IMLebanon

الشراكة مع القطاع الخاص: إخفاء الدين العام

electricity

إيفا الشوفي

عاد المجلس الأعلى للخصخصة إلى الواجهة، امس، عبر مؤتمر حمل عنوان «مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تفتح آفاقاً جديدة»، تضمّن أربع جلسات. وُزعت نسخ من الدليل التوجيهي للشراكة بين القطاعين ومشروع القانون المطروح منذ 9 سنوات، وأُعلن أن الهدف من هذا المؤتمر هو الضغط من أجل إقرار القانون.

المروجون لهذا القانون حضروا جميعهم: المصارف، غرفة التجارة والصناعة، البنك الدولي، المستثمرون، وزير الاقتصاد، المجلس الأعلى للخصخصة… روّج هؤلاء للشراكة باعتبارها «السبيل الوحيد لتحريك العجلة الإقتصادية»، وخصوصاً أن «إدارة الدولة للخدمات سيئة»، وفق رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، وهو تعبير ملطّف قليلا عن مقولة «الدولة تاجر فاشل». ليضيف أنّ «الشراكة بين القطاعين يمكن أن تجمع الحسنات الإقتصادية للقطاع الخاص، والهاجس الإجتماعي للقطاع العام»، إلّا أنّ فادي جويز، الرئيس التنفيذي لشركة «ماتيتو»، عبّر فعلياً عن مفهوم الشراكة بالنسبة للقطاع الخاص في مداخلته. تعمل الشركة في مجال المياه و»هناك عوامل تجعل من الصعب تنفيذ المشاريع في هذا المجال بعكس مجالات أخرى مثل الكهرباء والطرقات… أهمها الإستثمارات: فشبكات التوزيع مكلفة وبطيئة والمشكلة الأساسية هي أن الناس ينظرون الى المياه باعتبارها حقا اجتماعيا، فكيف لنا أن نبيع المياه بطريقة محمولة الكلفة؟». يستغرب جويز أن تكون المياه حقا إجتماعيا، لا بل يعد الأمر مشكلة! المياه سلعة فقط، إذ لا حقوق إجتماعية للناس في الشراكة المنشودة، واعتبارات المصارف والقطاع الخاص في مشاريع الشراكة تقوم على تحقيق أكبر قدر مستطاع من الأرباح.

مشاركة الدولة المخاطر لا الأرباح

يعرض المشاركون في الجلسة الثانية مسألة الشراكة بتبسيط مطلق: «فلنتشارك (نحن، أي القطاع الخاص والمصارف) والدولة المخاطر والأرباح في المشاريع الإستثمارية مثل توسيع المطار، تحسين شبكات النقل، الصحة والتعليم…». أي فلتأخذ الشركات قروضا من المصارف لإنجاز مشاريع، ولتشارك الدولة في تحمّل جزء من المخاطر التي يمكن أن تواجه المشاريع من ثم فلتلتزم الدولة شراء الخدمات التي تقدّمها الشركات وفق عقود تحافظ على هامش واسع من الربح للشركات! إذاً يحصل القطاع الخاص على النسبة الكبرى من الأرباح وتتحمل الدولة النسبة الأكبر من المخاطر.
يكمل المجتمعون أن «عوامل النجاح متوافرة إذ لدينا قطاع خاص قوي ومتين لأن هذه المشاريع سيديرها القطاع الخاص، لدينا قطاع مالي يحتوي على سيولة كبيرة لتمويل المشاريع، لكن ليس لدينا إستقرار سياسي ولا إدارة جيدة للشراكة من قبل الحكومة ولا نظام قضائي متين». بمعنى آخر يقول المجتمعون إن لدينا قطاعا خاصا قويا ودولة فاشلة لذلك تبرز الحاجة الى مشاريع الشراكة.
اللافت في المؤتمر الذي يسعى إلى الضغط لإقرار القانون بأسرع وقت، هو انعقاده بعد تخصيص مؤتمر لندن مبالغ كبيرة من المال لمشاريع إستثمارية في الدول المتضررة من الأزمة السورية من ضمنها لبنان، الذي قدّم ورقة تضم 136 مشروعاً من ضمنها مشاريع استثمارية ضخمة في البنى التحتية. وقد أشار مدير قسم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجموعة البنك الدولي لورانس كارتر الى أن البنك الدولي سيقدّم قرضاً لإنشاء نظام نقل سريع يقوم على مبدأ الشراكة، وهو مشروع طرحته الحكومة في ورقة لندن.

إخفاء الدين

يقول الوزير السابق شربل نحاس أن الشراكة «هي شكل معين من صيغ العقود العامة»، ويشرح انه «عندما تتجه الدولة إلى شركة خاصة لتأمين خدمة معينة فهي إما تستدين وتُعطي الشركة أو أنها تتفق مع الشركة أن تسدد لها التكاليف بالتقسيط، وعليه تقوم الشركة بالإستدانة من المصارف وتأمين الخدمة، وبالتالي هذا عقد مشتريات عامة لا عقد شراكة». يضيف «يمكن للدولة ايضاً أن تطلب من الشركة ألا تبيعها فقط الخدمة بل أن تشغّلها وتؤمّن صيانتها لمدة معينة، وبالتالي هذا أيضاً عقد مشتريات عامة وتشغيل وصيانة. الفرق هنا أنه اذا تولت الدولة التسديد نقداً يظهر هذا المبلغ في الدين العام، أمّا اذا قسّطت المبلغ فهو لا يظهر في سجلات الدين العام».

ما يطرحه هؤلاء كشراكة في قطاع الكهرباء مثلاً هو أن «تطلب الدولة من شركة معينة أن تنشئ معملا للكهرباء وتشغّله، وبالمقابل تلتزم الدولة شراء كمية محددة وبالتالي تنتفي المخاطر لأن الشركة تقبض من الدولة، وعليه أصبح مترتبا على الدولة دفعات محددة على مدى سنوات عدة، لكن كون هذه الدفعات لم تقترضها الدولة لا يتم تسجيلها ضمن الدين العام». إذاً هي عملية احتيال في حجم المديونية العامة، إذ بهذه الطريقة لا يكون معدل الفائدة معلنا لأن الدين غير ظاهر، وبالتالي يمكن للمصارف أن ترفع معدل الفائدة على نحو كبير، ما يبرر حماسة المصارف لإقرار القانون.
استفاضت المصارف في المؤتمر في شرح التحديات التي ستواجهها جراء مشاريع الشراكة «فالودائع في لبنان قصيرة الأمد فيما مشاريع الشراكة تحتاج إلى تمويل طويل. كما أن تمويل عقود الشراكة يتطلب من المصارف الدخول في عمليات تمويل معقدة وتحمّل مخاطر كبيرة». يعترف هؤلاء لاحقاً بأن عقود الشراكة «تمثّل مصدر دخل مهما لهم بالرغم من المخاطر التي تواجهها لأنه كلما تطورت البنى التحتية تطوّر النمو الاقتصادي».

نماذج الشراكة

يرى الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك أن النموذج الأنجح للشراكة بين القطاعين الخاص والعام في لبنان هو شركة «ليبان بوست»، لذلك خُصّصت أمس فقرة لعرض «إنجاز» الشراكة بين القطاع العام والشركة المذكورة. قد تكون آخر إنجازات الشركة، التي غابت عن الحاضرين في المؤتمر، استيفاء «ليبان بوست» مبالغ إضافية من الزبائن من دون موافقتهم لمصلحة جمعية «حماية». إلّا أن نحاس ينفي أن يكون العقد مع «ليبان بوست» عقد شراكة بل هو خصخصة وامتياز، إذ إن الشركة تقبض مباشرة من الزبائن لحسابها إذاً هي ليست شراكة.
إلا أنّ مفهوم الشراكة لدى منظمي المؤتمر واسع إذ يرتكز على ما جاء في مشروع القانون في المادة الأولى بأنّ «المشروع المشترك هو أي مشروع ذي طبيعة إقتصادية يساهم فيه القطاع الخاص عن طريق التمويل والإدارة وإحدى العمليات التالية على الأقل: الإنشاء، التشييد، التطوير، الترميم، التجهيز، الصيانة، التأهيل والتشغيل».
فإذا كانت الشراكة بالنسبة لهم تتضمن على الأقل إحدى العمليات المذكورة أعلاه، فإن المجتمعين نسوا نموذجا ناجحا جداً من الشراكة (وفق مفهومهم) في إدارة النفايات والمتمثل في عقود شركة «سوكلين» مع الدولة (غصبا عن البلديات)، التي حصلت طوال أعوام على ملايين الدولارات من دون أي معالجة للنفايات لينتهي الأمر بغرق الشوارع بالنفايات. كذلك تعدّ الشراكة مع المستشفيات الخاصة من أنجح النماذج، إذ مات الكثيرون على أبواب المستشفيات بسبب عدم توافر المال لديهم مقابل دفع الدولة ملايين الدولارات لهذه المستشفيات. فإذا كان مقياس الشراكة هو مدى تحقيق القطاع الخاص للأرباح فإن لبنان نجح بامتياز، أما إذا كان المقياس جودة الخدمات وضمان وصولها الى الناس فالنماذج الفاشلة كثيرة ولائحة الامثلة تطول من استراحة صور الى مغارة جعيتا وصولا الى السوق الحرة في المطار مرورا بمقدمي الخدمات في الكهرباء. على فكرة، المياومون في الكهرباء كانوا جزءا من عقد شراكة مع القطاع الخاص «لتوريد العمالة».

حبذا لو يقرأون

ظهر اقتراح قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص عام 2007 في عهد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، حين كان جهاد أزعور وزيراً للمال. أرسلت الحكومة آنذاك المشروع إلى مجلس النواب، إلا أن رئيس المجلس نبيه بري رفض تسلّمه جراء الأزمة السياسية وتعطيل أعمال البرلمان. عام 2010 أُعيد طرح المشروع في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري، إذ قدّم النائب علي حسن خليل المشروع نفسه من دون أي تعديلات بصيغة اقتراح قانون إلى المجلس النيابي، فأُلِّفَت لجنة وزارية لدراسته ضمّت العديد من الأشخاص، من ضمنهم الوزيران شربل نحاس وإبراهيم نجار، اللذان اعترضا على المشروع، ووزع نجار نسخاً عن قانون الشراكة الفرنسي وقانون الشراكة البريطاني، مرفقةً برسالة تقول: «حبذا لو قرأ من وضع مشروع القانون النصوص المرفقة». فالقانون الفرنسي يجيز عقود الشراكة في حالة واحدة فقط، هي عدم قدرة الدولة على تأمين الخدمة الضرورية بسبب عجز بالقدرات التقنية أو التمويلية أو الإدارية أو اللوجستية، وفي حال ثبوت أن الصيغة المطروحة لها أفضلية على العقود العامة غير مقتصرة على كلفة التمويل.