IMLebanon

اقتراح رفع سعر البنزين: الإنفاق المتفلت وغياب الموازنة وقودٌ لزيادة الضرائب

Fuel-Gas
هلا صغبيني

عندما طرح رئيس كتلة «المستقبل« النيابية الرئيس فؤاد السنيورة مسألة زيادة سعر صفيحة البنزين 5 الاف ليرة من اجل تمويل النفقات المستجدة، ومنها تمويل تكلفة تثبيت عناصر الدفاع المدني والتوظيف في قوى الامن الداخلي، وذلك في اطار الحرص على الاستقرار المالي، بدأت النقابات العمالية تتحرك رفضا لهذا الاجراء، بالتوازي مع تصريحات رافضة من قبل مسؤولين في الحكومة وفي المجلس النيابي. علما ان طرح الرئيس السنيورة خلال جلسة الحوار، لم يلق رفضا خلال الجلسة المغلقة، وكان معظم الحاضرين يرون حاجة الى مثل هذا الاجرء من اجل تلبية الحاجات التمويلية الجديدة. وهو طرح تم اقتراحه في السابق اثناء مناقشات البحث عن مصادر لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، من دون ان يلقى اعتراضا كما هو اليوم.

انه من نافل القول انه في ظل غياب موازنة وسياسة مالية شاملة، فستظل تطرح مع الاسف اجراءات ضريبية مجتزأة للتمويل. وبالتالي لا يمكن التصويب على اقتراح السنيورة غير الشعبي، لان الهدف الاساسي منه ليس زيادة الاعباء على الشعب المنهك اصلا بل تخفيف عبء النفقات على الخزينة الخاوية. اذ من المتوقع ان يواصل العجز هذا العام ارتفاعه الى الناتج المحلي الى نحو 10 في المئة في ظل استمرار تراجع حجم الايرادات والزيادة في النفقات. والمواطن في النهاية، سيكون مضطرا اما لتحمل الضريبة اليوم، او تحمل عبء دين مستقبلي وزيادة في الفوائد. علما ان كل سياسة ضريبية تأخذ في الاعتبار قدرة الاقتصاد والمواطن على التحمل اليوم مقابل قدرته على الايفاء من جراء الاستدانة في المستقبل.

ولا شك في ان المسؤولين عن الاقتصاد يفضلون التخفيف من النفقات واعتباره هدفا اساسيا في حد ذاته، ولكن في ظل هذه الظروف الراهنة ووسط تنامي الضغوط، فان المطالبة بانفاق جديد لا تزال متواصلة مما يشكل ضغطا كبيرا على المالية العامة، وهو امر يطرح ضرورة ايجاد وسائل جديدة للتمويل. ومن هنا جاء اقتراح الرئيس السنيورة زيادة سعر صفيحة البنزين 5 الاف ليرة والحديث بعده عن زيادة بواقع 3 الاف ليرة. علما ان زيادة كل الف ليرة على سعر صفيحة البنزين تؤمن ايراد بمئة مليار ليرة، اي ان زيادة 5 الاف ليرة يوفر ايرادات بـ500 مليار ليرة. فالدولة تستهلك سنويا نحو 110 ملايين صفيحة بنزين، وكانت قررت عام 2010 خفض الرسوم على صفيحة البنزين 5 الاف ليرة. وعام 2012، الغت الضريبة على القيمة المضافة على المازوت، ما تسبب بتقليص واردات الدولة من هذه المادة ايضا بـ300 مليار ليرة.

يشار الى أن سعر صفيحة البنزين مقسم على النحو الآتي:

– ثمن «البضاعة»: يتغيّر حسب سعر برميل النفط العالمي.

– رسوم الدولة: 4950 ليرة.

– حصّة شركة التوزيع: 300 ليرة.

– ايجار النقل: 360 ليرة.

– حصّة المحطة: 1900 ليرة.

– تضاف الى هذه التكاليف، ضريبة القيمة المضافة TVA بقيمة 1800 ليرة، ليحدّد السعر النهائي الذي تصدره وزراة الطاقة صباح كل اربعاء من كل أسبوع.

يقول الخبير الاقتصادي كمال حمدان، لـ»المستقبل» ان الوقود والنقل للعموم يمثلان بين 5 في المئة و6 في المئة من ميزانية الاسرة، و»هي نسبة مرتفعة وتطال الفئات ما دون الدخل المتوسط». وهو يرفض اقرار اي زيادة ضريبية من اي نوع كانت طالما لا احترام للمحاسبة العامة ولاقرار موازنات واصدار قطوعات حسابات. ويرى انه لا يجوز في المبدأ تخصيص ضريبة لاوجه انفاق محددة، ويقول ان الايرادات التي تجبى تنفق وفق الالية التي يتم اقرارها في الموازنة وليس لاوجه انفاق محددة.

ويشاطره في ذلك الخبير الاقتصادي غازي وزني الذي يرى من جهته انه استنادا الى قانون المحاسبة العمومية يمنع تخصيص ايرادات معينة لانفاق واضح، وان هذه الايرادات تذهب الى جميع الوزارات من دون تخصيص. «لكن اليوم، تعدى الموضوع المطروح المسألة القانونية، وبات اجتماعيا وسياسيا وماليا»، يقول وزني لـ»المستقبل». فالخزينة تحتاج الى اموال في ظل الانفاق الجديد، «واذا ما تم التوصل الى صيغة لاقرار زيادة 3 الاف ليرة على صفيحدة البنزين، فان هذا الامر يؤمن ايرادات جدية للخزينة بحوالي 330 مليار ليرة على اساس ان الاستهلام السنوي هو بحدود 110 ملايين ليرة. كما ان سعر صفيحد البنزين قد انخفض بحوالي الاربعين في المئة بسفعل الانخفاض العالمي لاسعار النفط، وهو قادر على تحملها». لكن سبب الاعتراض اليوم، بحسب وزني، هو غياب الثقة بين المواطن وبين الدولة. فالمواطن لم يعد يثق بالدولة ويعتبر ان حقوقه مسلوبة دائما، وانه لا يحصل على التقديمات والاجتماعية التي تعزز وضعه الاجتماعي وتحسن مستوى معيشته. وبالتالي فهو يسال دائما عن الجهة التي ستذهب اليها الاموال المجباة وماذا سيحصل عليه في المقابل.

الحل، هو برأي وزني، ان يسارع مجلس الوزراء الى مناقشة مشروع موازنة العام 2016 والتي احالها وزير المالية علي حسن خليل الى مجلس الوزراء في اب الماضي، وان يتم فيها ادراج الضرائب المقترحة.

اذاً، السؤال البديهي الذي يطرحه المواطن اليوم، هو لماذا يجب ان يدفع ضريبة الى الدولة، بمعنى هل ستنفقه بطريقة افضل منه؟ وكيف ستكون الجدوى الاقتصادية لهذا الانفاق في ظل غياب موازنة؟ المطلوب المطالبة بوضع موازنة شفافة تتضمن كل اجراءات الانفاق والايرادات ليعرف المواطن من خلالها سبب جباية اموال اضافية والجهة التي ستنفق عليها.