IMLebanon

الأب يجمع “14 آذار”.. والإبن ينسفها (بقلم هيثم الطبش)

saad harireh 14 mars

 

كتب هيثم الطبش:

حتى في حضرة غيابه يواصل الرئيس الشهيد رفيق الحريري تسجيل النجاح وتقديم الخدمات للبنان الوطن ولقواه السيادية، فبسببه وعلى حُبه حضر الجميع متناسين الخلاف الشخصي والتباين السياسي مفضلين تحصين الموقف وإعلاء راية الاعتدال.

كانت مهمة خطوة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الحضور إلى البيال مؤكداً بذلك أن وحدة 14 آذار تعلو ولا يعلى عليها، وأن مستجدات الملف الرئاسي، ترشيحاً، هي خيار يأخذه كل مكوّن من أبناء البيت الواحد بحرية من ضمن ثابتة التنوع الديموقراطي.

وبالميزان ذاته كانت خطوة الوزير أشرف ريفي في الحضور مهمة لتعلو على التغريدة الـ”هفوة” للرئيس سعد الحريري قبل أيام، ولتقول أنه في حضرة رفيق الحريري التفاصيل لا تقدم ولا تؤخّر.

أثبت جعجع أنه زعيم بكل ما للكلمة من معنى ومد بحضوره جسراً لردم الهوة مع الحريري الذي كرّس أيضاً معادلة أن تيار المستقبل ركن وطني أساس لأنه يمثل الاعتدال في وجه التطرف الذي يغزو المنطقة.

لكن هذا الجو الإيجابي كله انكسر في اللحظة التي قرر فيها الحريري توجيه “لطشة” لجعجع لم يكن لها معنى في مضمون خطابه، ولا مكان لها في قاموس الراغب في رأب الصدع مع الحليف.

لو فعلتها (المصالحة مع العماد ميشال عون) يا حكيم من زمان كم كنت وفرت على المسيحيين؟ سأل الحريري. ربما فات زعيم المستقبل أن جعجع كان حليفه وأنه كان يحارب بسيفه، ولم يفتح قنوات الاتصال مع الخصوم إلا بعدما دشّن الحريري شخصياً هذا المسار. ربما فاته أن تحالف 14 آذار لم يكن في وارد التقارب لا مع عون ولا مع فرنجية لتقديم ترشيحهما على طبق من ذهب لحزب الله، إلى أن كان لقاء روما بينه وبين عون، وأنه هو شخصياً أنكر حصوله.

بكل حسن نية نقول هذه الهفوة ما كان يجب أن تحصل، ولو أن هذه الجملة كُتبت في الكلمة المحضّرة لكان حضور جعجع كفيلاً وكافياً لاستدراك شطبها. أما لو لم تكتب أصلاً، وهو الأرجح، فحري السؤال عمّن يكون قد همس في أذن الرئيس الحريري قبل اعتلاء المنبر ليمررها، أم أنها أتت وليدة لحظتها.

الصورة التي طلب الحريري شخصياً أخذها فجاءات على شاكلة المثال الشعبي “بدل ما يكحلها عماها”، إذ أحاط الحريري نفسه بالرئيس أمين الجميّل من جهة وبنجله سامي من جهة، مبقياً مسافة بينه وبين جعجع. في السياسة، هذه المساحة الجغرافية، وإن كانت محدودة، لكنها انعكاس لحجم الشرخ الذي تعمّق بين الرجلين، ولو أن الحريري أراد فعلاً التقارب مع جعجع ومع شارعه المسيحي العريض، لكن اقترب من زعيم القوات خطوة تلاقي بصغرها كل المسافة التي قطعها “الحكيم” من معراب إلى البيال.

في مطلق الأحوال، قرر سمير جعجع استيعاب الهفوة الحريرية ببسمة تخفي في طياتها ما يشير إلى أن الزجاج المكسور لا يمكن إصلاحه وأصبح لا بُدّ من استبداله.

فالرجل المتسلّح بالرصيد المسيحي الهائل بعد ترشيح عون يدرك في قرارة نفسه أن البلد يعيش مرحلة خلط أوراق وإعادة رسم تحالفات، وفي هذا المجال فإن سمير جعجع، وبعد “خطيئة” الحريري، أصبح هو “الشريك الحاجة” الذي يجدر بأي مكوّن سياسي محلي البحث عن سبل جذبه بكل ما يمثّل من قوة مسيحية عليها لعب الدور في تنفيس أي احتقان سني شيعي في البلد.

وبهذا المعنى بالذات، فإن جعجع أصبح النقطة المضيئة في ظلمة الانقسام الطائفي بالمنطقة، التي سيبقى تيار المستقبل فيها قطباً محسوباً على المعسكر السني بينما حزب الله هو القطب النقيض المحسوب على المعسكر الشيعي.

ذكرى 14 شباط، التي كللها الحريري بعودته إلى بيروت، كانت مناسبة أعلن فيها رفيق الحريري من حيث هو أن بيت 14 آذار يجب أن لا يُهدم، لكن الرئيس سعد الحريري وفي “لحظة تخلٍّ” قرر أن يفجّر التحالف مع سمير جعجع لسبب لا يعرفه إلا هو!