IMLebanon

القصة الكاملة لأزمة المديرية العامة لأمن الدولة!

state-security

 

ذكرت صحيفة “النهار”انه بات واضحاً أن مجلس الوزراء، في جلسته التي ستعقد غداً، سيواجه مجدداً مشكلة المديرية العامة لأمن الدولة التي وعد الرئيس تمّام سلام بحلها في الاجتماع السابق للحكومة، وذلك بإنشاء مجلس قيادة للمديرية يتألف من ستة ضباط. لكن يبدو أن الحل ذهب أدراج الرياح إذ أوحت مصادر وزارية أن الرئيس نبيه بري رفض هذا الحل القانوني في لقائه سلام، وطلب إليه اللجوء الى تغيير الضابطين في المديرية – اي المدير العام ونائبه، وهو حل يبقي المشكلة قائمة اذ يمكن أن تتكرر المشكلة مع كل مدير عام ونائبه، فضلاً عن أنها تضع المرتكب في مرتبة غير المرتكب، والى هذا وذاك تؤكد أن الحل يقضي باتفاق شيعي – سني لا وزن فيه ولا اعتبار للمسيحيين الذين يرأسون تلك المديرية، وهو أمر لا يمكن أن يحصل في أي مديرية أخرى يرأسها ضابط سني أو شيعي، مما يؤكد انتقاص دور المسيحيين في الدولة.

بدأت القصة – المشكلة مع وجود نائب المدير العام (حالياً) العميد محمد طفيلي على رأس فرع البقاع حيث بنى صداقة متينة مع النائب نقولا فتوش وشقيقه بيار، مدافعاً عن مصالحهما، ومسبباً إزعاجاً لـ”تيار المستقبل”. وقد طلب الرئيس سعد الحريري آنذاك بصفته رئيساً للحكومة ورئيساً لمديرية أمن الدولة، الجهاز الذي يتبع رئاسة الحكومة مباشرة، نقل الطفيلي الى بيروت. ولعدم افتعال مشكلة، طلب المدير العام اللواء جورج قرعة من الحريري توقيع القرار. وهذا ما حصل. لكن القرار أزعج الثنائي الشيعي “حزب الله” و”امل”، وأبدى السيدان وفيق صفا وأحمد بعلبكي استياءهما من قرار يخص ضابطاً شيعياً من دون التنسيق معهما، وألقيا باللائمة على اللواء قرعة.

وفي مرحلة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، طلب اليه الوزير (آنذاك) نقولا فتوش تعيين الطفيلي نائباً للمدير العام، فتم له ما أراد. وبدأت المشكلة وأعمال الانتقام من قرار النقل الأول. ولجأ طفيلي الى الثنائي الشيعي مدافعاً عن صلاحيات طائفية لم تكن قائمة في الأساس عندما كان المدير العام شيعياً. يذكر أن الجهاز قام في الثمانينات كجائزة ترضية للطائفة الشيعية، إذ لم يكن لها موقع أمني من الفئة الأولى. فالجيش يرأسه ماروني، وقوى الأمن سني، والأمن العام أيضاً ماروني، والشرطة القضائية درزي. وحصل الثنائي الشيعي لاحقاً على الادارة العامة للأمن العام لكونها أكثر فاعلية بمباركة الرئيس اميل لحود، وأعطيت المديرية العامة لأمن الدولة الى كاثوليكي. ولم يكن أي طرف أو مسؤول يناقش المدير العام الشيعي في صلاحياته لأنه كان يحظى بالدعم الكامل، أما الكاثوليك فبرز ضعفهم السياسي في خضم أزمة المديرية، إذ حصل شبه اتفاق ضمني على تهميش هذا الجهاز أو الغائه. ولما جبه أمر الالغاء باعتراض مسيحي، كان التهميش وإضعاف الصلاحيات وصولاً الى التضييق الحاصل حالياً والذي يبلغ حد الخنق.

واذا ما قورن عمل الجهاز بعمل أجهزة أخرى مماثلة لتبيّن أن قائد الجيش والمدير العام للأمن العام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي يتمتعون بصلاحيات واسعة حرّمت على المدير العام لأمن الدولة.

وأما نائب المدير العام أو رئيس الأركان أو اي رتبة موازية فيبيّن الجدول الآتي المقارنة في ما بينها:

يتضح من جدول المقارنة ومن شمولية النص في ما خص ابداء الرأي في المعاملات أن الهدف معاونة المدير العام في مهماته الادارية والعملانية (وهي الأهم) ويبقى الرأي استشارياً ويدخل ضمن العمل الداخلي في المديرية العامة، أما المعاملات التي ترسل الى خارج المديرية العامة (تقارير – بريد خاص الى السلطات المختصة – معاملات إدارية) فتكون بتوقيع المدير العام وعلى مسؤوليته وهو مبدأ معتمد في كل ادارات الدولة. لكن المفارقة هنا ان كل من ديوان المحاسبة العمومية ووزارة المال أوقف معاملات أمن الدولة بسبب عدم وجود رأي نائب المدير والذي يمتنع عن ابداء الرأي حالياً (بعدما احتفظ بمعاملات إدارية لديه مرات عدة بهدف الضغط وتحقيق مطالب شخصية ولمدة تجاوزت الشهر أحياناً).

واذا كانت العلاقة الثنائية بين قرعة ونائبه طفيلي لم تسوّ لأسباب كثيرة ومتراكمة، فإن الحكومة لم تلجأ الى حسم الأمر بحل قانوني، بل اعتمدت محاولات إرضاء الطرفين بحل تجاوز الاقتراح المقدم عام 2014 والذي يقضي بانشاء مجلس قيادة على غرار قوى الأمن الداخلي والجيش، واعطاء الصلاحية للمدير العام في ملفات كثيرة كما في الجيش والأمن العام، أو حتى في شعبة المعلومات.

واقتراح إنشاء مجلس قيادة جبه برفض نائب المدير العام، فأوعز الى الأمين العام لمجلس الوزراء (آنذاك) سهيل بوجي بإعداد مطالعة يقول فيها إن القرار يحتاج الى مشروع قانون في مجلس النواب، بعكس ما أفتى به 3 قضاة في هيئة التشريع هم شكري صادر وزياد شبيب وريتا كرم القزي الذين أصدروا قراراً اعتبروا فيه الأمر تنظيمياً ويقر في مجلس الوزراء. وهذا ما حمل الوزراء ميشال فرعون وآلان حكيم وسجعان قزي وآخرون على التلويح بمغادرة مجلس الوزراء إذا لم تعتمد الحكومة الحل القانوني. ووعد الرئيس سلام خلال الجلسة بجعل الملف بنداً أول على جدول أعمال الجلسة المقبلة. ووعد باعتماد انشاء مجلس قيادة وفق الاقتراح المقدم، ويضم ستة ضباط والأرجحية فيه تكون للمدير العام. وأفادت مصادر وزارية أن اقتراح الحل رفضه الرئيس بري في اللقاء الأخير الذي جمعه الى سلام.

وكان فرعون طرح الملف على طاولة الحوار الوطني أيضاً، ودخل على خط الحل النائب ابرهيم كنعان موفداً من العماد ميشال عون، واتصل بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام برئيس الحكومة الذي أكد له المضي في الحل، وتعهد وزير المال علي حسن خليل في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بتسيير الأمور المالية للمديرية قبل الاثنين الذي انقضى ومعه اثنين آخر دون الافراج عن الأموال وعن المعاملات والطلبات الأمنية المكدسة لدى رئاسة الحكومة والتي يؤدي تأخيرها الى شلل في عمل الجهاز الأمني.

ويطالب نائب المدير العام قبل القبول بحل أو مصالحة دعا اليها سلام شرطاً لحلحلة الأمور، بالآتي:

▪ تركيب جهاز كومبيوتر في مكتبه يسمح له بالدخول مباشرة الى داتا المعلومات، وهو أمر غير موجود في مكتب المدير العام كما انه غير معتمد في الجيش وباقي الأجهزة الأمنية. بعد المداولات قبل بالأمر على أن يرفع طلباً خطياً الى رئيسه بالمعلومات التي يطلبها.

▪ قسم الاستعلام التقني، والذي يرأسه ضابط برتبة عقيد ويساعده ضابط برتبة نقيب مقرّب اليه، يطلب نائب المدير اعطاءه الصلاحيات التي تخوله الاطلاع على كل المهمات وهذا لا يجوز في التراتبية العسكرية ومنهجية العمل.

▪ خلاف على صلاحيات مجلس القيادة لا سيما لجهة رفع اقتراح نقل الضباط في المديرية العامة. وهو أمر يتطلب استشارة هيئة التشريع في وزارة العدل. (المعتمد حالياً هو اقتراح المدير العام).

وفي المحطات البارزة للخلاف في العامين 2015 و2016 نذكر الآتي:

العام 2015

▪ استمرت العلاقة حذرة في الفترة الأولى من العام 2015 وبقيت بعض الخلافات عالقة لتهرّب السيد احمد بعلبكي عن بتها مع النائب ابرهيم كنعان رغم المحاولات المتكررة (صلاحيات مجلس القيادة).

▪ احتفاظ نائب المدير العام مرات عدة بمعاملات إدارية لمدة أكثر من شهر ومحاولات الابتزاز للحصول على مكاسب شخصية (سيارة أو تشكيل عنصر أو ضابط).

▪ الاحتفاظ بمعاملات تحقيق سيارات مصفحة ومسدسات من الهبة السعودية لأكثر من شهر ولدى مطالبته من المدير العام أفاد أنه سيرسلها فوراً قبل سفره بمأذونية الى الخارج لكنه أرسل ملف المسدسات واحتفظ بالملف الثاني وسافر من دون إعلام المدير العام ما دفع الأخير الى تحضير ملف جديد وإرساله الى رئاسة الوزراء (لم يختر النوع تاركاً لرئيس الوزراء حرية الاختيار).

▪ في الاجتماع الاخير قبل سفره، جرى حديث عن تشكيلات للضباط كانت نوقشت سابقاً وتمنى على المدير العام عدم إصدارها قبل عودته فوافق الأخير، لكن طفيلي رفض تأشير أمر فصل لاحقاً طالباً تشكيل المقدم (…) والرائد (…) وهو أمر لم يكن مطروحاً ما يدل على نية العرقلة.

▪ اختلاق أمور غير صحيحة (رفض المدير العام استقباله، عدم الاحتفاظ بملفات لديه، عدم قانونية أمر الفصل…) بهدف تضليل الرؤساء وإظهاره بمظهر المستضعف.

▪ إعادة تناول المديرية العامة في الاعلام بشكل تصاعدي (فشل رئيس الوزراء في حل الخلاف بين المدير العام ونائبه، تخصيص زوجة المدير العام بسيارة، التشكيك بملف السيارات المصفحة).

▪ العودة الى عرقلة ملفات أمن الدولة المالية في وزارة المال وديوان المحاسبة العمومية من خلال مراجعة وزير المال ورئيس الديوان والطلب اليهما توقيف المعاملات لديهما، وهذا ما حصل اذ توقفت معاملتي نقل اعتماد التعويضات المدرسية وصرف النفقات السرية لشهر حزيران، كما عادت نغمة “ان اي معاملة لا تحمل رأيه لن تمر في المالية او في ديوان المحاسبة”.

▪ بناء على توجيهات وزير المال، ومنذ شهر تموز 2015، حرمت المديرية العامة النفقات السرية دون وجه حق اذ أوقفت هذه النفقات بأمر شفهي، بالاضافة الى توقيف طلبات حجز الاعتمادات لدى مراقب عقد النفقات (باستثناء الملفات التي تتعلق بالطبابة).

▪ رد ديوان المحاسبة قرارات استشفاء لابداء رأي نائب المدير العام عليها (دون وجه حق) مع الاشارة الى ان هذه المعاملات لا تتطلب ابداء رأي اذ أن المدير العام نفسه لم يوقع عليها (وقد صدر قرار من الديوان الذي يرأسه القاضي أحمد حمدان بهذا الخصوص).

واذا كان رئيس الحكومة على معرفة بكل هذه الممارسات غير القانونية في المديرية التي تخضع لسلطته المباشرة فإنه ساهم أيضاً بالتضييق بعدم توقيع أية معاملة صادرة عن المديرية (منها “داتا” الاتصالات التي تساهم في العمل الأمني ومكافحة الإرهاب…)، حتى أنه لم يوقع على مهمات زيارة رسمية للمدير العام الى دول حليفة وكبرى تهدف الى التعاون والتبادل المخابراتي.

في العام 2016

▪ بعد تراكمات التعطيل السابقة وعدم القدرة على اجراء مناقصات بسبب عدم موافقة ديوان المحاسبة على السير بمعاملات لا تتضمن تأشيرة نائب المدير العام وعدم تأشير مراقب عقد النفقات على طلبات حجز اعتمادات عائدة للمديرية العامة بتوجيهات من وزير المال بوجوب رفعها اليه وعدم إعادتها الى هذه المديرية العامة من ناحية أخرى. هذه الأسباب كلها أدت الى عدم تحقيق حاجيات المديرية العامة على اختلاف أنواعها.

ومع مطلع العام 2016، واستناداً للمادة 123 من قانون المحاسبة العمومية، أرسلت المديرية العامة لأمن الدولة الى وزارة المال كتاباً برقم 504/1352 أ تاريخ 2015/12/3 يتعلق بتبرير تجزئة بعض الصفقات مرفق به قرار تجزئة رقم 1673 تاريخ 2015/12/3 وحتى تاريخه لم يرد جواب بهذا الخصوص الى هذه المديرية بالرغم من إرسالها كتاباً للإستفسار عن مصير قرار التجزئة المذكور أعلاه.

إن التبريرات المبيّنة في الكتابين المذكورين آنفاً تبين الوضع الحقيقي للمديرية العامة والتي تعرّضت للشلل التام الأمر الذي أدى الى تعطيل عملها وعدم قدرتها على تأمين حسن سير العمل فيها بسبب موقف وزارة المال، وعلى سبيل المثال توقفت عن تأمين التغذية لعناصرها الذين يؤمنون الخدمة على مدار الساعة في كل المراكز التابعة لها، كما أصبحت عاجزة عن تأمين أدوية العلاج للأمراض المستعصية والتي لا تحتمل التأجيل.

واذا كانت هذه الأمور مجتمعة مدعاة للاستغرب، فإن ما يقلق أكثر هو موقف رئيس الحكومة غير المبرر.

فقد رفض الرئيس سلام استقبال المدير العام مع إصراره على أن يتم الاتفاق بين المدير ونائبه ثم العودة اليه، مكرساً الشراكة في إدارة المديرية والمساهمة بالضغط لقبول طلبات نائب المدير لإنهاء الإشكال (هل يجوز ألا يستطيع مدير عام التواصل مع رئيسه المباشر في السلطة السياسية؟).

▪ في تاريخ 2016/3/13 عقد اجتماع أمني طارئ في السرايا الحكومية للمواكبة الأمنية لخطة النفايات ولمتابعة الوضع الأمني وبخاصة حادثة مقتل الكويتيين ولم يدع المدير العام بالرغم من الإنجاز الذي حققته المديرية بكشف الجريمة وتوقيف الفاعلين.

▪ حتى منتصف آذار الجاري، ما زالت الاستجابة لطلبات الحصول على داتا الاتصالات متوقفة في رئاسة الحكومة وقد بلغ عددها 270 طلباً لمتابعة ملفات تتعلق بالإرهاب وجرائم مختلفة.

▪ في تاريخ 2016/3/17، بعدما كان يؤجل البحث بموضوع المديرية من جلسة الى أخرى، قرر وزراء “التيار الوطني الحر” والكتائب والوزير فرعون رفع الصوت عالياً ضد التهميش الرسمي والخناق المالي والإداري للمديرية، فقرر رئيس مجلس الوزراء إرجاء الموضوع جلسة واحدة.

فمن يلتزم غداً الحل؟ وهل يبقى الوزراء المسيحيون على اندفاعهم في هذا المجال أم يضيعون مرة جديدة حقاً لهم فيسقطون أمام منطق الاستقواء، ويسقطون أمام ناسهم مرة أخيرة؟ إن غداً لناظره قريب.

 

P06-02-N25940-640_231399_large P06-03-N25940-640_310593_large P06-04-N25940-640_136979_large