IMLebanon

“مورفين” مستشفى صيدا زال.. ما العمل؟

SaidaHospital

خضر حسان

لم تصمد لجنة إدارة مستشفى صيدا الحكومي أكثر من 10 أشهر، إذ جاءت إستقالة رئيسها هشام قدورة، الخميس، لتعلن أن الغطاء الذي رمته وزارة الصحة على المستشفى لم يحقق هدفه في إخفاء الأزمة المستفحلة. ذلك لأن الأزمة أبعد من مشكلة أو إثنتين، يمكن حلّهما بجرعة من الأموال، دون إجراء تغييرات جذرية في إدارة المستشفى.

خلال الفترة التي استلمت فيها اللجنة ادارة المستشفى، تمكنت من “تأمين رواتب الموظفين المتأخرة والحالية، وسدّدنا المبالغ المالية المستحقة للموظفين عن مفعول رجعي لزيادات غلاء المعيشة، كما تم اعطاء المنح المدرسية عن العام 2014 – 2015، وقمنا بتسجيل جميع الموظفين غير المضمونين منذ سنوات عديدة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتأمين مستحقات الأطباء واحتياجات المستشفى من ادوية ومواد استهلاكية اخرى، ضمن خطة طوارىء مدروسة بشكل يومي او اسبوعي حسب توافر السيولة”، وفق ما يقوله قدورة الذي يؤكد في حديث لـ “المدن” على انه رغم هذه الخطوة الإيجابية، لم يعد هناك من مجال لإستكمال إدارة المستشفى بهذه الطريقة، لأن ضغط الديون أثقل كاهل المستشفى، فهناك “17 مليار ليرة ديون للموردين وشركات الأدوية، وهناك 3 مليار لمؤسسة الكهرباء، والكثير من المبالغ الأخرى”، ويضيف ان “المستشفى بدأ يستلم أحكاماً قضائية لصالح الشركات، وبموجب هذه الأحكام، ستحول الأموال التي ينتجها المستشفى الى الشركات، ليضاف هذا الضغط الى الـ 20% التي تقتطعها وزارة المال تسديداً للسلف المالية المقبوضة خلال الفترة السابقة في وزارة المال لصالح وزارة الصحة”. ويشير قدورة الى انه طالب مراراً بإعفاء المستشفى من إقتطاع الـ 20%، لكن دون جدوى.

الى جانب الصعوبات التي يعاني منها المستشفى، يواجه قدورة ضغوطاً إدارية يفرضها واقع كونه “موظفاً في تعاونية موظفي الدولة، وهو لا يتقاضى أجراً لقاء إدارته مستشفى صيدا، فضلا عن عدم إمكانيته إتخاذ قرارات كإدخال مريض الى المستشفى او غير ذلك، فهو ليس مديراً عاماً أصيلاً. فهذا الواقع، أوقع قدورة بين خيارين، إما الإستمرار على هذا النحو بلا مهام وبلا مسؤولية واضحة، وإما العودة الى وظيفته الأصلية”، بحسب ما يقوله لـ “المدن” عضو لجنة موظفي المستشفى، خليل كاعين، الذي أكد أن المرحلة التي تلت تعيين اللجنة، شهدت تحسينات كثيرة، أهمها إعطاء الموظفين حقوقهم.

إذن، جرعة المخدّر لم تعطِ مفعولها لفترة أطول. لكن حتى وإن طال المفعول، فإن الحل لا يزال جرعة مخدّر ستنتظر الوقت لكي تزول، وينكشف معها ألم هذا الصرح الطبي، الذي يشترك مع مستشفيي ميس الجبل وبيروت وغيرهما، في المعاناة نفسها. أما إستمرار وزارة الصحة بإستعمال نهج التخدير، فهو الذي أوصل الوضع إلى ما هو عليه، وفق ما يقوله لـ “المدن” رئيس هيئة التنسيق المستقلة لموظفي ومستخدمي المستشفيات الحكومية في لبنان، بسام العاكوم.

وبرأي العاكوم ان “ما وصل إليه مستشفى صيدا كان متوقعاً، لأن الحل لم يكن وفق خطة عمل واضحة. اذ ان وزارة الصحة أعطت مبلغ 800 مليار ليرة، وقالت تصرفوا بالمبلغ. وفي النتيجة، فإن مورداً أخذ مبلغاً صغيراً وامتنع عن تسليم المواد الطبية للمستشفى، إحتجاجاً على المبلغ، ومورداً آخر أخذ مبلغاً أكبر، وامتنع عن تسليم المواد أيضاً، بحجة ان المبلغ المطلوب أكبر بكثير مما حصل عليه. وهذا التخبط أثر كثيراً على المستشفى”. اما الحل، فهناك حلول كثيرة، تبدأ بتفعيل الرقابة، لأن ما أوصل المستشفى الى هذا الوضع هو الإهمال والفساد، والديون المتراكمة على المستشفى لم تأتِ من فراغ، فأين هو التفتيش المركزي والقضاء؟.
التفتيش المركزي غائب عن المستشفى، وهذا بالنسبة للعاكوم يساعد على عدم إيجاد الحل، فالديون يجب ان تنحصر وان تُعرف أسبابها بهدف معالجتها، ولا يجوز إستمرار دفع مبالغ مالية دون معالجة الأسباب الحقيقية للعجز. وبرأى العاكوم، “على وزارة الصحة إما ان تعلن إستعدادها لإستقبال كل المرضى على نفقتها، وإعلان انها ستسدد الديون، وبالتالي تدير هي المستشفى بشكل مباشر، وإما ان تحث مجلس الوزراء على إيجاد منحة أو سلفة لسد كامل الدين، وتبدأ الوزارة من جديد بإدارة المستشفى والتدقيق بكل حساباته”. غير ان اللجوء الى مجلس الوزراء محفوف بالمماطلة، لأن الشلل هو السمة الأبرز للمجلس حالياً، واللجوء إليه يعني تفاقم الأزمة.

وزارة الصحة لم ترد رسمياً على الإستقالة، وتؤكد مصادر في وزارة الصحة لـ “المدن” ان “التداول بموضوع الإستقالة يتم حالياً، ولم يتخذ الوزير موقفاً نهائياً بعد. وهو إما ان يقبل الإستقالة، او يطلب من قدورة الإستمرار بمهامه إلى حين تعيين بديل له”. لكن قدورة يعتبر ان إستقالته مبرمة لا رجوع عنها، حتى وإن طلب وزير الصحة وائل ابو فاعور ذلك.

وفي هذه الحالة، قد يلجأ ابو فاعور الى تكرار تجربة قدورة، عبر تعيين لجنة إدارة جديدة، ريثما تُحلّ الأمور. لكن هذا الخيار بنظر العاكوم، “سيعيد تركيب مجلس غير متجانس، تماماً كما المجلس السابق، حيث سيجد أعضاؤه أنفسهم أمام أزمة متجذرة، لا يمكن حلّها أو إدارتها بالشكل السليم، لأن التعقيدات باتت أعمق من عملية إدارة أزمة بسيطة”. خاصة وان أزمة مستشفى صيدا، يدخل فيها شق سياسي يزيد الطين بلّة. وهذا ما ظهر بوضوح في بداية الأزمة، حين قدّم رئيس مجلس الإدارة الأصيل، علي عبد الجواد، إستقالته. ومع الإستقالة، ظهرت التناقضات السياسية بوضوح، وترافقت مع إتهامات بالفساد المالي والإداري، تطورت الى إضرابات وإحتجاجات عقّدت الأمور أكثر، الى حين حقنت وزارة الصحة مستشفى صيدا بـ”مورفين” لجنة الإدارة.