IMLebanon

الشركات “عديمة الجنسية” تلعب لعبة خطرة

pfizer
جون جابر
في عام 1909 أعرب إدوارد هول، نائب رئيس شركة الهاتف والتلغراف الأمريكية، عن أسفه في خطاب لأن “الجمهور لا يعرفنا (…) لم يشاهدنا قط، ولم يلتق بنا قط، ولا يعرف المكان الذي نعيش فيه”. كانت كلماته ردا على قرار المحكمة العليا إعطاء الشركات الوضع القانوني لـ”الأشخاص” في عام 1886، وجوقة من شكاوى الناس أن تلك الشركات هي بلا روح.

الاستياء من بروز الشركات الكبيرة والصناديق الائتمانية في أوائل القرن العشرين قاد إلى رئاسة مكسورة الثقة لثيودور روزفلت، بدءا من عام 1901 فصاعدا، كما شجع نمو تقديم الرعاية الاجتماعية من الشركات: شركات مثل كادبوري في المملكة المتحدة، ولوبون مارشيه في فرنسا، وناشونال كاش ريجيستر في الولايات المتحدة، التي استثمرت في دعم وإيجاد الإسكان للموظفين.

أقوى صدى اليوم لكلمات هول هو الشعور بأن الشركات بلا جذور وعديمة الجنسية، وأنه لا أحد يعرف المكان الذي تعيش فيه شركات مثل فيسبوك أو جوجل أو فايزر. ويبدو أن الجواب “أينما يصادف أن يكون مفيدا للمساهمين”. بالنسبة لشركات التكنولوجيا الأمريكية هذا يعني وضع فروعها الأوروبية في إيرلندا ذات الضرائب المنخفضة. وبالنسبة لشركة فايزر هذا يعني الاندماج مع شركة أليرجان حتى تسجل نفسها في إيرلندا.

شركة فايزر لن تنقل مكتبها الرئيسي، أو سوق الأسهم الرئيسة المدرجة فيها، أو معظم موظفيها من نيويورك إلى دبلن في أعقاب الاندماج المزمع بقيمة 160 مليار دولار. ستغير ببساطة مكان تسجيلها للاستفادة من معدل الضريبة على الشركات في إيرلندا، البالغ 12.5 في المائة. شركات التكنولوجيا لا تزال شركات أمريكية، لكن أقسامها الأوروبية تتخذ من دبلن مقرا لها، لتجنب معدلات الضرائب الأعلى في البلدان الأخرى.

من أحد الجوانب، مناورات الشركات متعددة الجنسيات هي استجابة منطقية للنظام الأمريكي الغريب الذي يفرض نسبة عالية من الضرائب الأساسية على الشركات، ومع ذلك يسمح للشركات بوضع أرباحها في الخارج. هذا حافز قوي ليس فقط لإعادة تسجيلها من خلال عمليات الاندماج التي تهدف إلى “الانقلاب الضريبي”، ولكن لتخزين 2.1 تريليون دولار، الكومة النقدية الموجودة لدى أكبر 300 شركة أمريكية، في ملاذات ضريبية مثل برمودا.

ذلك يتناسب أيضا مع موقف الشركات الأمريكية عديمة الجنسية في بلدها نفسه – نحو نصف الشركات المدرجة تسجل نفسها في ولاية ديلاوير الصغيرة، في حين أن معظم مكاتبها الرئيسة تبقى في ولايات أخرى. وهي تفعل ذلك بسبب محاكم ولاية ديلاوير، التي تسمح للتنفيذيين بكثير من الفسحة لممارسة حكمهم.

لكن اتخاذ موقف حر وسهل بشأن التسجيل العالمي، بدلا من وجهة النظر الأوروبية القارية التي ترى أن لدى الشركة هوية طبيعية – جنسية، حيث يوجد مكتبها الرئيسي – يثير المشكلة نفسها التي واجهت AT & T وغيرها في بداية القرن العشرين. شركة بلا جذور تبدو وكأنها شركة بلا روح – وهي مؤسسة لا يوجد لديها ولاء لأي مكان معين.

هذه لعبة خطرة كما تبين من الضجة التي أثيرت حول ظاهرة الانقلاب الضريبي، وحقيقة أن شركات التكنولوجيا الأمريكية تدفع القليل من ضرائب الشركات في دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا.

الشركات التي يبدو أنها غير موثوقة، أو بلا ضمير وغير شخصية، التي تنتقي الدول الأكثر ملاءمة، من المرجح أن تثير رد الفعل نفسه الذي كان للصناديق الائتمانية في أوائل القرن العشرين.

شركة وولجرين، سلسلة الصيدليات الأمريكية التي فكرت في الانتقال إلى سويسرا في إطار استحواذها على شركة ألاينس بوتس في عام 2014، تمتعت بالحكمة التي جعلتها تتراجع عن هذه الفكرة. كان يمكن أن تبدو غبية حين تصف نفسها بأنها “الصيدلية الأولى في أمريكا”، وتسرد حكاية متكلفة لكيفية أن “كل شيء بدأ في مدينة تسمى ديكسون، في إلينوي” في حين تقيم لأغراض ضريبية في إحدى مناطق سويسرا.

الانقلاب الضريبي وما يرتبط به من حركات بهلوانية يؤذي شرعية جميع الشركات متعددة الجنسيات، حتى الشركات غير المتورطة. هناك فرق كبير بين شركة بلا جنسية وشركة متعددة الجنسيات (على الرغم من أن بعض الشركات تمثل الاثنتين في آن معا). واحدة تستخدم الخيال القانوني الملائم لتتنقل بنفسها في جميع أنحاء العالم دون أن تنتقل فعليا، والأخرى تقوم بعمل صعب للتوسع خارج الحدود الوطنية، وتحويل نفسها.

يجب أن نشعر بالإعجاب بالشركة المتعددة الجنسيات، حتى لو كان الكثير منها أقل دولية مما تزعم، أو يبدو، أنها كذلك. كثير من الشركات متعددة الجنسيات توظف غير المواطنين أكثر مما توظف من المواطنين – أكثر من 169 ألف موظف من أصل 305 آلاف موظف في شركة جنرال إلكتريك، مثلا، هم غير أمريكيين – ولا يوجد سوى 13 في المائة من الشركات المدرجة في قائمة مجلة “فورتشن” لأكبر 500 شركة عالمية، لديها رئيس تنفيذي من غير البلد الأم.

من الصعب التوصل إلى ثقافة عالمية، مثلما حاول عدد قليل من الشركات، مثل أرسيلور ميتال، مجموعة الصلب التي يوجد مقرها في لوكسمبورج، ونوكيا، مجموعة معدات الاتصالات. تشكلت نوكيا من شركتين، إحداهما فنلندية والأخرى ألمانية (نوكيا وسيمنز نيتويركس) وتعكف الآن على امتصاص شركة فرنسية أمريكية (ألكاتيل – لوسنت). راجيف سوري، الرئيس التنفيذي للشركة، هندي الجنسية.

وفي حين أن هذه الشركات تعيد تشكيل أعمالها، إلا أن الشركات التي تسجل نفسها لأغراض مالية تحافظ فقط على مزيد من الأموال للمساهمين، عن طريق الحد من الالتزامات الضريبية. في أحسن الأحوال، هي لا تفعل شيئا للشركة نفسها. وفي أسوأ الأحوال، تلحق الضرر بمكانتها لدى العملاء والحكومات في كل مكان تعمل فيه – البلد الذي جاءت منه، وموطنها الضريبي المعتمد وغيرهما من المناطق.

الشركة المتعددة الجنسيات يمكن أن تكون مواطنا قويا في أكثر من بلد واحد، فهي تستطيع الإسهام في المجتمع حتى لو كان مقرها الرئيسي في بلد آخر، لكن أن تعامل الشركة جنسيتها على أنها أمر حادث، فإنه يجعل ذلك أمرا أصعب – لأنه يعطي الانطباع بأن الشركة لا جذور لها على الإطلاق. ربما يكون هذا أمرا جيدا بالنسبة للمساهمين في الأمد القصير، لكنه يحمل معه ثمنا باهظا في الأمد الطويل.