IMLebanon

الصين ستتحول إلى أكبر اقتصاد في العالم

ChinaTrade

عبد الاله مجيد

منذ زمن الرئيس توماسي جيفرسون الى دونالد ريغان، رغم ان البعض سيقول الى بيل كلنتون، كانت أميركا تمارس سيطرة ثابتة على التجارة الخارجية، وكانت هذه أداة دفاعية بقدر ما كانت اداة للنمو الاقتصادي، ففي عام 1994 وقّع كلنتون اتفاقية نقلت تنظيم تجارة اميركا من واشنطن الى منظمة التجارية العالمية، وانضمت الصين بعدها بفترة قصيرة ونالت، بمساعدة الولايات المتحدة، وضع الدولة الأولى بالرعاية. كان ذلك في عام 2000. ومن المؤكد ان انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية ساعد على تسريع نمو اقتصادها للارتقاء الى مكانة عالمية بارزة. والأحداث التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية ليست استثناء. فنحن لعلنا شهدنا خفض قيمة اليوان واقتراب سوق الأسهم الصينية من الانهيار وتباطؤ قطاعها الصناعي كلي القوة، ولكن لا تنخدعوا، فالصين ستتجاوز الولايات المتحدة قريبا لتصبح أكبر اقتصاد في العالم.

مبادرات

ومما يضفي مصداقية على هذا الرأي مبادرتان اطلقتهما الصين مؤخرا. وهما تركزان على النمو والصادرات في المستقبل: مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” والأخرى تدويل اليوان، ولكن قد يكون من المفيد النظر الى هذه التطورات بمنظارٍ غرب آسيوي. فالمبادرتان تهمان الى درجة كبيرة مجلس التعاون الخليجي وطموحه من اجل التنويع ودوره في القطاعات الاقتصادية العالمية، ولهما صلة به. وسيكتسب تدويل اليوان اهمية متزايدة للقطاع النفطي في المستقبل. فمنذ السبعينات كانت مبيعات النفط كلها عمليا تجري بالدولار الاميركي. ومن الجائز ان يتغير ذلك في المستقبل إذا جرت تسوية مبيعات النفط من الخليج العربي الى الصين باليوان. ويريد الصينيون في النهاية ان يحدث ذلك، بل انهم، بتدويل اليوان، يتحركون في هذا الاتجاه بكل تأكيد. وقد يتيح هذا في نهاية المطاف لسوق الغاز الصينية ان تجني الفوائد نفسها التي تجنيها الولايات المتحدة. مركز الاهتمام الحقيقي بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي هو مبادرة “حزام واحد ، طريق واحد”، التي تقدمها الحكومة الصينية بوصفها “طريق الحرير” الجديد، وهي استراتيجية تنموية جديدة جريئة، تسعى الى الترابط وتعزيز التعاون بين الدول اليور آسيوية على ركنين، هما “العقل الاقتصادي لطريق الحرير” البري و”طريق الحرير البحري” العابر للمحيطات، ويشكل الاثنان اساس هذه الاستراتيجية. وكانت المحطة الأولى هي الجسر البري اليور آسيوي الجديد، وهو خط للسكة الحديد يربط الصين بوسط اوروبا عن طريق كازاخستان واوروبا الشرقية، وسيتركز الكثير من استثمار الصين الموعود بقيمة ترليون دولار في اطار مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، على التجارة والبنية التحتية المرتبطة باللوجستيات، بما في ذلك العديد من الموانئ الجديدة أو الموسَّعة على الطريق البحرية للمبادرة. وتشمل جغرافية هذه المبادرة الكتلة الأرضية الآسيوية بأكملها، وصولا الى اوروبا. وتربط النسخة البحرية منها موانئ الصين بأفريقيا وتستمر مرورا بالبحر الأحمر الى المتوسط. فالصين تعيد اختراع العولمة. في الكتابات الصينية المتعلقة بالتخطيط، كثيرًا ما تتردد عبارتا “قطاعات النهاية العليا” و”التصنيع المتطور”، ويشمل هذا في احيان كثيرة تكنولوجيا المعلومات والمواد الجديدة وخطوط السكك الحديد ذات السرعة العالية والطاقة النووية والصناعة الجوية والفضائية والاستثمارات الزراعية والتمويل.

فرصة تاريخية

ولدى مجلس التعاون الخليجي القليل جدًا من الشركات الصناعية متعددة الجنسيات التي يمكن ان تقتطع لها حصصا جدية في البلدان الأجنبية، ما عدا ، بالطبع ، الشركات العاملة في قطاع النفط والقطاعات الخدمية ذات العلاقة، ولكن قيام مجلس التعاون الخليجي بمجهود منسق لاستحداث صندوق مدعوم من الدولة يمكن ان يستثمر، بالاشتراك مع الصين، في بعض هذه المبادرات، سيكون خطوة كبيرة الى الأمام، وهي خطة من النوع الذي يسفر عن فرص ضخمة لنمو الشركات الخليجية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي تحتاج الى التوسع خارج مجلس التعاون الاقتصادي في المستقبل. وفي هذا الإطار، اطلقت ابو ظبي، الى حد بعيد، صندوقها الصيني بالتعاون مع مؤسسات صينية، وبدأ مجلس التعاون الخليجي عمومًا يولي هذه التطورات اهتماما كبيرًا، ولكن تغيير قواعد اللعبة سيحدث إذا ما دخلت الحلبة خطة استراتيجية جوهرية ومدروسة لضمان استحداث صندوق خليجي – صيني فائق بقيادة دول الطرفين، وهو يمكن ان يؤثر في اولويات مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” ويدفعها، في منطقة الشرق الوسط وشمال افريقيا الى جانب مناطق من أفريقيا. وهذه فرصة تاريخية يمكن ان تثمر فوائد اقتصادية لا يمكن تخيلها لأجيال من مواطني مجلس التعاون الخليجي الشباب، فمعماريي المستقبل ومهندسيه وتجاره ورجال أعماله واطباءه وأي مهنة يمكن تخيلها ستتولى خدمتهم مبادرة قوية تجمع مجلس التعاون الخليجي والصين في شراكة واحدة على طريق الحرير الحديث. ولأسباب بديهية عديدة، يتعين على الدولة ان تفتح الطريق وتوجه العملية، وعلى زعماء المجلس ان يقودوا الطريق، كما في الولايات المتحدة في عهد جيفرسون، وحين تكون التجارة الخارجية بقيادة دولة ناضجة بما فيه الكفاية، فان الصندوق سيمهد الطريق للقطاع الخاص الذي يستطيع حينذاك ان يتخذ القرارات التجارية والسوقية الصحيحة ويقوم بالتعديلات المطلوبة التي تفتح بُعدا مهما لخريطة طريق مجلس التعاون الخليجي الى النمو المستقبلي والقيام بدور اقتصادي مهم. يُقال انك إذا نظرتَ حول بيتك لن تجد شيئا مصنوعا في روسيا، والعكس صحيح بكل تأكيد في حالة الصين، فكل شيء من دلو الاغتسال الى جهاز التحكم عن بعد في بيتك سيكون على الأرجح صناعة صينية، وإذا أراد مجلس التعاون الخليجي ان يصبح قوة صناعية وتصنيعية كبيرة فان اسواق نموه الطبيعية ستكون أفريقيا وآسيا الوسطى في نهاية المطاف، ذلك ان البلدان الأفريقية، لجملة اسباب، تخلف الفقر وراءها وهي سائرة في الطريق الى ان تصبح بلدانا متوسطة الدخل، وآسيا الوسطى غنية بالموارد الطبيعية، وسيصبح التوافق الاقتصادي مع هذه البلدان واضحا أكثر فأكثر حين تندمج اعمال “قديمة”، مثل الزراعة واللوجستيات والخدمات، بأعمال “جديدة”، مثل الرعاية الصحية ومصادر الطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات. سيكون هناك الكثير مما يجب تعلمه من الصينيين الذين حققوا اختراقات اقتصادية مهمة في العديد من البلدان التي على الشركات العاملة في مجلس التعاون الاقتصادي ان تستكشفها في المستقبل، كما تقدم التكنولوجيا الصينية دروسا مهمة في قطاع الصناعة التحويلية وغيره من القطاعات الأخرى، ويمكن ان تتعلم الصين بدورها من المهارات الاستثمارية لمجلس التعاون الخليجي، فان هذه الدولة الآسيوية لم تتقن حتى الآن إدارة المخاطر الجيوسياسية في الاستثمار العالمي، وقد لا يوجد للاستثمار باليوان مركز تجاري في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الوقت الحاضر، ولكن هذا الوضع سيتغير بكل تأكيد.