IMLebanon

العراق: خزينة الدولة تنزف، فهل يفلح الإصلاح؟

iraq-protests

ابراهيم محمد

تتراجع إيرادات العراق بشكل مخيف على وقع تدهور أسعار النفط. ما هي أبرز تبعات هذا التدهور؟ وهل هناك من فرصة أمام بلاد الرافدين لمواجهة أزمة اقتصادية ضاغطة في وقت يجسم فيه الفساد والأزمات السياسية والإرهاب على صدر الدولة؟

وكأنه لا يكفي العراق أزماته السياسية والهجمات الإرهابية التي تضرب في غربه وحول عاصمته حتى تعصف عليه رياح تدهور أسعار النفط لتضعه على شفا حفرة أزمة اقتصادية تهدد بمخاطر انهيار مالي. فالناتج المحلي مستمر بالانكماش في وقت وصلت فيه معدلات البطالة إلى 25 بالمائة في صفوف الشباب. أما عجز الميزانية التي تزيد على 100 مليار دولار فآخذ في الاتساع، وهو الأمر الذي أدى إلى توقيف آلاف المشاريع العامة والخاصة. كما أدى إلى تقليص رواتب الموظفين بنسبة 7 إلى 10 بالمائة وتأخير دفع الكثير منها، إضافة إلى فرض ضريبة على السلع الاستهلاكية المستوردة بنسبة 20 بالمائة. الجدير ذكره أن العراق يعتمد في توفير احتياجاته الأساسية واليومية من السلع الاستهلاكية بشكل شبه كلي على الاستيراد، لاسيما من تركيا والصين وإيران. ولا ينطبق هذا الأمر فقط على الفواكه والخضار والألبسة والسلع الأخرى، بل حتى على التمور التي كان العراق ذات يوم بطل العالم في إنتاجها وتصديرها.

مصدر شبه وحيد لإيرادات الموازنة!

في عراق اليوم أصبح كل شيء تقريبا يدور حول النفط وريعه، ففي هذا البلد الذي تؤهله ثرواته الزراعية والصناعية والبشرية كي يكون الأغنى عربيا وفي مستوى غنى ألمانيا باتت إيرادات الدولة رهينة لهذا الريع بنسبة 95 بالمائة. ويساهم القطاع النفطي بنصف الناتج المحلي الإجمالي. أما الزراعة والصناعات التحويلية التي كانت في سبعينات القرن الماضي تساهم بنحو 35 بالمائة من هذا الناتج فقد تراجعت مساهمتها إلى 8 بالمائة فيه، 6.5 بالمائة منها للزراعة حسب المحلل والخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان. ويزيد من صعوبة الوضع حسب الخبير انطوان غياب “بنية استثمارية جاذبة للأموال والدور الضعيف الذي يلعبه القطاع الخاص وإنفاق 70 بالمائة من الموازنة على أجور الموظفين والعاملين لدى الدولة إضافة إلى الفساد المالي والإداري المستشري بسبب المحاصصات السياسية التي يتم على أساسها تقاسم المصالح الاقتصادية بين القوى السياسية النافذة التي لا تعتمد على أصحاب الخبرة في إدارة هذه المصالح وتوظيفها بما يخدم تنويع مصادر الدخل”. وبهذا فإن العراق بقي غير محصن من التطورات الإقليمية والعالمية التي أدت إلى تدهور أسعار مادة النفط الخام.

بطل العالم في التوظيف؟

عندما حلقت أسعار هذه المادة بشكل مجنون نحو الأعالي مدت مؤسسات الدولة العراقية تحت ضغط القوى السياسية النافذة “أرجلها إلى ما هو أوسع من بساطها” كما يقول المثل الشعبي. وبنتيجة ذلك تم توظيف الآلاف في هذه المؤسسات المتخمة أصلا بالبطالة المقنعة. وعلى ضوء ذلك تشكل جيش من الموظفين يضم 4.5 مليون يبلغ معدل إنتاج الواحد منهم 17 دقيقة من أصل 8 ساعات عمل يوميا حسب عدد من الخبراء الإداريين في العراق. وللمقارنة فإن ألمانيا التي يزيد عدد سكانها على ضعف سكان العراق وناتجها المحلي يبلغ 16 مثيله فيه ليس لديها أكثر من 4.7 مليون موظف. ويضاف إلى موظفي القطاع العام المتقاعدين وآخرين في مؤسسات أخرى ليصبح عدد الذين يتقاضون رواتب من الدولة 7 ملايين شخص تلتهم أجورهم أكثر من ثلثي الموازنة. وعلى ضوء هذه الأرقام يمكن القول بأن العراق أصبح على الأرجح بطل العالم في عدد الموظفين قياسا إلى عدد السكان.
لكن المشكلة ليست فقط في هذا العدد الهائل من الموظفين وحسب بل أيضا في تدهور سعر برميل الذهب العراقي الأسود ليصل إلى نحو 30 دولارا مؤخرا بعدما كان بحدود 110 دولارات للبرميل قبل سنتين. هذا التدهور الذي حصل بشكل تدريجي في فترة قصيرة نسبيا كان سيؤدي بالموازنة إلى الإفلاس لولا بعض الإجراءات التقشفية أو الترقيعية وزيادة كمية الصادرات النفطية من 2.5 إلى 3.5 مليون برميل يوميا، إضافة إلى سحب عدة مليارات الدورلات من الاحتياطات العراقية المقدرة بحوالي 50 مليار دولار نهاية عام 2015 حسب نشرة مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية التابعة لوزارة الاقتصاد الاتحادية. وبما أن العجز السنوي للموازنة يزيد على 20 مليار دولار فإن هذه الاحتياطات قد تنفذ في غضون عامين إذا بقيت أسعار النفط على هذه الحال. وعندها لن يكون من السهل الاقتراض لأن البنوك ستتردد في منح قروضها لبلد يتجه إلى العجز وليس لديه احتياط. وهنا يطرح نفسه السؤال، هل من سبيل للخروج من المأزق؟

برنامج للإصلاح، ولكن على الورق فقط؟

بما أن فكرة تقليص عدد العاملين في الدولة غير واقعية حاليا على ضوء التجاذبات والخلافات السياسية، يجمع خبراء الشأن العراقي أن مفعول الإجراءات التقشفية التي تم البدء باتخاذها سيقتصر على التهدئة بسبب التحديات الاقتصادية المتزايدة في بلد يدخل إلى سوق عمله سنويا 400 ألف من قوة العمل الشابة. وعليه فإن الإصلاح الاقتصادي الهيكلي والشامل يبقى الخيار الوحيد. في هذا الإطار تحدث الخبير أنطوان عن “خطة برنامج للإصلاح الاقتصادي” شارك في وضعها مع مجموعة من الخبراء بتكليف من الحكومة مؤخرا بهدف تقليل الاعتماد على النفط وإيجاد مصادر جديدة للدخل. وتشمل هذه المصادر توسيع الإجراءات التقشفية في الإدارات الحكومية وتفعيل النظام الضريبي والجمركي وجذب المستثمرين إلى القطاعات الإنتاجية وفي مقدمتها الزراعة والصناعات البتروكيماوية والتحويلية الأخرى. كما تشمل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الخاصة بقوة العمل الشابة من خلال القروض الميسرة والتدريب والتأهيل وفرض نظام تقاعدي مجزي يشمل العاملين في القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام. وللتدليل على عمق أحد أوجه المشكلة ذكر الخبير أنطوان أن هناك 6 ملايين شخص يعملون في القطاع الخاص بينهم 150 ألف شخص فقط يشملهم الراتب التقاعدي.

الإصلاح وسلوك القوى السياسية

برنامج طموح وشامل، هكذا يمكن وصف خطة الإصلاح الاقتصادي المقترحة، غير أن العبرة ليست في الخطة بل في تنفيذها. الخبير أنطوان يشكك في إمكانية التنفيذ لأسباب في مقدمتها هيمنة القوى السياسية الفاعلة على الاقتصاد بشكل يكرس بنية الفساد الإداري والمالي الراسخة في جسم الدولة. كما يكرس إغراق السوق العراقية بالسلع المستوردة في وقت لا تحظى فيه المنتجات المحلية بالحماية الجمركية. وبالنسبة إلى الاستثمارات فإن جذبها بشكل فعال سيبقى مؤجلا حسب تقدير معظم الخبراء بسبب مخاطر سياسية وأمنية أبرزها تلك الناتجة عن الحرب الدائرة غرب وشمال غرب البلاد ضد تنظيم داعش الإرهابي. وحتى لم نجحت الحكومة العراقية في تطبيق بعض أجزاء الخطة فإن ثمارها لن تظهر بين ليلة وضحاها، لان إعادة تفعيل دور القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار وإعادة هيكلة القطاع العام يستغرق في العادة فترة تمتد من 5 إلى 15 سنة. وعليه فإن الاقتصاد العراقي سيبقى رهنا لأسعار النفط وإلى أهواء صناع القرار السياسي الذين يريدون حتى الآن وحسب الخبير أنطوان الإمساك “ببطيخات الملفات “السياسية والاقتصادية وغيرها في يد واحدة”.