IMLebanon

اقتصاد فنزويلا يدفع ثمناً باهظاً للصراع السياسي وانهيار النفط

VenezualOil
ما ان انقضى عام واحد على رحيل الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز عام 2013 حتى برز في العام التالي حجم الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد أصلاً على كافة الصُعُد، مع تصاعد حركة الاحتجاج المعارض لسياسات النظام من جهة، بموازاة عكس أسعار النفط العالمية اتجاهها هبوطاً اعتباراً من منتصف عام 2014، وصولاً إلى خسارتها حتى اليوم نحو سبعين في المئة من قيمتها، مع ما يرتبه ذلك من أعباء هائلة على اقتصاد بلد يعتمد على النفط لتأمين 96 في المئة من إيرادات العملات الصعبة.

عندما توفي تشافيز، كان سعر برميل الخام يتجاوز 110 دولارات. وكانت المعارضة لا تزال في مهدها، قبل أن يهوي البرميل اليوم إلى نحو 35 دولاراً، وتكتسح القوى المناوئة لنهج تشافيز البرلمان بفوزها بالغالبية النيابية وتهدد خليفته نيكولاس مادورو بانتخابات مبكرة قد تطيحه من سدة السلطة.

عندما توفي تشافيز في 5 آذار 2013، كان التضخم السنوي تجاوز 25 في المئة، لكنه جمح في عام واحد بحلول شباط 2014 إلى 56,3 في المئة، أي أنه تفاقم إلى أكثر من الضعفين. بينما ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء من 24,17 بوليفاراً إلى 83 بوليفاراً. بمعنى أن العملة الفنزويلية خسرت من قيمتها نحو الثلثين، علماً أن السعر الرسمي كان 6,3 بوليفارات فقط.

أما اليوم، فقد أصبح الوضع أكثر سوءاً على المستويات كافة، لا سيما مع إعلان المصرف المركزي رسمياً الخميس الماضي أن نسبة التضخم بلغت 180,9 في المئة عام 2015، وهي بين الاكثر ارتفاعا في العالم، بينما تراجع الناتج الداخلي الاجمالي 5,7 في المئة سنة ثانية على التوالي.

بيانات المصرف المركزي صدرت غداة اتخاذ مادورو قراراً برفع سعر الوقود 6 في المئة، لتقليص النفقات بعدما شحّت موارد الخزينة النفطية. وهو اجراء حساس للغاية في هذا البلد الغني بالنفط، حيث سعر الوقود كان الأدنى عالمياً. فضلاً عن قرار آخر قضى بخفض قيمة العملة الوطنية بنسبة 37 في المئة.

«المركزي« الساعي لإدارة ملف التضخم، أقرّ بأن رفع الاسعار يتم في اطار خفض العرض على المواد الاستهلاكية بشكل مرتبط مع خفض الواردات والانتاج الوطني، وهو وضع تأثر بانهيار اسعار النفط، كما نسب التضخم الى نقص السلع الاستهلاكية الذي يعتبره السكان إحدى أبرز المشكلات الحالية، علماً أن 2015 العام الثالث على التوالي لارتفاع الاسعار في فنزويلا بعد تضخم بلغ 68,5 في المئة في العام السابق، في وقت كان الانكماش الاقتصادي ازداد سوءاً بعد تراجع بلغت نسبته 3,9 في المئة عام 2014.

في تحليل لأوضاع السوق، يعتبر المصرف المركزي ان هذه النتيجة السلبية مردها لعدم توافر العملات الأجنبية بسبب تراجع سعر النفط، الأمر الذي أثّر سلباً على الواردات الضرورية للإنتاج الوطني.

وكأن فنزويلا لا تكفيها مشكلاتها المالية والاقتصادية والمعيشية، حتى جاء استعار الخلاف السياسي ليزيد الأمور سوءاً. فما إن أعلن مادورو الأربعاء الماضي خفض قيمة العملة وزيادة سعر الوقود المدعوم، حتى برزت موجة رفض من معارضي الزعيم الاشتراكي الذين سارعوا إلى رفض قراراته بذريعة أنها «غير كافية«.

قرارات مادورو الذي قال إنه يتحمل مسؤوليتها بالكامل، من شأنها أن تخفض سقف سعر الصرف الرسمي 37 في المئة من 6,3 بوليفارات إلى 10 بوليفارات مقابل الدولار، وتحوّل النظام السابق لأسعار الصرف المكون من 3 درجات إلى آلية ثنائية. كما ترفع سعر البنزين الممتاز 1329 في المئة.

وسارع معارضو مادورو إلى التشكيك في الاعلان عن تعويم حر للبوليفار، مشيرين إلى أن الحكومة سبق لها مرارا أن أعلنت عن مثل هذه الخطوة، لكنها لم تسمح أبداً للطلب بأن يحدد سعر الصرف عملياً، وهم يجادلون بأن الحل الوحيد للمشكلات الاقتصادية يكون بإلغاء كامل لنظام العملة القائم منذ 13 عاماً، أثناء حكم تشافيز.

تأزّم الأوضاع في فنزويلا دفعها منذ أشهر للعب دور محوري في محادثات وساطة مع كبار منتجي النفط سواء داخل منظمة الدول المصدّرة «أوبك«، أو بينها وبين كبار المنتجين الآخرين حول العالم، إلى أن شهد الأسبوع الجاري توافقاً بين السعودية وروسيا وإيران وقطر وفنزويلا نفسها على تجميد الإنتاج عند المستوى القياسي المسجّل نهاية كانون الثاني الماضي.

مادورو اعتبر أن التوافق على تجميد الإنتاج «خطوة أولى باتجاه اتفاق نفطي أوسع نطاقاً»، داعياً إلى تحالف جديد بين البلدان المنتجة من داخل أوبك وخارجها لجلب الاستقرار إلى سوق النفط التي أدى انخفاضها إلى تفاقم الركود الاقتصادي الحاد في فنزويلا، وأدى إلى خسائر مالية كبيرة وعجوزات مالية هائلة في موازنات كل المنتجين بدون استثناء، ما يعني تالياً أن الأحوال المالية والاقتصادية في كل الدول المنتجة، لا سيما في الدول الأكثر تضرراً، مثل فنزويلا، سيكون تحسّنها مستقبلاً مرتبطاً مباشرة بارتفاع سعر النفط إلى مستويات أفضل، وهو ما يستبعده كثير من المحللين والمراقبين.