IMLebanon

التكامل المصرفي العربي: خطوة “ناقصة” بغياب التكامل الإقتصادي

bankingintegration
خضر حسان

لم يتمكن العقل الإقتصادي العربي حتى الآن من فصل السياسة عن الإقتصاد، في ظل الحاجة المتزايدة لهذا الفصل، خاصة بالنسبة لإقتصادات صغيرة مثل الإقتصاد اللبناني. ولأن العصبية الطائفية والمناطقية والعشائرية مازالت متجذرة في العلاقات بين الأفراد والمؤسسات والدول، يدفع الإقتصاد العربي الثمن، فيصبح التكامل الإقتصادي العربي شبه مستحيل، يستحيل معه الحديث عن أي تكامل على مستوى القطاعات، ومنها القطاع المصرفي.

التكامل الإقتصادي العربي يسمح بتنفيذ مشاريع إقتصادية عملاقة لا يستطيع تنفيذها إقتصاد بلد واحد، بشكل منفرد. لكن التكامل يعني جملة من الخطوات يجب على الإقتصادات العربية القيام بها، منها إعادة النظر في هيكلية الإنتاج العربي وهيكلية تصريف هذا الإنتاج. ومن المنطقي في إطار بحث التكامل، ان يتطرق العرب الى التخصص في الإنتاج، إفساحاً في المجال أمام توفير السلع المطلوبة وتسويقها بشكل مدروس. ولابد من الأخذ في الإعتبار ضرورة حماية الإقتصادات الصغيرة من الإغراق، وهنا تأتي أهمية التخصص. والتكامل الإقتصادي يضع على بساط البحث التبادل الإقتصادي بين بعض الدول العربية وإسرائيل، حيث سيؤدي التكامل الى غزو البضائع الاسرائيلية لأسواق دول عربية لا تتعامل مع إسرائيل، مما سيساعد في تغذية الاقتصاد الاسرائيلي عبر تسهيل تصريف منتجاته في الأسواق العربية.

لكن التكامل في ظل غياب علاقات إقتصادية عربية قائمة على أسس متينة وممنهجة، يصبح ضرباً من الخيال. لكن على المستوى اللبناني، يبقى هذا التكامل مطلوباً، نظراً لإستفادة لبنان من انفتاح الإستثمارات العربية عليه، ومن جهة اخرى يضمن لبنان تصريف إنتاجه عربياً. لكن ضعف العلاقات التجارية العربية التي يصل فيها حجم التبادل التجاري العربي الى حوالي 8% من حجم التبادل التجاري مع دول العالم، يؤدي الى عدم إستفادة لبنان من هذا التكامل. وفي السياق، يمكن الإشارة الى ان حجم التبادل التجاري المنخفض بين الدول العربية، يقابله تبادل تجاري مرتفع بين دول الإتحاد الأوروبي التي تقوم بتكامل إقتصادي على مستوى مهم. فحجم التبادل بين بريطانيا واسبانيا حوالي 35%، في حين تصدر فرنسا 40% من منتجاتها الى اسبانيا. ومن هذه الأرقام، يمكن تحقيق تكامل إقتصادي يكون مدخلاً لتحقيق تكامل مصرفي، وهو ما يسعى إتحاد المصارف العربية الى تحقيقه.

والتكامل المصرفي يلعب دوراً مهماً في تحريك السوق المالية وسوق الإستثمارات، إذ يسمح للمستثمرين العرب وللمواطنين العاديين، بالدخول في حلقة الصيرفة العربية من دون قيود، ويتيح هذا التكامل على سبيل المثال، إستفادة المستثمرين والمستهلكين العرب من الموجودات المصرفية السعودية لإستثمارها في لبنان، بشروط وتسهيلات تساعد الإنتاج والإستهلاك على حد سواء. لكن هذا يتطلب عملاً مصرفياً يترفع عن التجاذبات السياسية، كشرط أساسي. هذا الترفع هو ما ينادي به المصرفيون اللبنانيون من خلال مؤتمر التكامل المصرفي العربي الذي ينعقد في بيروت يومي الأربعاء والخميس. وما الحضور المصرفي العربي في المؤتمر، الا تأكيد على ضرورة تحدييد السياسة عن الإقتصاد، وفق ما قاله أمين عام إتحاد المصارف العربية وسام فتوح، الذي أكد لـ”المدن” ان عدم وجود تكامل إقتصادي عربي، وإتجاه الدول العربية الى تلبية حاجاتها من الأسواق الغربية، يعود لسياسة كل دولة ولطبيعة تعاملها مع بقية الدول، ولا يعود الى أسباب إقتصادية بحت، كالأسعار والقدرات التنافسية مثلاً. وأضاف فتوح ان المصارف العربية قدمت 1.7 تريليون دولار لتمويل قروض شخصية وقروض إسكان وقروض إستهلاكية، لكن المصارف تتجه اليوم نحو تمويل مشاريع إنتاجية عربية. والتغاضي عن الخلافات السياسية يسمح للإقتصادات العربية بالإستفادة من النمو في القطاع المصرفي العربي، الذي تخطت أصوله أعتاب 3.3 تريليون دولار عام 2015، اي بزيادة 8.6% عن نهاية العام 2014، ومن الودائع التي بلغت 1.2 تريليون دولار، محققة نسبة نمو 3.8%، بحسب ما أعلنه في المؤتمر رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية محمد كمال الدين بركات.

لكن عدم ربط الخلافات السياسية بالإقتصاد وحده، دون خطوات فاعلة بإتجاه التكامل الإقتصادي، يجعل من مقومات التكامل المصرفي العربي حبراً على ورق، حيث لا يمكن في ظل عدم جدية بحث التكامل الإقتصادي والمصرفي، إيجاد بنية ملائمة لعملية التنمية الشاملة، أو ترميم الخلل القائم في هيكلية الإقتصاد العربي، فضلاً عن تفعيل حركة الإنتاج بين الدول العربية وتوسيع الطاقة الإنتاجية وتحسينها، بالإضافة الى تلبية حاجات السوق العربية، أو حتى نقاش دور المصارف الإسلامية في تعزيز التكامل المصرفي العربي.

وعليه، فإن غياب التكامل الإقتصادي يمنع تحقيق التكامل المصرفي بوصفه هدفاً إستراتيجياً ووسيلة للتنمية، بحسب ما يراه الإقتصاديون العرب المشاركون في مؤتمر بيروت، ويمنع أيضاً مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه، واستعمال الفوائض المالية في إعادة البناء والإعمار. ولا يمكن لبعض المصرفيين الترويج للتكامل المصرفي على أنه مدخل التكامل الإقتصادي، لأن العكس هو الصحيح، فنشاط الإستثمارات والتبادلات التجارية بين الدول هو الذي يخلق مجالاً لعمل المصارف. فوجود المصارف في دول ليس بينها نشاط تجاري متميز، يعتبر توظيفاً خاسراً للأموال، ولا يسهم في أي تنمية وتطوير.