IMLebanon

إصرار معهد البحوث على التزام الصناعيين والتجار المعايير يضعه في مواجهة معهم

IndustryLeb

سلوى بعلبكي

 

اسم معهد البحوث الصناعية، الذي تأسس عام 1953، يحدد دوره وصلاحيته. فهو مؤسسة علمية الطابع تتعاطى البحث العلمي بغية مطابقة المُنتَج الصناعي للمقاييس، اليوم وغداً. لكن السؤال هل يمارس المعهد دوره الرقابي؟ ولماذا يشكو البعض من دوره الذي يضعه في موقع النزاع مع بعض المؤسسات والهيئات الاقتصادية؟
ليس في اسم المعهد ما يشير إلى دور رقابي مباشر له، فالصلاحية المعطاة له وفق القانون تتمثل في تحديد ما يمكن دخول الأسواق من بضائع “مطابقة للمعايير المعتمدة” على مستوى الاستيراد، وتحديد ما هو منسجم مع المعايير العالمية لاعطائه اجازة المطابق. ويفرض العلم على المعهد منحى محدداً، لعل أبرز ما فيه الالتزام شكلاً ومحتوى، بما يعرف بـ”مطابقة المقاييس والمعايير”، بناء على معطيات تراعي الحاضر وتخطط للمستقبل.
ولكن المشكلة التي يعانيها المعهد، وفق ما تقول مصادره، ان بعض التجار والصناعيين اعتادوا الانتاج والحركة، لفترة طويلة من دون ضوابط أو رقابة سابقة أو لاحقة، فيستوردون ما يحقق الربح من دون احترام مصالح الزبائن والمستهلكين محلياً. حتى وصل الامر ببعضهم الى استيراد النفايات الصلبة التي تتخلى عنها الدول المصنعة لعيوب في موادها الخام، واستيراد بعض المواد غير الصالحة للاستهلاك وخصوصاً في مجال التجهيزات الالكترونية.
وفي حين يبدو أن الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض التجار والصناعيين الى ازدياد، على نحو بات يهدّد الأسواق المحلية والصناعة ويجعلها عاجزة عن مواكبة العلم ومتطلبات الأسواق الخارجية التي اعتادت الشراء من الصناعة الوطنية، يؤكد المصدر “أن لبنان ليس جزيرة معزولة وتالياً لا يمكن الصناعيين والتجار أن يستمروا في مزاولة مهنتهم كما لو كانوا عام 1990. فالأبحاث والقوانين العالمية في تطور دائم، والمعايير الموضوعة قد تتطور وتتعدل وإن على نحو جزئي، لذا علينا مواكبة التطور ومراقبة الاتجاهات في العالم على مستوى التخطيط وليس على مستوى التنفيذ فقط، وذلك حتى لا ندفع الثمن مضاعفاً في الاقتصاد والمال”.
ولكن في مقابل الاتهامات التي يطلقها المعهد، ثمة صناعيون وتجار يعتبرون أن الاجراءات التي يعتمدها المعهد تعوّق جهودهم. إلا أن مصادره تعتبر ان هذه التهم غير صحيحة، مؤكدة اصراره على مطابقة المستوردات للمعايير والمقاييس، وعلى اقتراحه الاختياري التوجيهي للصادرات، خصوصا ان شهاداته معترف بها دولياَ ووفق المواصفات العالمية 17025″. وهذا الامر لا يروق للراغبين في التفلت من هذه المعايير والذين يعتبرون أنفسهم نافذين.

الجميل: لا يجوز التعميم!
يهدف المعهد الى دفع النشاط الصناعي إلى “الرقابة الذاتية” على منتجاته، وهذا أمر متعارف عليه في كل دول العالم اذ تقوم مراكز تابعة للمصنع بمراقبة جودة صناعتها ومطابقتها للمعايير الموضوعة وتتلف كل ما هو مخالف، على أن يتزامن ذلك مع رقابة دورية ولاحقة لأجهزة متخصّصة مكلفة مراقبة النشاط الصناعي.
وفيما تعتبر شهادات المعهد الزامية في استيراد السلع التي تخضع لمواصفات الزامية، إلا أنها اختيارية في التصدير، بما يشجع بعض الصناعيين على مخالفة معايير الصناعة والتجارة في الخارج وخصوصا حيال الوزن والتوضيب والصلاحية الزمنية.
يستغرب رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل هذه الاتهامات، معتبراً في اتصال مع “النهار” أنه لا يمكن تعميم الحالات الشاذة على كل الصناعيين. وفي حين يؤكد ان هم الجمعية يكمن في تسهيل العمل للصناعيين وخفض التعقيدات الإدارية، يشير في المقابل الى أن معهد البحوث هو مرجع لهم، وأكثر فإنهم يدرسون كيفية زيادة التعاون معه لمعالجة بعض القضايا، واجراء الابحاث لمساعدة الصناعيين على تطوير صناعاتهم وطرق انتاجهم.
أما بالنسبة الى المخالفين من الصناعيين، فيدعو الجميل الى ملاحقتهم واجبارهم على تطبيق القانون بدل زيادة الإجراءات على النظاميين منهم. واذ يؤكد أنه لا يجوز تعميم الامر وكأنه شائع، يلفت الى أن تصدير الفواتير يتم عبر غرفة التجارة والصناعة التي يجب أن تتأكد من أن البضاعة التي ستصدر هي من انتاج لبناني.
وفيما يرى أن معهد البحوث مؤسسة فاعلة لخدمة القطاع الصناعي، يؤكد حماسة الصناعيين للتعامل والتعاون معه للقيام بتدابير تسويقية للصناعة، لافتاً في هذا السياق الى أن انهم كانوا قد طرحوا فكرة برنامج الجودة اللبنانية lebanense quality، خصوصاً في ظل عدم قدرة الصناعة المنافسة بالاسعار في الخارج. هذا البرنامج وفق ما يقول الجميل، يهدف الى التركيز على الصناعات المنافسة بجودتها وبنوعيتها على نحو يخولها الحصول على اشارة مطابقة صادرة عن معهد البحوث.
يشار الى أن شهادة المعهد تعتمد في العديد من الدول حيال المطابقة ويستطيع الراغب في التصدير التعاون مع المعهد اذ توضع أمامه خبرات المعهد وعلاقاته خدمة للصناعة الوطنية وبالطبع شرط المطابقة أساس العلاقة هذه.
وسياسة التشدد التي ينتهجها المعهد والتي تزعج البعض ربما، تصبّ برأي المصادر في مصلحة التجار والصناعيين أنفسهم، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي عمّم لائحة المعايير والمقاييس المطلوبة التي يتجه الجميع في المنطقة للالتزام بها. لذا يشدد المعهد على ضرورة أن يعتاد هؤلاء على التزام المقاييس، أو عليهم تقبل فكرة التخلي عن اسواقهم الخارجية التقليدية للمنافسين في حال استمروا في الانتاج بعقلية الخمسينات.
أمام هذا الواقع، يصف المصدر شكل مواجهة معهد البحوث الصناعية مع التجار والصناعيين بالندية والمرونة في آن واحد، علما أنه يعتمد سياسة واحدة للجميع هي “الحزم في اللين”. ويحدد رؤية المعهد بأن المقاييس هي أصل العملية، والمخالف هو الذي يعطل ويعرقل. فـ”المعهد يصر على المعايير ومطابقة المقاييس، فيما يقاوم التجار والصناعيون محاولين التفلت من ضغوط المعهد بذرائع غالبيتها تحت عنوان “الضرورة الاقتصادية”.