IMLebanon

ترافق الضغوط الخارجية والفراغ الداخلي ينذر بالمزيد من الأزمات الاقتصادية

Lebanon-Economy

عدنان الحاج

لم تعد هناك مجالات كثيرة للحديث عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة غياب المعالجات، ولو المؤقتة، عن معظم القطاعات والمجالات التي تغزوها الصعوبات الجديدة، ناهيك عن الأزمات القائمة والمستمرة والموروثة التي تتراكم منذ سنوات، والتي تزداد سوءاً، نتيجة انتشار المحسوبيات والفساد في الادارة والوزارات، وصولاً إلى كل المؤسسات العامة التي بدأت تنتقل من القطاع العام لتضر بالقطاع الخاص.
تكفي الإشارة إلى عناوين المشكلات القائمة والمستحكمة في مختلف المجالات، لاعطاء صورة ولو قريبة عن مستنقع الأزمات، الذي يبحث فيه المسؤولون، أو ما تبقى من المسؤولين، عن العلاجات الملوثة والمحاصرة بالفساد والمحسوبيات الطائفية والمذهبية، التي باتت الشعار للإفادة والاستفادة الشخصية لجماعات محددة على حساب الخزينة وتراجع عائداتها، وعلى حساب عموم المواطنين ومصالح الوطن المتآكلة يومياً، من دون الحد الادنى من المحاسبة على التقصير أو على عدم الانجازات، على الأقل في الخدمة العامة التي يدفع ثمنها المواطن أكثر من مرة وفي غير مجال.

الضغوط الخارجية ومهمة النوب
1ـ أبرز المواضيع التي تم اقرارها من قبل الدولة اللبنانية والمجلس النيابي، والتي حملها معه الوفد النيابي إلى الولايات المتحدة والمسوؤلين في وزارة الخزانة، والقيادات المعنية بالقطاعات المالية والاقتصادية، تتعلق بجملة تشريعات حول مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال والتهرّب الضريبي، وهو ما حمل الوفد النيابي إلى السفر للولايات المتحدة، وكان يفترض ان يسبقه وفد مصرفي، وهو الوفد الذي اجرى اتصالات لرفع الضرر عن القطاع المالي والمصرفي اللبناني، والتعامل مع لبنان على الصعيد الخارجي بعد خفض تصنيف لبنان الائتماني أو الاشارة الخارجية بتخفيضه.
لقد حمل الوفد النيابي معه القوانين التي أقرّها المجلس النيابي، ليضع لبنان على لائحة التعاون مع خطوات مكافحة العمليات المالية المشكوك فيها، ولتخفيف الضغط المالي. وهو ما حمله وسيحمله الوفد المصرفي لاظهار مدى تجاوب لبنان مع المعايير والقرارت الدولية.
أـ لقد وافق مجلس النواب على اتفاقية الأمم المتحدة الرقم 1999 المتعلقة بتنضيب مصادر تمويل الإرهاب.
ب ـ الموضوع الثاني هو تعديل القانون 318 المتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، بما فيه اللوائح المفروضة، حيث يكون لدى كل دولة لائحة بالإرهابيين المصنّفين دولياً والمحظورين حسب مفهوم القانون وضمن التعديلات المقترحة.
ج ـ القانون الثالث يتعلق بقضية التصريح بإدخال الاموال النقدية عبر الحدود، حيث لايوجد قانون خاص ينفذ في لبنان لتحديد هذه العمليات التي تدخل في صلب عملية مكافحة تبييض الأموال.
د ـ النقطة الرابعة أو القانون الرابع يتعلق بتبادل المعلومات بالنسبة للتهرب الضريبي، وهو ما تلقت الدولة تعليمات بشأنه عممت على القطاعات المالية والمصرفية.
وتأتي الضغوط الخارجية من غربية وعربية (الموقف الأخير لدول الخليج الذي يهدد بنتائج اقتصادية ـ اجتماعية كبيرة، نتيجة الاعتراض العربي على الاداء السياسي والوزاري اللبناني تجاه الدول العربية والخليجية)، مترافقة مع تراجع ملحوظ في المؤشرات الاقتصادية بالجملة والمفرق، من دون تمييز قطاع عن آخر، باستثناء بعض النشاط والنمو الذي يتحقق على صعيد القطاع المصرفي، وإن تراجعت معدلات نموه، مقارنة بسنوات سابقة، وهو أمر يحتاج إلى تفعيل للقطاعات نتيجة انتشار الفراغ مع أكثر القطاعات والمؤسسات والوزارات والمؤسسات العامة وتراجع النشاط على غير صعيد.
ببساطة ومن دون ترتيب، نظراً لتقارب الأهمية والانعكاسات على الوضعين المالي والاجتماعي، يمكن تعداد المشكلات:
2 ـ بداية هذا الواقع يبشر بعدم وجود امكانية لتحسن الحركة التجارية والاقتصادية، في ظل هذه الاجواء الملبدة وغير المستقرة، مع تكاثر الحديث والنصائح المتنوعة المصادر للبعض، بعدم الاستثمار في لبنان في هذه المرحلة الحرجة، وهذا امر في منتهى الخطورة على كل الحركة والمناطق الاستثمارية في لبنان، من وسط بيروت الى ابعد المناطق في لبنان من دون استثناء، وهو ما بدأ فعلاً بتراجع الحركة التجارية والخدماتية بنسبة 7.5 في المئة خلال الشهرين الماضيين.
الخطورة في الموضوع هي في صعوبة توسع الاستثمارات اللبنانية، استناداً إلى مؤشر أساسي، وهو أن المؤسسات القائمة، لاسيما التجارية والصناعية منها، في أكثرها مثقلة بالديون، وبالتالي ليست مستعدة لزيادة حجمها على حساب الديون الجديدة، مع الإشارة هنا إلى أن الديون المصرفية المشكوك بتحصيلها على مؤسسات القطاع الخاص، في نهاية الثلث الثالث من السنة الماضية تفوق 5.2 مليارات دولار، نصفها تقريباً يعود الى الفوائد المتراكمة. مع الإشارة هنا أيضاً الى أن المصارف أخذت مؤونات على هذه القروض تفوق الملياري دولار تقريباً، هذا على الرغم من التسويات التي أجرتها المصارف طوال السنوات الماضية، مع التسهيلات التي تم التوافق عليها مع المصارف، ومع ذلك لم يتوقف تزايد هذه الديون سوى بنسبة بسيطة، وهي باتت أعلى من المستويات خلال السنتين الأخيرتين بشكل لافت.
3 ـ إشارة ثانية الى ان الاستثمارات في المناطق عموماً تبدو شبه معدومة، من الشمال إلى الجنوب، وفي مناطق بيروت الكبرى من وسطها الى ضواحيها القريبة، تبقى الاكثر تضرراً من الظروف السياسية، نتيجة تمركز معظم القطاعات الاقتصادية في هذه المناطق، وهي الاكثر استيعاباً للقوى العاملة في مختلف المجالات الاقتصادية، من تجارية الى صناعية وسياحية ومالية وخدماتية. تكفي الاشارة الى ان وسط بيروت وحده، وهو المركز للنشاطات الاقتصادية، يضم اكثر من 60 مؤسسة مصرفية ومالية محلية وعربية، اضافة الى اكثر من 100 مطعم ومقهى ومؤسسة سياحية، كذلك يضم مركز العاصمة اكثر من 530 محلاً تجارياً مختلفاً. كما يضم حوالى 1000 مكتب ومؤسسة صغيرة ومتوسطة، ناهيك عن المؤسسات العامة والمؤسسات الدينية.
ـ 3 على صعيد العناصر الثلاثة، التي تحقق النمو الاقتصادي في البلاد، وهي مؤشرات مضروبة ومتراجعة بشكل كبير خلال كامل العام الماضي والأشهر الأولى من العام الحالي، حيث يقارب النمو أكثر من واحد في المئة، وهو أمر مستمر نتيجة تراجع الصادرات الصناعية بأكثر من 10.7 في المئة والزراعية بأكثر من 7 في المئة، وهي قطاعات تعمل فيها أكثرية اليد العاملة في القطاعات الانتاجية. اما السياحة فهي مصدر الشكوى من اصحاب المؤسسات السياحية، حيث يعمل القطاع بأقل من 30 في المئة من حجمه السابق حتى في السنوات السيئة. وهذا ينذر بتمدد عمليات الصرف العمالي من القطاعات الثلاثة الكبرى، التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني. وحده القطاع المصرفي ما زال يناضل للمحافظة على مؤشرات مقبولة، وهو يعتمد بشكل كبير على نشاطه في الخارج كما في الداخل، لكن التراجعات في هذا القطاع تظهر من خلال مقارنات متفاوتة بين مراحل السنة.
المهم أن اجمالي القطاعات تتراجع، أو تشهد عمليات اقفال أو توقف، وهذا أمر سيزداد في ظل الحظر والمقاطعة العربية، لاسيما الخليجية منها، مع تزايد التطورات والتوترات المحيطة بلبنان، وهو كان يمكن ان يستفيد من حالة المنطقة أكثر من ذلك في تحسين نشاطه.