IMLebanon

بين التعليم المهني والتعليم الأساسي… جدار

vocationaleducation
فاتن الحاج

يقول بباريند فلاردنجربروك، الأستاذ المساعد في كلية التربية في الجامعة الأميركية في بيروت، إن هناك جداراً فاصلاً بين التعليم المهني والتقني والتعليم العام يصمد حتى نهاية الصف الثاني عشر (الثانوية العامة)، ولا يصبح الانتقال مرناً بين القطاعين إلا بدخول التعليم الجامعي عندما يتابع الطلاب مسارات مهنية في الجامعات مثل المحاسبة، أو الهندسة أو التمريض.

فإدراج المواد التجارية والتقنية في منهج التعليم الأساسيّ منذ بداية المرحلة المتوسطة (السابع الأساسي)، بات أكثر من ضرورة، بحسب فلاردنجربروك الذي طالب بهدم الحاجز واعتماد منهج واسع ومتوازن يساعد الطلاب على إجراء اختيارات صحيحة خلال انتقالهم إلى مراحل التعليم المتقدمة، كما دعا إلى تقسيم مسار التعليم المهني في المرحلة الثانوية إلى تخصصين: التخصص المهني والتخصص التكنولوجي الذي يمكّن الطالب من التسجيل في المعهد التقني والمدرسة في آن واحد، وهو ما يسميه المحاضر التسجيل المزدوج.
فلاردنجربروك كان يتحدث عن خلاصات دراسة أعدها عن “تحديث نظام التعليم المهني”، وذلك في لقاء نظمه برنامج التعليم والسياسات الشبابية في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية. اللقاء استضاف أيضاً المدير العام للتعليم المهني والتقني أحمد دياب، الذي حدد حاجات القطاع وأزال ما سماها أفكاراً خاطئة وردت في المحاضرة.
ومن الرسائل الأساسية التي وجهها المحاضر أهمية ادراك صناع القرار أنّ التعليم المهني قطاع أساسيّ للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية في لبنان، وإذ أقر بأنّ هيكلية نظام التعليم المهني، السابق على التعليم العالي، متطورة، إلاّ أنها تعاني الركود وتتخللها أوجه قصور في المناهج القديمة، التي لا تجاري التطور التقني الحاصل، وتراجع كفاءات المدربين، وغياب الربط بين التخصصات المهنية ومواضيع التعليم العام.
برأيه، هناك حاجة للتمييز بين مجالات التعليم المهني التقليدي الذي يتضمّن تخصصات لا تتماشى مع المجالات التربوية الأكاديمية، ومنها السباكة وميكانيك السيارات وفن صناعة المعجنات، والتعليم التكنولوجي، الذي يتضمن تخصّصات مثل الكترونيات الطيران، وإدارة الأعمال والهندسة الكهربائية وغيرها. هذا التمييز في مجالات التخصّص المهني طرح في نظام التعليم المهني الفرنسي منذ ٣٠ عاماً، من خلال تقديم مسارات منفصلة لطلاب المرحلة المتوسطة، وعلى لبنان أن يتمثّل بها، بحسب تعبيره، إذ يرفع هذا التطور احتمال تسجيل الطالب المزدوج في المدرسة والمعهد التقني كبديل عن تكرار مواد صفوف التعليم الثانوي، مثل الفيزياء، في المعاهد التقنية. ولعلّ الأنسب إعادة هيكلة مواد التدريس، مثل مادة الرياضيات، لتناسب طلاب التعليم المهني وتغني اختصاصاتهم، وهذا لا يحدث حالياً في لبنان.

أما المدير العام أحمد دياب، فقال إن بداية الإصلاح تبدأ من تغيير السلوك الاجتماعي الذي يعد التعليم المهني ملجأً للفاشلين أكاديمياً من الطبقات الاجتماعية المتواضعة. وهذا يحتاج إلى خلق رأي عام وحكومي ضاغط لإلغاء قرار اتخذه أحد وزراء التربية في التسعينيات حين سمح للراسبين في التعليم العام بدخول التعليم المهني. وعلى قاعدة كل شيء مؤقت دائم، بقي هذا القرار ساري المفعول حتى عام 2012 “حيث اتخذنا إجراءً مرحلياً يشترط على الراسب في البريفيه الخضوع للسنة التأهيلية الفنية التحضيرية فيدرس 4 مواد أساسية ويجتاز في نهايتها امتحاناً رسمياً قبل ولوج السنة الأولى من البكالوريا الفنية”.
استفز دياب الحديث عن هيمنة الاختصاصات التقليدية على التكنولوجية، إذ ليس صحيحاً أن هذا القطاع عبارة عن سباكة وتصفيف شعر وما شابه، بل إن جهوداً حثيثة تبذل لتشجيع الانتساب إلى الاختصاصات الصناعية، وقد خصصت ألفي منحة دراسية سنوياً للراغبين في دراسة هذه المجالات، بحيث يعطى شهرياً مئتي ألف ليرة لبنانية لكل طالب حائز معدل 12 من 20 في شهادته الرسمية (المرسوم 9689 بتاريخ 28/12/2012). أما بالنسبة إلى من يختار اختصاصات النجارة والبلاط والكهرباء وميكانيك السيارات، فهؤلاء لا ينالون شهادات رسمية بل إفادات تدريب تفيد بأنهم خضعوا لدورات تراوح بين 6 و9 أشهر.
وفي ما يتعلق بإزالة الحواجز بين التعليمين المهني والعام، رأى دياب أنّه يمكن اعتماد مادة واحدة في صف البريفيه تعرّف الطلاب بالتعليم المهني وتكشف الميول المهنية لديهم، لافتاً إلى أن التعليم المهني في أوروبا يبدأ من الصفوف الثانوية لا من المرحلة المتوسطة.
وتحدث دياب عن نظام مزدوج من نوع آخر، وهذا يحصل في شهادة الثانوية المهنية، إذ يتعلم الطالب نصف دروسه في المدرسة والنصف الآخر في المؤسسة، سواء كانت معملا أم فندقا، وحالياً يوجد 12 اختصاصا يعتمد هذه الصيغة بالتعاون مع الوكالة التقنية الألمانية (GTZ).
من انجازات القطاع كما قال دياب ضبط الامتحانات الرسمية المهنية بواسطة إصدار بطاقة المرشح وصورته عليها وارسال لوائح المرشحين والمعلومات الخاصة بهم إلى المراقبين في الغرف منعاً لأي تزوير. أما في مشاكل القطاع، فقد ركز دياب على عدم وجود كتاب موحد في المعاهد الرسمية والخاصة يساعد على توحيد النصوص والدروس وخصوصاً في الاختصاصات الصناعية، عدم توافر التجهيزات الفنية اللازمة المتخصصة، عدم قوننة المهن أي عدم اشتراط اذون لمزاولة المهن وغياب التعاون الجدي مع المؤسسات الصناعية والانتاجية.

حجم التعليم المهني

بلغ عدد المنتسبين إلى التعليم المهني، بحسب المدير العام للتعليم المهني والتقني أحمد دياب، 80 ألف طالب يتوزعون مناصفة على القطاعين الرسمي والخاص ويدرسون نحو 200 اختصاص. ويلتحق هؤلاء بـ132 معهداً ومدرسة رسمية، و210 معاهد ومدارس خاصة. أما الهيئة التعليمية في المعاهد والمدارس الفنية الرسمية، فمعظمها من المتعاقدين بالساعة، إذ لا يتجاوز عدد الأساتذة في الملاك 1700 أستاذ، مقابل 11 ألفاً و868 أستاذاً يؤمنون التدريس بالساعة بمعدل 3 ملايين و556 و770 ساعة سنوياً في جميع المستويات والاختصاصات.