IMLebanon

نصر الله وأصول “الديموقراطية الإلهية”

hasan-nassralah

 

كتب علي رباح في صحيفة “المستقبل: يسمع اللبنانيون عن “حزب الله الديموقراطي” ولا يعرفونه. تسنى لهم أن يتعرفوا بأم العين كيف يصبح “حزب الله” “ديموقراطياً” قادماً من جبال المونتي روزا في سويسرا، فيتحول أمينه العام، فجأة، الى مصلح اجتماعي يدعو الى “مزيد من الحوار والتفاهم”، ويتحول فريق 8 آذار، بقدرة قادر، الى مجموعة من الاحزاب غير الشمولية! والسبب؟ التهرّب من انتخابات رئاسية في المدى المنظور! فالسيد لا يشارك حزبه في جلسة لا تضمن فوز مرشحه (قمة الديموقراطية)، ولا يضغط على الحلفاء لأن علاقته بهم تقوم على الندية والاحترام والصدق! والنتيجة؟ السيد مع الجنرال “بس مش طالع بإيدو”!

يحق للجنرال ميشال عون أن يسأل، لماذا هذه النفحة الديموقراطية الآن حين اقتربت “اللقمة” من الفم؟ من حقه أن يسأل، لماذا لم يعد السيد الآن قادراً على فرض رأيه على الحلفاء كما ادّعى؟ نسي السيد كيف فرض على حلفائه الاستقالة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006؟ قد يقول قائل ان الاستقالة جاءت بالتشاور وبقرار جماعي! لا بأس، لكن السيّد نسي أن أحد الحلفاء قال بعد الاستقالة: “إننا ذاهبون الى معارضة بناءة”، قبل أن “يلحس” كلامه بفعل الضغوط ليصف حكومة السنيورة بـ”الحكومة البتراء” وغير الشرعية والمنافية لأصول الميثاقية. نسي كيف فرض على الوزراء الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011؟ نسي كيف فرض بالقمصان السود تأجيل الاستشارات النيابية بهدف الاطاحة بحظوظ وصول الحريري الى رئاسة الحكومة مجدداً ولفرض اسم الرئيس نجيب ميقاتي؟ نسي كيف غزا بيروت والجبل لفرض شبكة اتصالاته واسم رئيس جهاز أمن المطار وبدعة “الثلث المعطل”، طبعاً قبل أن ينقلب على تعهده في الدوحة بعدم استخدامه للاطاحة بالحكومة؟ من حق الجنرال أن يقول للسيد: “ألم أغطّك في 7 أيار وفي اعتصامات بيروت وحتى يوم ذهبت الى سوريا؟”.

أطل نصرالله بعد أكثر من اسبوعين على “اللاموقف لحزبه” من جديد الملف الرئاسي. اطلالة تصفها مصادر مطلعة لـ”المستقبل” بأنها “أكثر من ضرورية” ليستعيد الملف بعدما قُدّمت مبادرتان في عز انشغاله في حروب الولي الفقيه الإقليمية. وتقول المصادر: “ان أكثر ما أزعج “حزب الله” مؤخراً هو أنه لم يكن صانع اللعبة”. فالقطبان المسيحيان الحليفان المرشحان (الجنرال عون والنائب سليمان فرنجية)، حاول كل منهما صناعة اللعبة بعيداً عن الحزب، أو في أقل الاحوال من دون توجيه منه. فالنائب فرنجية تواصل مع الرئيس الحريري ووصل معه الى نوع من التفاهمات، حتى لو أكّد زعيم بنشعي أنه وضع الحزب في جوها، علماً أن إعلام الحزب سرّب معلومات عن تعهدات أعطاها فرنجية للحريري من دون علمه. والجنرال عون تحدث مع الدكتور سمير جعجع ووصل معه الى تفاهم كان واضحاً الى حد بعيد أن الحزب لم يكن في جوّه. وفي كلا الحالتين، توضح المصادر، أنه بوصول فرنجية الى بعبدا سيكون الحريري هو صانع الرئيس، وبوصول عون يكون سيد معراب هو صانع الرئيس! وبرأي المصادر، فإن اطلالة نصرالله جاءت لتؤكد أنه لن يسمح بأن تخرج اللعبة من يد حارة حريك، ولن يسمح بانتخابات إلا حسب توقيته.!

لم يَرُق للسيّد “الديموقراطي” وصف أحد أقطاب السياسية اللبنانية طاولة الحوار بـ”هيئة مصلحة تشخيص النظام في ايران”. وقال: “كل واحد يعرف حجمه بس يحكي عن ايران”!. لا شكّ في أن كلام السيّد لم يصل الى مستوى “طهّر نيعك”، لكنه أعطى مثالاً حياً عن “الديموقراطية الإلهية” وأصول احترام الرأي الآخر. ولا بأس أن سماحته فَخِرَ، في اطار مطالعته المعتادة عن ايران وديموقراطيتها، بـ35 انتخابات جرت فيها في 37 سنة، حتى وإن كانت هذه الاستحقاقات قامت على مبدأ فرض القريب من الحرس الثوري والولي الفقيه وإبعاد البعيد عنهما! ها هي ايران الديموقراطية تفرض الاقامة الجبرية على المعارضين البارزين المير حسين موسوي ومهدي كروبي. لماذا؟ لأنهما يتمايزان عن الولي الفقيه ولا يأتمران بأوامره. وها هي لجنة صياغة الدستور الايراني ترفض (بكل ديموقراطية) ترشّح حفيد الخميني، مؤسّس الثورة الايرانية، والمئات غيره! لماذا؟ لأنهم لا يأتمرون بأوامر الحرس الثوري (على طريق القدس)! وبهذا، فإن نصرالله يستنسخ التجربة “الديموقراطية” الايرانية في لبنان، ويرفض المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس ما لم يؤمّن فوز مرشّحه.

“السيّد مش مستعجل”، وهو ختم حديثه مطالباً الأفرقاء بـ”عدم الاستعجال” وباعطاء فرصة أكبر للحوارات والتفاهمات! وهذا المنطق ردّده أحد قادة “حزب الله” قبل أيام في مجلس عزاء في احدى القرى الجنوبية، حيث ردّ على سؤال عن موقف حزبه من ترشيح جعجع لعون، قائلاً: “الصراحة ترشيح جعجع صدمنا ولم نتوقعه. نحن في حيرة من أمرنا. فرنجية مصمم على عدم التراجع، وقيادات عديدة في الحزب تؤيد عدم تراجعه. لذلك فضلنا تأجيل موقفنا حتى لا نضطر لاتخاذ موقف من شأنه تأزيم علاقاتنا بالحلفاء. ولا بأس من الانتظار أشهراً قليلة بعد حتى يتحسن وضعنا الاقليمي أكثر فنضع شروطنا على الطاولة. و”شو يعني يبقى كرسي الرئاسة شاغراً كم شهر”؟”.

ربما يتوجب على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً أن ينتظروا نتائج حروب “حزب الله” الاقليمية حتى يُسمح لمؤسسات الدولة بأن تعود من جديد… ديموقراطياً!.