكفي حمل اللقب، فيتحوّل الى «فيزا عمل» لفعل اي شيء بما في ذلك تكريسه لممارسة الفوقية على الجميع حتى على الخدم وسائق السيارة والعامل في المتجر والنادل…

هنا شيء من التماثل مع التجربة البريطانية التاريخية في اقتناص الالقاب. «التاريخ يشهد» على ان الحكومة البريطانية عمدت الى بيع الألقاب حين كانت تفلس خزينتها. من أشهر باعة الألقاب الملك ويليام الفاتح، وادوارد الثالث، وجيمس الأول، وتشارلز الثاني، وجورج الثاني. مارغريت تاتشر نفسها توسّطت مرارا لمنح ألقاب النبالة إلى رجال الأعمال وصناعيين قدّموا لحزب المحافظين تبرعات دسمة…

في لبنان اللقب بضاعة خاضعة للعرض والطلب. يُدفع حقها استزلاما وتودّدا وزحفا وتبعية، وايضا بالاموال، للمرجع القادر على منح برستيج الموقع ثم اللقب. كبار القوم لهم ألقابهم الازلية أيضا. الاستغناء عنها يبدو ضربا من ضروب الخيال.

وفق دراسة «الدولية للمعلومات» «فخامة رئيس الجمهورية»، «دولة رئيس مجلس النواب»، «دولة رئيس مجلس الوزراء»، «عطوفة المير»، «معالي الوزير»، «سعادة النائب»، «سعادة المدير العام»، «الشيخ»، «البيك» هي القاب تستخدم في التخاطب والمراسلات في الدولة اللبنانية منذ عقود طويلة، وقد تم إلغاؤها في العام 1997 لكنها عادت وتجري اليوم محاولات لإلغائها ضماناً للمساواة بين اللبنانيين.

وتشير الدراسة الى انه «في العام 1997 تحدّث رئيس الجمهورية إلياس الهراوي في مجلس الوزراء عن إلغاء الألقاب المتوارثة من العهد العثماني»، معتبراً أنه «لا موجب للتمسّك بها بل إن الواجب يقتضي منا البحث عن لغة جديدة في التخاطب غير لغة التفخيم التي سبقنا إلى إلغائها كثير من البلدان».

وخلص الرئيس الهراوي متمنّياً على مجلس الوزراء إلغاء الألقاب واعتماد كلمة «السيّد» في التخاطب مع جميع الرسميين. وقد قرّر المجلس بموجب القرار رقم 36 تاريخ 16 – 10 – 1997 الموافقة على إلغاء الألقاب، واعتماد كلمة السيّد في التخاطب مع جميع الرسميين وفيما بينهم والتمنّي على السلطة التشريعية اتخاذ قرار مماثل.

تضيف الدراسة «اعتمدت الحكومة هذا الإجراء ولكن السلطة التشريعية لم تعتمده، وفي السنة التالية بعد انتهاء ولاية الرئيس الهراوي عادت الحكومة إلى اعتماد الألقاب وذلك بتوجيه شفوي من دون قرار من مجلس الوزراء.»

ثم تقدم النائب محمد قباني في العام 2013، وفق الدراسة، باقتراح قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى إلغاء الألقاب في الخطابات والمحافل الرسمية واعتماد «لقب السيّد الرئيس» أو «السيّد الوزير» أو «السيّد النائب» ولقب السيّدة (المتزوجة وغير المتزوجة) على حدّ سواء، ولا يجوز استخدام هذه الألقاب الملغاة إلا في التعامل الدبلوماسي مع الدول التي ما يزال هذا الاستخدام يمثل جزءاً من تقاليدها أو أعرافها أو قوانينها».

وفي الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح أنه يمثل خطوة نحو الحداثة والمساواة بين المواطنين.

عُرض الأمر على هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضي ماري دنيز المعوشي التي أفادت: أن الألقاب متوارثة عن عهود سابقة سواء العهد العثماني أو الانتداب الفرنسي. التشريع اللبناني لم يلحظ أي مواد قانونية تمنح الشخصيات الرسمية ألقاباً ترتبط بالمركز الذي يشغلونه ولكن استعمالها لفترة طويلة من الزمن أوجد حاجة لإصدار قانون يلغي هذا العرف السائد.

وخلصت إلى القبول باقتراح القانون المذكور ولكن بعد مرور نحو سنتين لم يقرّ بشكل قانوني سواء بقرار أو مرسوم من الحكومة أو قانون من مجلس النواب