IMLebanon

إيران «تضيّع» وقتها: المصارف الدولية مترددة و«المحلية» غير جاهزة

iran-bank
حاول الرئيس الايراني حسن روحاني ان يسوق لاقتصاد بلاده في الجولة التي قام بها هذا الاسبوع الى كل من فرنسا وايطاليا من اجل دفع الغرب على الاستثمار في ايران، وذلك بعد اسبوعين تقريبا على رفع العقوبات.

ورغم الاتفاقات التي تم الاعلان عنها خلال هذه الجولة، فان عملية استقطاب الاستثمارات المطلوبة، والتي قدرها روحاني بنحو 50 مليار دولار، تتطلب وجود قطاع مصرفي سليم ومتطور يتماشى مع القواعد المالية العالمية الصارمة. كما أن المصارف الدولية من جهتها تبدي ترددا في تولي الصفقات مع إيران بعد أن غرمت الولايات المتحدة العشرات منها، بسبب انتهاكات للعقوبات. وذلك في وقت يبدي المستثمرون مخاوف من تصنيف منخفض متوقع لايران، وهو ما سيزيد من مخاطر التعامل مع هذا البلد.

وتتوجس المصارف الدولية من ابرام صفقات مع ايران بعدما غرمت الولايات المتحدة العشرات بسبب انتهاكات للعقوبات.

بالاضافة الى ذلك، جاء اعتراف وزير الخارجية الاميركي جون كيري بان قسما من الاموال التي ستستعيدها ايران بعد رفع العقوبات الاميركية سيذهب لتمويل بعض المنظمات العسكرية التي تعتبرها واشنطن «ارهابية«، ليفرمل هذا التهافت خوفا من فرض عقوبات جديدة على ايران في حال تخلفها عن تنفيذ مضمون الاتفاق النووي.

وتقول وكالة «رويترز» في تقرير لها انه سيتعين على المصارف الإيرانية أن تتأقلم مع قواعد دولية أشد صرامة، وقد تحتاج إلى نقل ملكية القروض المتعثرة، إلى مصرف متخصص في تجميعها لكي تستأنف المسير من حيث توقفت عندما فرضت العقوبات المشددة قبل نحو أربع سنوات.

اذ لا غنى عن المصارف لإبرام الصفقات وتدفق السيولة في ظل سعي إيران للفوز بمشاريع من الشركات الأجنبية وجذب الاستثمارات لتطوير البنية التحتية بعد أن تم رفع العقوبات عن قطاعات المصارف والتأمين والشحن البحري والنفط.

ومن المتوقع أن يكون بمقدورها العمل مع المصارف الأجنبية لتسوية المعاملات في غضون أسابيع بعد تطبيق الاتفاق المبرم مع القوى العالمية في وقت سابق هذا الشهر لكبح برنامج إيران النووي.

لكن القيود التي تمنع المصارف الاميركية من التعامل مع البلد ستظل قائمة وسيكون على المصارف الإيرانية أن تشق طريقها في عالم مالي شديد الاختلاف عما عرفته قبل فرض العزلة عليها في 2012.

وقال الرئيس التنفيذي لبنك «أمين للاستثمار« المملوك ملكية خاصة، علي سانجينيان «ان عزل سوق النقد الإيرانية عن الأسواق العالمية أدى إلى عجز المصارف الإيرانية عن مجاراة التطورات الدولية«.

وقال سانجينيان، الذي تعد شركته أكبر مصرف استثمار في إيران يدير أصولا تتجاوز قيمتها المليار دولار، «أدى هذا إلى افتقار المصارف في مجالات مثل جودة الاستثمار وكفاية رأس المال والرقابة الداخلية وسائر اللوائح الوقائية بالمقارنة مع المعايير الدولية«.

وعانت مصارف إيرانية كثيرة جراء الديون الرديئة خلال حقبة العقوبات. وتفاقم الوضع بفعل انكشاف مصارف عدة على السوق العقارية المحلية التي تدهورت في 2012 بما أبقى على قروض تكتنفها المشكلات داخل النظام.

وأظهرت البيانات الرسمية أن نسبة القروض المتعثرة لإجمالي القروض بلغت 13.4 في المئة في الشهر الفارسي المنتهي في 21 حزيران 2015.

وتشير تقديرات السوق إلى نحو مثلي ذلك الرقم وبما يعادل 40 مليار دولار عند أعلى التقديرات للقروض المتعثرة.

وقال كبير المحللين بمجموعة المؤسسات المالية في وكالة «موديز« للتصنيفات الائتمانية، كونستانتينوس كيبريوس، «أكبر المشكلات التي تواجهها المصارف الإيرانية هي المستوى المرتفع للقروض المتعثرة وتدني الاحتياطات الرأسمالية«. ولفت الى ان القطاع المصرفي الإيراني ما زال يعاني نقص التمويل حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 6.8 في المئة في 2014 مقارنة مع متوسط إقليمي بين 13 في المئة و14 منه. أضاف أنه في ظل «المخاوف من عدم الإفصاح الكامل عن القروض التي تكتنفها المشكلات، فإن القطاع بحاجة إلى رأسمال جديد وكبير«.

ومنذ الأزمة المالية لعام 2008 أصبح لزاما على معظم المصارف الامتثال إلى معايير رأس المال الدولية الجديدة المعروفة باسم بازل 3 التي تفرض عليها تعزيز ميزانياتها. ويتوقع بعض المصرفيين الإيرانيين أن يفرض المصرف المركزي الإيراني تلك المعايير عليهم في مرحلة ما.

وأحجم مسؤول كبير في المصرف المركزي عن التعليق عندما سئل عن ذلك الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أيضا أن تقوم المصارف بعمليات خفض مؤلمة لقيمة الكثير من استثماراتها المباشرة المسجلة على ميزانياتها.

وقال الرئيس التنفيذي لبنك الشرق الأوسط المملوك ملكية خاصة ومقره طهران، برويز أغيلي، «القيمة السوقية الحالية لهذه الاستثمارات أقل كثيرا من المسجل على دفاتر المصارف. إذا حسمنا القروض المشكوك في تحصيلها والاستثمارات المباشرة للمصارف من رؤوس أموالها (وهو أمر إلزامي وفقا لقواعد بازل 3)، فإن رؤوس أموال مصارف إيرانية كثيرة ستكون سلبية«.

يذكر ان القطاع المصرفي الإيراني يتكون من ثمانية مصارف مملوكة للدولة، و19 مصرفا خاصا بلغت أصولها الإجمالية 582 مليار دولار في نهاية 2014 وفقا لبيانات المصرف المركزي. وبالمقارنة، تتجاوز أصول القطاع المصرفي لجنوب أفريقيا 400 مليار دولار ولتركيا نحو 800 مليار دولار.

وقال أغيلي من بنك الشرق الأوسط، إنه سيكون على القطاع المصرفي الإيراني السعي لجذب تدفقات رأسمالية من أي مصدر في الوقت الحالي. لكن الفوز باستثمارات من المصارف الأجنبية سيكون صعبا نظرا للقواعد العالمية الحالية التي ترفع تكلفة شراء حصص أقلية في المصارف الأخرى. اضاف «المصارف – سواء الصينية أو الغربية – لا تستطيع حقيقة القيام بعمليات استحواذ في أنحاء العالم لأن تكلفة إدارة وتشغيل هذه المصارف أصبحت باهظة للغاية«.

وجرى إلغاء عقوبات دولية عدة ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني لكن معظم الإجراءات الاميركية ما زالت قائمة. وتستطيع المصارف غير الاميركية التعامل مع إيران دون خوف داخل الولايات المتحدة لكن المصارف الاميركية لا تستطيع ذلك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

لكن المصارف الأوروبية ما زالت تتوخى الحذر. وفي هذا الاطار، حض وزير التجارة والصناعة الإيراني، محمد رضا نعمت زاده، خلال زيارة روحاني لفرنسا، المصارف الفرنسية على التغلب على مخاوفها من العمل مع بلاده.

وتبدي المصارف الفرنسية ترددا في تولي الصفقات مع إيران بعد أن غرمت الولايات المتحدة «بي.ان.بي باريبا« تسعة مليارات دولار في 2014 بسبب انتهاكات للعقوبات حتى مع احتفاء حكومتي البلدين بعودة العلاقات.

وقال زاده متحدثا في منتدى أعمال فرنسي إيراني إنه لم تعد هناك عقبات تحول دون عمل المصارف الفرنسية مع إيران. وحذر قائلا «إذا لم ينشطوا، فلن تكون هناك زيادة في الاعمال«. وقال إن على المصارف الأجنبية أن تراعي فقط ثلاثة شروط لتفادي انتهاك العقوبات الاميركية، وهي عدم العمل من خلال فرع اميركي، وتفادي العمل مع الأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات وعدم تسوية المعاملات عبر الولايات المتحدة.

ومضى قائلا «هذه الشروط الثلاثة واضحة جدا. رجاء خذوا الأمر بجدية. من جانبنا، بدأت الامور تتحرك .. إذا لم تبدأ المصارف فنحن نضيع وقتنا لا أكثر«.

وقال مصرفيون فرنسيون كبار إن غرامة «بي.إن.بي باريبا« ما زالت عالقة بالأذهان وإن إطار العقوبات الحالي لا يشجع على العمل.

وقال سايروس مباشر الاستشاري المقيم في إيران «المصارف الكبيرة تلقت ضربات عنيفة لذا لن تعود ما لم تر كيف ستسير الأمور لبعض الوقت«.

وقال سانجينيان من بنك «أمين« للاستثمار، إنه مازال هناك «بعض عدم الثقة» بين المصارف لأسباب منها الغرامات السابقة التي فرضتها الجهات التنظيمية الاميركية. أضاف «نتوقع حتى أن ترفض بعض المصارف الدولية العملاقة…. التعاون مع المؤسسات المالية الإيرانية. لتخفيف تلك المشكلات، يجب اتخاذ بعض الخطوات الأولية مثل وضع قواعد تنظيمية ترتكز على المعايير والشروط الدولية وباختصار يجب أن نتحرك صوب إطار العمل التنظيمي الدولي لبازل 3«.

التصنيف

وفي ظل الاوضاع القائمة وبنتيجة تدني أسعار النفط والآثار الاقتصادية والجيوسياسية الناتجة عن سنوات العقوبات الدولية، فان هناك مؤشرات عديدة الى أن التصنيف الائتماني لإيران سيكون «عالي المخاطر» عندما تبدأ طهران في تلمس طريق عودتها إلى سوق الاقتراض.

ومن المتوقع أن تبدأ إيران في طرق أبواب سوق السندات خلال ستة أشهر إلى 12 شهرا مقبلة لمحاولة إعادة ضخ الدماء في شرايين اقتصادها. وستساعد على هذا التصنيفات الائتمانية من الوكالات الثلاث الكبرى «ستاندرد آند بورز« و«موديز« و«فيتش«، وإن كانت تلك التصنيفات ليست بالضرورية.

والتصنيف الائتماني أداة قياسية يستخدمها المستثمرون للتكهن باحتمالية استرداد أموالهم وتقدير الحوافز التي يتعين عليهم أن يتوقعوها في ما يتعلق بمدفوعات الفائدة من خلال عقد مقارنة بين الدول الحاصلة على التصنيفات نفسها.

وكانت آخر مرة تحصل فيها إيران على تصنيف ائتماني قبل نحو عشر سنوات عندما أعطتها وكالة «موديز« تصنيف «ب2» وأعطتها «فيتش« تصنيف «ب» المعادل لتصنيف الأولى في حين لم تعطها وكالة ستاندرد آند بورز تصنيفا قط بسبب تعقيدات السياسة.

وبالنظر إلى أثر العقوبات وسعر سلعة التصدير الأساسية في إيران وهي النفط بالإضافة إلى انخفاض معدلات النمو وأسعار الفائدة العالمية، يبذل المستثمرون قصارى جهدهم للتكهن بالتصنيف الذي ستحصل عليه إيران هذه المرة.

وقالت شيرين محمدي، المحللة لدى وكالة «موديز« والمسؤولة عن تغطية منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى «تصنيفنا السابق لإيران كان ب2 لكن حدثت تغيرات كثيرة منذ ذلك الحين بما في ذلك منهجنا«. أضافت «مستويات الثروة انخفضت في ظل العقوبات ومعدلات التضخم التي انخفضت الآن كانت قد شهدت فترة ارتفاع بسبب سوء إدارة بعض السياسات النقدية«.

وفي ما يتعلق بالعوامل الأساسية للاقتصاد فهناك إيجابيات وسلبيات.

وتتوقع موديز ارتفاع معدلات النمو في إيران إلى ما بين أربعة في المئة وخمسة هذا العام وأحد العوامل الإيجابية القليلة للعقوبات هو أن دين البلاد لا يتجاوز 15 إلى 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقالت شيرين «هذا منخفض نسبيا ويشابه الإمارات العربية المتحدة وقازاخستان وروسيا وتشيلي» وجميعها دول ذات تصنيف يشجع على الاستثمار أو يقترب منه«.

لكن إلى جانب هذا، هناك سلبيات إذ انخفض الدخل الاسمي للفرد إلى 4900 دولار مقابل 7500 دولار قبل العقوبات ليماثل الدخل الاسمي للفرد في ألبانيا والبوسنة وتصنيفهما «ب3» عالي المخاطر. كما أن سعر النفط عند نحو 30 دولارا للبرميل.

وقالت «فيتش« في الآونة الأخيرة إنها تتوقع أن تحتاج إيران إلى سنوات قبل أن يعود إنتاجها من النفط والغاز إلى مستويات الذروة السابقة غير أنها قالت إنها لن تعلق على أي تصنيف سيادي محتمل.

أضافت شيرين «من المرجح أن تكون المخاطر السياسية والجيوسياسية الأعلى بالنسبة لإيران»، ملقية الضوء على حرب التصريحات الدائرة مع السعودية.

وتتجنب وكالات التصنيف الحديث عن توقعات مبكرة للتصنيف الذي من المرجح أن يعطوه لإيران خوفا من التأثير على السوق.

ويحبذ بعض المستثمرين شراء السندات منخفضة المخاطر فقط في حين يقدم البعض على المخاطرة بشراء السندات الأقل تصنيفا لكن فقط إذا كانت مرتفعة العائد. وقد تحتاج عملية وضع التصنيف إلى ما بين أسبوعين وشهرين بحسب الظروف المحيطة على الرغم من أنه ليست هناك إشارة بعد من طهران أو وكالات التصنيف الائتماني على تقديم طلب لبدء العملية.