IMLebanon

الأمراض تقتحم حياة اللبنانيين من بوابة النفايات وتهدّدهم بالسرطان

waste-burning

ميليسا لوكية

م تعد تلك الأكياس المجمّعة في مكبّات عشوائية مجرّد مشكلة ستختفي آثارها فور حلّها، بل تحوّلت مصيبة “شاخت” مع المحاولات الفاشلة لوضع حل مستدام لها. وإذا ظنّ اللبنانيون أنّهم سيتخلّصون من تلال النفايات وروائحها لدى انتهاء المخاض العسير، فإنّهم لا يعلمون ما تخبّئه لهم هذه القاذورات من أمراض على المديين القصير والبعيد. وإذا ما اعتقد البعض بأنَّ المياه الجوفيّة ستنجو، يؤكّد خبراء أنَّها واقعة أساساً في شباك التلوّث.

لم تكتفِ أكوام النفايات بالإساءة إلى صورة لبنان بل فرضت على سكانه العيش بينها، ومنعتهم تالياً من حرقها كي لا تتحوّل معالم سياحية تميّز البلاد، بحسب التعليقات الساخرة للمواطنين. وتسبّبت كذلك بفرض أمر واقع عليهم سيعانون من جرائه أكثر من مرض، حتى لو رُفعت القمامة من الشوارع غداً.
ويشرح الطبيب رالف أبو ديوان لـ”النهار” أنَّ للنفايات آثاراً سلبية في مجال الصحة العامة مهما كان موقعها، في المنازل، الوديان، الأنهر أو غيرها، معتبراً أنَّ هذه التبعات تفوق بكثير ما تسبّبه رائحتها وشكلها من إزعاج للمواطنين.
وفي ظلّ الإقبال الواسع الذي يلاقيه حرق النفايات في الآونة الأخيرة، يؤكّد أبو ديوان أنَّ خطوة كهذه تسبّب انتشار الغازات السامة، لا سيما الانبعاثات الكربونية، بما يؤدّي إلى أمراض أهمها الربو والحساسيّة التي تطاول الجهاز التنفسي، معتبراً أنَّ هذه النتائج مميتة خصوصاً لدى الأطفال والمسنّين.
وبما أنَّ معظم النفايات المنتشرة في أكثر من موقع هي من المواد العضوية، أي فضلات الطعام، قشور الفواكه والخضر وغيرها، فإنَّ ذلك يشكّل بيئة حاضنة تشجّع البكتيريا والفطريات على التكاثر، وتالياً انتقالها بسهولة إلى الناس والمأكولات والمياه متسبّبة بالتسمّم الغذائي، وفق أبو ديوان.
ويشير الى أنَّ تساقط الأمطار زاد من قدرة النفايات على احتضان الفطريات، فيما ساهمت سيولها في نقل المواد السامة الكيميائية المتوافرة في المواد الصناعية (بلاستيك، كاوتشوك…) إلى المياه الجوفيّة التي تفضي إلى عقم لدى الرجال وتزيد نسبة التشوّهات الخلقية لدى حديثي الولادة. ويلفت الى ثمة نوع من السرطان التي تسببه هذه النفايات أن يظهر بعد مرور نحو 10 أعوام. ويؤكد انه حتى في حال رُفعت النفايات في أقرب فرصة، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّ اللبنانيين لن يواجهوا كلّ ما ذُكر آنفاً.
من جهته، يشير الطبيب مارون صادق لـ”النهار” إلى أنَّ حرق النفايات يشكّل أحد أهم مصادر الديوكسين الذي ينتقل في الهواء واللحوم ومشتقات الحليب والبيض والسمك، متسبّباً بسرطان الكبد، الرئة، المعدة، الأنسجة الرقيقة والورم اللمفاوي، فضلاً عن إضعاف جهاز المناعة. أما إذا تعرّضت النساء الحوامل إلى هذا الديوكسين، فسيتعّرض جنينها بدوره إلى انخفاض في مستويات التستوستيرون.
وفي ما يتعلّق بتلف موازين قياس الحرارة وضغط الدم، يؤكّد صادق أنَّ الزئبق الموجود في هذه الآلات لا يُدمّر عبر الحرق، بل يؤدّي بقاؤه إلى ضرب الجهاز العصبي المركزي في الجسم ويضرّ الدماغ والكليتين، مضيفاً أنَّ النفايات الحادة (المحاقن، الحقن…) قد تتسبّب في نقل فيروس التهاب الكبد B و C، وفيروس العوز المناعي البشري الـHIV الذي يتطوّر لاحقاً ليتحوّل الى مرض “السيدا”. ويحذّر أخيراً من أنَّ الخوف من استمرار أزمة النفايات يكمن أيضاً في إمكان تفشي الكوليرا، التيفوئيد والطاعون.

المياه الجوفية ثروة مهدورة
لطالما حُكي عن المميّزات الجغرافية والطبيعية التي يتغنّى بها لبنان قبل أن تتحوّل عبئاً ثقيلاً عليه، في ظل السياسات الخاطئة التي تعتمدها الحكومة، والتي غالباً ما يرى فيها الخبراء وسائل تحاكي المصالح الشخصية لا العامة.
وعلى غرار الانعكاسات الصحية للنفايات، يبدو أنَّ النجاة من التبعات البيئيّة لها مستحيل أيضاً، إذ يفسّر الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي لـ”النهار” أنَّ لبنان يضمّ نوعين من الصخور: النوع الأول هو الـ”كارست”، وهي صخور كربوناتية قاسية، مشقّقة وتذوب في المياه، فضلاً عن أنَّها متكشّفة على 65% من مجمل الأراضي اللبنانية وتتمتّع بنفاذية عالية (نفاذية الشقوق والكسور وفراغات المغاور).
ويعتبر أنَّ تساقط الأمطار على النفايات سيساهم في تسرّب الملوّثات إلى هذه الصخور، عبر الشقوق، وتالياً في جريانها السريع داخلها ووصولها إلى الأنهر والينابيع بعد فترة وجيزة، محذراً من إقامة مطامر عشوائية على هذه الصخور بالذات. النوع الثاني يضم الصخور الرملية، كتلك المنتشرة في سهل البقاع مثلاً والتي تغطّي 35% من مساحة لبنان. وهنا يؤكد زعاطيطي أنَّ تسرّب المياه بين حبيبات الرمل يسير ببطء مما يضع المياه أمام خيار تغيير مسارها ويخفّف تالياً من سرعة جريان الملوّثات.
وفي حين تشكّل المياه الجوفية ثلاثة أرباع مجموع المياه في لبنان المتجدّدة سنوياً بمياه الأمطار والثلوج، يرى زعاطيطي أنَّ المياه بدأت تتلوّث بشكل محدود في بعض المخازن الجوفية، حتى قبل تفشي ظاهرة القمامة لأسباب عدّة، منها شبكات مياه الصرف الصحي التي تصبّ في الوديان نتيجة غياب التنظيم المدني والبلديات وأجهزة الرقابة ونقابة المهندسين، مشيراً إلى أهمية هذه المياه التي تساعد لبنان في الاستغناء عن السدود وتجنّب السياسات المائية الخاطئة.