IMLebanon

فايسبوك: استعمار العالم اقتصادياً .. يبدأ من الهند

modi-zukerberg-india-facebook
حسن يحي

مع احتفال الناس بيوم الصداقة “الافتراضي” على صفحاتهم الشخصية في “فايسبوك”، كان لمؤسس الموقع والشركة لاحقاً همّ آخر. اذ يحلم مارك زوكربرغ مع دخول موقعه عامه الثاني عشر، بأن يصل عدد مستخدمي الموقع إلى 5 مليارات شخص بحلول العام 2030.

طبعاً هذا ليس بالحلم المستحيل خصوصاً مع ملاحظة تطور شبكة المستخدمين، وارتفاع اعدادها بصورة فصلية ومستمرة. وتضاعف عدد مستخدمي فايسبوك النشطين منذ 2011 ليصل إلى 1.5 بليون مستخدم حالياً. كما تخطى “واتساب” عتبة البليون مستخدم. والـ”انستاغرام” أيضاً ما يزيد عن 400 مليون مستخدم. الارتفاع ترافق بطبيعة الحال مع ارتفاع “خيالي” في ايرادات الشركة، وخصوصاً تلك الإعلانية. اذ سجلت عائدات الاعلانات في العام 2015 نحو 17 بليون دولار أميركي، بارتفاع ناهز 60% عن السنة التي سبقتها، وذلك وفق احصاءات مركز “ستاتيستا” المختص بالاحصاءات.

من هنا يأتي تركيز زوكربرغ على الهند، التي سبق أن زارها مرات عدة مجرياً مباحثات ولقاءات وندوات في جامعاتها ومدارسها ومراكزها الرسمية وملتقيا رئيس وزرائها، الأمر الذي أفضى الى سماح السلطات الهندية للشركة بتوقيع اتفاقات من ضمنها مشروع “انترنت دوت اورغ”.
لم يركز زوكربرغ انظاره على الكثافة السكانية الموجودة في الهند حصراً، بل استغل عطشها الى الانترنت كون ما يناهز بليون شخص لا يستطيعون الحصول على خدمة الانترنت في الهند، اضافة إلى الاستثمارات التكنولوجية التي بدأت في الهند منذ سنوات طويلة وبمتابعة مستمرة من بيل غايتس مؤسس شركة مايكروسوفت.
توجه زوكربرغ نحو الهند لم ينطلق من دوافع المشاعر وما شابه، بل من تفكير بمستقبل اقتصادي سيفتح آفاقاً أكبر له ولإستثماراته التي انطلقت من فكرة “فايسبوك”. ويلتقي زوكربرغ بهذه الخطوة نحو الهند مع عمالقة التكنولوجيا الذين يوجهون أنظارهم الى الهند كونها ستكون صانعة المستقبل التكنولوجي، وواحدة من أقوى الاقتصادات في العالم. وهذا التوجه يعيد الى الأذهان ما قالته الرئيسة التنفيذية للعمليات في “فايسبوك” شيريل ساندبرغ، مطلع العام 2014، عن ان الهند “مهيأة لأن تكون أقوى اقتصاد في العالم”. وأضافت ساندبرغ التي عملت في وزارة الخزانة الأميركية ابان عهد الرئيس الاميركي بيل كلينتون، ونائب رئيس قسم المبيعات الالكترونية العالمية في شركة “غوغل”، أن “الاقتصاد الهندي الذي يفوق 2 ترليون دولار أميركي، لديه قدرة على خلق الوظائف وتحقيق النمو الاقتصادي بسبب وجود كم هائل من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيه”.

وتساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 8% من الناتج المحلي الاجمالي في الهند، بالاضافة إلى 45% من قطاع التصنيع، و40% من قطاع التصدير في الهند. هذا الأمر يمكن أن يؤمن الكثير من فرص العمل المستقبلية، خصوصاً اذا ما تم ايصال خدمة الانترنت إلى البليون هندي.
كل هذه العوامل كانت هدفاً رئيساً لشركات التكنولوجيا للاستثمار في هذا البلد، اذ لا تزال السوق الهندية سوقاً ناشئة في مجال التكنولوجيا سواء على الصعيد الاستهلاكي أو الاستثماري، ما يعني أن الشركات العملاقة ستتقاتل على حصتها في هذه السوق، وهو ما يحدث الآن بين “فايسبوك” و”غوغل”.
ويستثمر “فايسبوك” حوالي 50 مليون دولار في القطاع التكنولوجي الهندي، يذهب أكثر من 70% منها الى قطاع الهواتف المحمولة بشكل خاص. وقدر تحليل أعدته وكالة “رويترز” ايرادات “فايسبوك” من السوق الهندية بنحو 15 مليون دولار خلال الربع الواحد من العام.
هذه الاستثمارات التي وصلت إلى المدارس مُطورة المناهج التعليمية والتربوية لأكثر من 200 مليون شخص، ساهمت في ايصال أشخاص عديدين إلى قمة الشركات العالمية ليتسلموا مهام الادارة التنفيذية. الأمر الذي يُفسر وجود أكثر من 70% من مطوري البرامج في “فايسبوك” خارج الولايات المتحدة بأفضلية هندية، ويتم دمج 75% من التطبيقات الأكثر انتشاراً في الهند مع “فايسبوك”.

وتكتسب الهند موقعاً استراتيجياً في مستقبل التكنولوجيا، ويمكن ملاحظة ذلك ايضاً من تصريحات الرئيسة التنفيذية لشركة “آي بي أم” الأميركية جيني رومتي من العاصمة الهندية نيو دلهي، التي أكدت أهمية الهند مستقبلاً في مجال التكنولوجيا، بالاضافة الى إعلانها زيادة استثماراتها في هذا البلد. وقالت رومتي إن “القرن الحادي والعشرين هو قرن هندي بامتياز”.

لهذه الأسباب يتطلع زوكربرغ الى الأسواق الهندية ووصلها بالشبكة العنكبوتية، اذ تصل إيرادات “فايسبوك” التقريبية من الشخص الواحد في الهند 0.15 دولار، في حين تصل هذه الايرادات ممن يعيش في أميركا إلى 8 دولارات.
ولكن الاجراءات التي اتخذتها السلطات الهندية أخيراً، لم تجر كما تشتهي رياح زوكربرغ. اذ قررت وزارة الاتصالات إيقاف مشروع الانترنت المجاني للجميع عبر “تجريمه”. وعبّر زوكربرغ عن “حنقه” على صفحته الشخصية، وكتب عن نيته “المقاتلة” لايصال بليون شخص لا يتمتعون بخدمة الانترنت إلى برّها سالمين.

بالعودة الى “فايسبوك” ونيّته “استعمار العالم” بالمعنى الحرفي للكلمة، قد يُمكّن مشروع الانترنت المجاني جميع الأقضية والمحافظات المهمشة، من ان تصبح مجتمعات قائمة وفاعلة في الاقتصاد الهندي، لكنه أيضاً سيزيد مستويات أرباح الشركة بمستويات خيالية، وخصوصاً كونها المشغل الوحيد لهذه الخدمة التي على الأغلب ستتمكن من اكتساح العالم قريباً. إن لم تسبقها “غوغل”.

عند وصول “فايسبوك” إلى 5 مليارات مستخدم، فإن أغلب الظن أن تصل إيرادات اعلاناته إلى 85 مليار دولار سنوياً من الاعلانات الفايسبوكية حصراً، اذا استقرت على حالها. الأمر الذي يعني دخول المنتجات بمختلف أنواعها إلى سوق العالم الافتراضي للترويج لها. هذا الأمر سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة في أرباح “فايسبوك” أيضاً نظراً لتنوع المنتجات والاستثمارات التي تضخها إلى الأسواق. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمتلك شركة “فايسبوك” معظم ما يستعمله الشباب من تطبيقات في هواتفهم الذكية. فالتطبيقات الأشهر في العالم كـ”واتساب”، و”انستاغرام”، و”ميسنجر” الذي أصبح وحدة مستقلة مزودة بذكاء اصطناعي فريد، و”اوكيلوس في آر” وهي شركة تُعنى بصناعة أنظمة الواقع الافتراضي، وغيرها من التطبيقات والشركات، تعود لـ”فايسبوك”. ويقدر عدد الشركات التي استحوذت عليها “فايسبوك” بنحو 11 شركة منذ العام 2010.

فعلياً، تملك هذه الشركة كل ما يُمكن أن نستعمله في تواصلنا مع الآخرين، تالياً فهي تتحكم في ما يُسمح لنا نشره وما نُمنع عنه وفقاً لسياساتها التي وقّعنا عليها طوعاً من دون الغوص في دهاليزها.
ومع وصول زوكربرغ إلى هذا الرقم الذي يشكل خمسة أضعاف عدد المستخدمين الحاليين، فان الأكيد أن عالمنا سيكون مختلفاً جداً وسيستحيل التنبؤ به من دون مشاهدة العوامل والشركات الأخرى، وآخر استثماراتها ومنتجاتها كـ”غوغل” على سبيل المثال لا الحصر. ولكن لـ “غوغل” حكاية اخرى.