IMLebanon

هذا ما يقوله القانونيون عن ملفّ سماحة و”الجنائية الدولية”

michel-samaha-2

 

كتب حكمت عبيد في صحيفة “السفير”:

لا يختلف اثنان على الجرم الذي ارتكبه الوزير السابق ميشال سماحة، ولا يختلف اثنان على اعتبار الفعل الجرمي كان ليكون كارثياً، لو لم تتمكن القوى الأمنية من كشف خيوط السيناريو الدموي في مواجهة سيناريو دموي آخر كان يجري في لبنان وخارجه من قبل بعض المجموعات الإرهابية الموصوفة.

غير أن الآراء القانونية تكاد تجمع على وصف إحالة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي ملفّ سماحة إلى المحكمة الجنائية الدولية بـ «غير القانوني والانفعالي»، معتبرين أنّها محاولة لفتح ملف النظام السوريّ لدى المحكمة الدوليّة من بوابة سماحة. فيما رأى البعض أنّها «ورقة في لعبة شدّ الحبال داخل تيار المستقبل في الشمال عموما وطرابلس خصوصاً».

هذا الاجتهاد السياسيّ قابله شبه إجماع قانونيّ بأن المحكمة الجنائية الدولية «لا تملك اختصاصاً بهذا النوع من الجرائم، لعدة أسباب، مع ترجيح عدم مقبولية أوراق الملف».

ويتقاطع رأي العديد من الحقوقيين والدستوريين مع ما قاله الوزير السّابق سليم جريصاتي لـ «السفير» إنّه لا يستغرب أن تصدر المدّعية العامة لدى المحكمة فاتو بن سودا، قرارها بعدم الاختصاص الموضوعي.

وبعيداً عن القراءة السياسية التي جاءت في مقدمة كتاب الإحالة، فإن المسوغات القانونية التي تضمّنها، تباينَت من النظام الأساسي للمحكمة (نظام روما)، بحسب ما يشير أحد القانونيين ممّن بدأوا بـ «دراسة ملف حرب الإبادة التي كانت تشنّ على الأقلية العلوية في جبل محسن، والتي تنص عليها مواد الإختصاص العائد للمحكمة بوضوح، أكثر مما تنص عليه بشأن الفعل الجرمي الذي أدين به سماحة علنا أمام المحاكم المختصة في لبنان».

كما تستند إحالة ريفي ملفّ سماحة إلى المحكمة بأنّ الأخير يحمل الجنسيّة الكنديّة، إذ تتضمّن أنّ «جنسية سماحة الكندية كافية لإعلان اختصاص المحكمة بحق جميع المتورطين في جرائمه، ولو لم يكونوا من حاملي الجنسية الكندية أو غيرها من جنسيات الدول الموقعة على نظام روما».

ورداً على هذه النّقطة، يؤكّد جريصاتي أنّ «التذرع بالجنسية الكندية هو عذر أقبح من ذنب، لأنه وسيلة للإلتفاف على عدم توقيع لبنان على اتفاقية روما».

كما يتوقّف جريصاتي عند نقطة أخرى وهي «لجوء وزير سيادي في بلد سيادي، لديه قضاء سيادي الى المحكمة الجنائية الدولية بموضوع يتعلق بمحاكمة لا تزال عالقة أمام هذا القضاء السيادي، كأنه يقول، وهو وزير المرفق العدلي، أن قضاءه السيادي عاجز أو متواطئ أو متلكئ عن إحقاق الحق في معرض فعل جرميّ ارتكب على الأراضي اللبنانية، ولا يدخل لا بالشكل ولا بالمضمون باختصاص المحكمة الجنائية، لأنه لا يدخل في خانة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو جرائم الحرب كما حددتها المواد ذات الصلة بنظام المحكمة».

ويأسف جريصاتي لهذه الخطوة التي تشير إلى «خروج وزير سيادي عن طوره واستيائه من قضائه وهو المشرف عليه، فضلاً عن استيائه من سلطة تنفيذيّة ينتمي إليها لأنّها لم تجاره في طلبه إحالة الملف من محكمة جنائيّة إلى المجلس العدلي، فيشرّع أمام القضاء الجنائي الدولي ما يعتبره عيوبا وشوائب في أداء سلطتين دستوريتين بامتياز».

ويعرب جريصاتي عن اعتقاده بأنه «قد يكون في ذهن ريفي استعادة لمجريات جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث انطلقت شرارة المحكمة الخاصة بلبنان من تصريح للمفتش جيرالدز وقول الأخير انه يعتقد بأن قضاء لبنان عاجز عن كشف ملابسات جريمة اغتيال الحريري».

ويسأل: «هل يعي الوزير ريفي أنه كان وزيرا للعدل، وأنه لم يعد كذلك، وأنه خلع نهائياً ملابس الضابطة العدلية؟ والأخطر والأدهى قوله إن مثل هذه الأمور تصل إلى مجلس الأمن»، غامزاً من قناة المجلس ليؤكّد أنّه يستطيع أن يقبض على اختصاص المحكمة الجنائية، أو أن المحكمة ترفع تقاريرها الى المجلس»، متسائلاً: «هل يعي الوزير ريفي ماذا يقول؟ إذ إن هذا الانكشاف الجديد للبنان أمام التدخلات الدولية هو أخطر ما في هذا القول».

وفي سياق متّصل، قام عدد من الحقوقيين بدراسة لإحالة الملفّ، خصوصاً أنّ طريقة الإحالة تتعارض مع نظام المحكمة نفسها، فقد تحدثت المادة 1 أن «المحكمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشدّ الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدوليّ.. وأن تكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية وليست بديلا عنها».

وعن «الاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق»، تحدد المادة 5 من النظام اختصاص المحكمة بالجرائم التالية: «جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب، وجريمة العدوان».

وتفسر المواد اللاحقة مضمون العناوين التي سيقت، فقد جاء في المادة 6 بأن جريمة الحرب تعني «أي فعل من الأفعال التالية التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا». أما الجرائم ضد الإنسانية فتعرّف بأنها «أي فعل من الأفعال التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين…».

أما المادة 15 التي اســتند اليــها الوزير ريفي في كتاب الإحالة والتي تتحدث عن صلاحية المدعي العام «في مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه على اساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة»، دونها عقــبات تنص عليها المادة 17 (المسائل المتعــلقة بالمقبولية) حيث جاء فيها، أنّ «المحــكمة تقرر أن الدعوى غير مقــبولة في حالة: (أ) إذا كان يجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها، ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الإضطلاع أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك. (ب) إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة». (ج) إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى، ولا يكون من الجائز للمحكمة إجراء محاكمة طبقاً للمادة 3 من المادة 20. (د) إذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تبرر اتخاذ المحكمة إجراء آخر».

وتختم الدراسة «بأن أيّا من هذه الفقرات لا تخدم مشروع ريفي من الناحية القانونية، بل على العكس فإنها قد تصبّ في مصلحة سماحة».