IMLebanon

انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية بين السلبيّات والايجابيّات

omc-wto

سلوى بعلبكي

لبنان واحد من 23 دولة عضو مؤسس وقعت الاتفاق العامة للتعريفات والتجارة GATT عام 1947، إلاّ أنه ما لبث أن انسحب من الإتفاق نظراً الى تداعياتها الإقتصادية في ذلك الوقت. في العام 1995 تمّ إنشاء منظمة التجارة العالمية التي أصبحت السلطة الرسمية التي ترعى التبادل التجاري العالمي. فهل ينضم لبنان اليها؟

حفل الاسبوع المنصرم بجولات قام بها وفد من منظمة التجارة العالمية برئاسة جان بول تويليه بغية تفعيل عملية إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة الدولية. واللافت في هذه الزيارة الترحيب الكبير الذي لاقاه الوفد من السلطات الرسمية التي يبدو أنها تعوّل كثيراً على دخول لبنان إلى المنظمة مما له من مصالح وفوائد عللّها وزير الإقتصاد والتجارة آلان حكيم في تصاريح رسمية عدّة. إلاّ أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن غرّد خارج السرب لإعتقاده بأن هذا الأمر سيقضي على مفاصل الصناعة والزراعة.
تقضي الأهداف المعلنة للمنظمة برفع مستوى الدخل القومي الحقيقي ومستوى المعيشة في الدول الأعضاء، والسعي نحو تحقيق مستويات التوظيف الكامل، وتشجيع حركة الإنتاج ورؤوس الأموال والاستثمارات، وسهولة الوصول للأسواق ومصادر الموارد الأولية، وتحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز المنافسة العادلة وتشجيع كل دولة على الاستثمار في ميّزاتها التفاضلية وايجاد فرص للتصدير، ومراقبة حسن تطبيق الاتفاقات بين الدول الأعضاء، ووضع آلية واضحة لتسوية المنازعات، وتوفير الشفافية في المعاملات التجارية، ومبدأ تحديد الالتزامات أي تحديد التعريفات الجمركية عبر وضع سقف للتعرفة.
ولكن هذه الأهداف، تبقى صعبة المنال في الوقت الراهن لا سيما في ظل التطور الكبير للإقتصادات المُتطورة وتشابكها، ما يعطيها أفضلية تنافسية مقارنة بإقتصادات الدولة النامية وفي طور النمو والتي تُشكل ثلثي أعضاء المنظمة.
على الصعيد الرسمي، بدت حماسة الوزير حكيم واضحة حيال انضمام لبنان الى المنظمة بدليل عرضه في مؤتمراته الصحافية التي واكبت زيارة الوفد الأممي، الإيجابيات التي “ستحل” على الإقتصاد اللبناني وفي مقدمها “تثبيت لبنان على الخارطة الإقتصادية العالمية، وزيادة التبادل التجاري بين لبنان والعالم عبر فتح أسواق 162 دولة أمام المنتجات اللبنانية”. ويشير الى أن “الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يمرّ فيها لبنان تفرض عليه التعامل مع عقبتين أساسيتين: البطالة والميزان التجاري. وتالياً، سيخفض إنضمام لبنان إلى المنظمة حجم البطالة وسيسمح للميزان التجاري بخفض العجز الذي يسجله سنوياً. كذلك سيلحظ لبنان إرتفاعاً في الإستثمارات الأجنبية نتيجة الإنضمام ما يسمح بتوظيف العديد من الشباب ويُعطي الماكينة الإقتصادية أبعاداً جديدة”. إلاّ أن هذه الصورة الوردية التي رسمها حكيم، لم تمنعه من الاعتراف بسلبيات عملية الإنضمام، لكن عمله كوزير للإقتصاد يقضي بالدفاع عن مصالح لبنان، وتالياً “لن نأخذ من المنظمة إلاّ ما يناسب الإقتصاد اللبناني والمصلحة العامة”.
في مقابل النظرة الايجابية لوزير الاقتصاد، تبرز نظرة معاكسة لوزير الصناعة تترجم تخوّف القطاعين الصناعي والزراعي من الارتماء في احضان منظمة التجارة. فالحاج حسن يعتبر أن “انضمام لبنان الى المنظمة هو أمر كارثي على الإقتصاد لأنه سيقضي على قطاعي الصناعة والتجارة”. ويعلل رأيه بالإتفاق الذي تمّ توقيعه مع الإتحاد الأوروبي والذي رفع العجز التجاري مع هذه المنطقة إلى أكثر من 7 مليارات دولار في السنة، عازياً السبب إلى عدم تكافؤ الإقتصادين اللبناني والأوروبي في ظل غياب سياسة المعاملة بالمثل. ويُضيف الحاج حسن: “إن التجربة نفسها تكرّرت مع المنطقة العربية وأدّت إلى النتيجة عينها، وتالياً فإن ضعف القطاعين الصناعي والزراعي لن يسمح للبنان من الإفادة من هذا الإنضمام”.
الحقيقة المرّة التي عبّر عنها الحاج حسن، يؤكدها أحد خبراء الإقتصاد لـ”النهار” الذي اعطى مثلاً عن كوريا الجنوبية التي عمدت بعد خروجها من الحرب إلى إقفال حدودها مع العالم، وقامت بتنفيذ خطة لدعم القطاعات الإنتاجية فيها. هذا التدبير أدى إلى إيجاد قطاعات ضخمة مثل صناعة السيارات وأجهزة الخليوي على نحو سمح لكوريا بفتح حدودها التجارية والوصول إلى ما هي عليه اليوم، مؤكداً أن المصلحة الأساسية للمنظمة تكمن في وقف التهريب والتقليد للبضائع الأجنبية التي تتكبّد خسائر بالمليارات سنوياً بسبب غياب الرقابة والتي ستكون أكثر فعالية بإنضمام لبنان إلى المنظمة.
ولكن ما هو موقف القطاع الخاص من هذا الانضمام؟. اذا كان رأي الحاج حسن أن “لا تداعيات على الإطلاق من عدم انضمام لبنان الى منظمة التجارة”، إلاّ أن القطاع الخاص متحمس للانضمام لإعتبارات عدة. وقد ترجم ذلك رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير بالقول انه “لا يُمكن أن يبقى لبنان خارج المنظمة في ظل بقاء عدد من الدول الضعيفة إقتصادياً خارجها”. فيما لخص رئيس تجمّع رجال الاعمال فؤاد زمكحل لـ “النهار” الفوائد التي يمكن أن تقدمها المنظمة للبنان، إذ أشار الى أن المنظمة “تخضع لمجموعة اتفاقات تمّ التفاوض على معظمها خلال “دورة أوروغواي” وهي تشكل مجموعة من القواعد يمكن لأي عضو استخدامها لإبراز حقوقه والتي يمكن تفسيرها بطريقة منسقة ومنتظمة لاستباق سلوك الآخرين التجاري. أما لبنان فيمكن أن يفيد من أحكام الدولة الأولى بالرعاية التي تتضمن أوسع توزيع للمنافع التجارية بين الشركاء. واشار الى أن هذا الأمر يضمن مبدأ المنفعة الممنوحة من عضو في منظمة التجارة إلى أحد شركائه ومن ثم إلى جميع الأعضاء الآخرين، ويحظر تالياً التمييز بين الشركاء التجاريين.
تتخذ القرارات في منظمة التجارة بالتوافق. صحيح أن التصويت ممكن ولكن بالكاد يتم استخدامه وفق ما يقول زمكحل، بما يضمن أن مصالح الدول الصغيرة حيال التجارة – مثل لبنان – ليست متوارية. وسيتمكن لبنان من المشاركة في المفاوضات ومن تعزيز مصالحه الخاصة.
ووفق زمكحل تشكل منظمة التجارة حافزاً حقيقياً للإصلاح التشريعي والقطاعي. ويشير الى أن العديد من شروط العضوية المسبقة في منظمة التجارة العالمية – مثل معايير الصحة العامة وحماية الملكية الفكرية هي في الواقع إصلاحات من مصلحة أي بلد تطبيقها – أكان عضواً في المنظمة أم لا. كل هذه الفوائد تبرر برأيه بقوة الجهود التي لا تزال ضرورية لاتمام انضمام لبنان إلى منظمة التجارة.
ولكن أمام هذه الفوائد ثمة عقد لا يخفيها زمكحل، إذ يلفت الى عقد المهن الحرّة التي تخشى المنافسة وخصوصاً نقابة المحامين، وكذلك الأمر بالنسبة الى النقابات العمالية. أما العقدة الثالثة وهي الاهم برأيه، فتكمن في التشريعات التي يجب أن يقرها مجلس النواب، وإلاّ فإن لبنان سيبقى خارج المنظمة.
ويلفت إلى أنه “مهما كانت نتيجة عملية إنضمام لبنان إلى منظمة التجارة، ثمة تداعيات سلبية سترافق هذا الملف، ولن يكون من السهل تفاديها في غياب خطة إقتصادية لتحفيز القطاعات الإنتاجية التي من الواجب تأهيلها لمواجهة المنافسة”.