IMLebanon

هكذا تثقّف المصارف عملاءها

associations-lebanese-banks

عزة الحاج حسن

تعمل المصارف اللبنانية في الفترة الأخيرة جاهدة لـ”تثقيف عملائها وتوعيتهم” على حقوقهم وواجباتهم المصرفية، انسجاماً مع تعميم مصرف لبنان رقم 134، الذي يُلزم المصارف بالعمل على “تثقيف العملاء وتوعيتهم” وتوضيح حقوقهم من خلال نشر برامج التوعية والتثقيف في مراكزها الرئيسية، وجميع فروعها ومواقعها الالكترونية، وغيرها من وسائل التواصل مع العملاء.

المصارف لم تخالف ولم تعترض على تعميم مصرف لبنان، بل أنها باشرت بتنفيذه منذ أشهر عدة، وهي تعتبر نفسها أدت وتؤدي مهمتها بإطلاع العملاء على أصول جراء العمليات المصرفية والمالية، بما يضمن شفافية التعامل معهم لجهة حقوقهم وواجباتهم، ولكن كيف تجري عملية التثقيف؟ وهل تمارس المصارف ما يشبه “الإلتفاف” على التعميم؟

وضعت المصارف والمؤسسات المالية نموذجاً موحّداً، باشرت على أساسه تطبيق تعميم مصرف لبنان، ويحدد النموذج حقوق المودعين وواجباتهم ويُطلب من الزبائن توقيعه بعد الاطلاع عليه، ويتضمن 12 بنداً عن حقوق العميل و6 بنود عن واجباته و3 إرشادات عامة.

المصارف لم تعمد إلى توعية العميل و”تثقيفه” بشكل مباشر عند تقدمه بطلب ما، سواء في سياق الإقتراض أو الإيداع أو أي تعامل آخر، بل اختصرت المصارف المهمة بإرسال النموذج التثقيفي إلى مقر عمل كل عميل (ولاسيما العملاء المرتبطين بتوطين رواتب) وأرفقته بخانة لتدوين اسم العميل وتوقيعه وضرورة إعادة إرساله إلى المصرف، لتحتفظ الأخيرة بالنموذج التثقيفي الموقع كوثيقة قانونية تثبت من خلالها التزامها بتطبيق تعميم مصرف لبنان من جهة وحماية نفسها من أي مساءلة أو اعتراض من العميل تجاه حقوقه المدونة في النموذج من جهة أخرى، ولاسيما في حال مخالفة المصرف المتعامَل معه أياً منها.

الأسلوب الذي اعتمدته بعض المصارف لم يُسقطها في أي مخالفة صريحة، ولكن من المؤكد أن النموذج لم يحقق غايته التثقيفية بالشكل المطلوب، لأن الإطلاع عليه وتوقيعه لا يعني أن العميل المصرفي بات في غنى عن الحاجة إلى شروحات ترتبط بكل عملية مصرفية يمكن أن يضطلع بها على مدار سنوات، ولاسيما منها تلك المتعلقة بقروض ذات فوائد مركّبة “صعبة” الفهم بالنسبة إلى معظم العملاء.
ويتضمن النموذج التثقيفي المعمّم بنوداً تحتاج فئات واسعة من العملاء إلى استيضاحها، مثل البند الثاني من حقوق العميل الذي ينص على أنه من حق العميل “الحصول على شرح واضح ووافٍ ومبسّط من جانب الموظف المعني عن الخدمات والمنتجات الماليّة التي تحتوي على مستويات مختلفة من المخاطر”، وهل برأي المصارف أن العملاء كافة على معرفة بماهية الخدمات والمنتجات الماليّة التي تحتوي المخاطر؟ بالطبع لا، من هنا تأتي أهمية تثقيف العميل وتوعيته على حقوقه بشكل مباشر.

الأكثر غرابة في نموذج التثقيف المصرفي ما يتضمنه البند الثامن من حقوق العميل وينص على “حرّية اختيار شركة التأمين من بين خمس شركات، على الأقل، مقبولة من المصرف ومبينة في لائحة خطية وذلك إذا كان الحصول على المنتج أو الخدمة مشروطاً بتقديم بوليصة تأمين إلى المصرف”. وتكمن غرابة هذا البند في أن غالبية عقود المصارف المخصّصة للإقراض وتحديداً السكني منه، تتضمن شركة تأمين واحدة وإلزامية، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى التعميم رقم 134 التثقيفي، ويجيز طرح سؤال عما إذا أصبحت موجبات إعلام واستعلام العملاء المصرفيين شبيهة بعقود الإذعان التي تبرمها المصارف معهم.