IMLebanon

في لبنان أيضاً شركات “أوفشور”

NejmehSquare-BeirutDowntown
خضر حسان

لم يهدأ الحديث عن “وثائق بنما” في أوساط المتابعين، ذلك لأن هذه الوثائق تحمل انعكاسات خطيرة على المستوى الإقتصادي للعديد من الدول، وعلى مستوى الثقة بالإقتصادات، وبالعمل المؤسساتي، وخصوصاً شركات “أوفشور”، نظراً للدور الذي تلعبه في “إخفاء” أساس الأموال المتنقلة حول العالم، والتي تُستعمل في تبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما بينته “وثائق بنما”.

لكن في خضم الحديث العالمي، هل لبنان بعيد من شركات “أوفشور” ونشاطاتها؟

شركات ال”أوفشور” موجودة في لبنان، وتمارس أعمالها كأي شركة عالمية مماثلة، وتتماثل مع نظيراتها في الإيجابيات والسلبيات. فمن الناحية الإيجابية تساعد شركات “أوفشور” اللبنانية على إكساب البضائع اللبنانية قدرة تنافسية في الخارج نظراً لعدم خضوعها للضريبة محلياً، لأن هذه الشركات تمارس عملها خارج السوق اللبنانية.

يحدد هذا النشاط المرسوم الإشتراعي رقم 46 الصادر بتاريخ 24-6-1983، وتعديلاته الصادرة بالقانون رقم 89، بتاريخ 7-9-1991، وبالقانون رقم 19، الصادر بتاريخ 5-9-2008. ووفق المرسوم، تعمل شركات “أوفشور” اللبنانية في الخدمات “المهنية والإدارية والتنظيمية وخدمات تطوير برامج المعلوماتية وخدمات تدريب مستخدمي الجهات الشارية خارج لبنان، سواء لقاء بدلات محددة أم لقاء نسب مئوية من الإيرادات والأرباح، شرط أن تكون الخدمات المذكورة من نتاج الشركة نفسها، بواسطة مواردها البشرية وطاقاتها الذاتية، سواء أكان من المساهمين فيها أم من مستخدميها”.

ويسمح المرسوم أيضاً بعمليات “بيع وشراء الأموال الموجودة في المنطقة الجمركية الحرة، سواء أكانت عائدة لشخص حقيقي أم معنوي، مقيم في لبنان أو غير مقيم، شرط أن يجري تصدير هذه الأموال إلى الخارج، وأن لا توضع في الإستهلاك المحلي”.

وبهدف الحد من التهرب الضريبي عبر شركات “أوفشور”، تنص المادة العاشرة من القانون رقم 44 بتاريخ 11-11-2008 (قانون الإجراءات الضريبية) على أنه “يحق للإدارة الضريبية أن تعيد توصيف هذه العمليات والصفقات وفقاً لحقيقتها، منعاً للتهرب من الضريبة”.

لكن القانون اللبناني لا يملك في الواقع آليات تطبيقية تمكّنه من المراقبة الحقيقية لأعمال شركات “أوفشور”. هذا الواقع لا يعود حصراً إلى وجود نقص في التشريعات اللبنانية، بل لأن طبيعة عمل “أوفشور” يخلق صعوبة في تتبع مصادر الأموال التي يتم تداولها، والسجلات التجارية اللبنانية لا تملك القدرة على تحديد كامل التفاصيل حول مالكي الشركات ومساهميها. ما يسهل عملية إخفاء المصادر، وبالطبع، الأموال والأرباح، وبالتالي حرمان خزينة الدولة من العائدات الضريبية.

وكَون “أوفشور” اللبنانية غير معنية- حتى الآن- بـ”وثائق بنما”، ولها إيجابيات إقتصادية وعملها منظم بقانون ومرسوم اشتراعي، لا يمكن استبعاد التأثيرات السلبية. فما تفعله “أوفشور” الأجنبية بأموال بعض اللبنانيين في لبنان والخارج، يمكن أن تفعله “أوفشور” اللبنانية بأموال اللبنانيين والأجانب. فنشاط “أوفشور” اللبنانية خارج لبنان، يساعدها في تغيير مسار أموال اللبنانيين، من خلال إخراجها من لبنان وإعادتها إليه عبر شركات “أوفشور” أخرى، فيظهر الأمر وكأن مصدر الأموال خارجي. وهنا يبرز الطابع السلبي لعمل “أوفشور” اللبنانية، والذي “يتكامل” مع أعمال أخرى، أبرزها المساهمة في إخفاء المالكين الحقيقيين للشركات اللبنانية. وهذا أمر سهل مع إضافة بعض التعقيدات عبر إمتلاك شركة شركة أخرى ومنها شركة ثالثة، والثالثة تمتلك رابعة… فتتعقد الأمور أكثر وتختفي المعالم الحقيقية للشركات، فيصبح التهرب الضريبي وتبييض الأموال أمراً مبرراً.

الجدير ذكره أن مصرف لبنان، وتحاشياً لهذه “اللعبة” في القطاع المصرفي، يطلب من المصارف والمؤسسات المالية، هيكلية المساهمين فيها، ما يسمح للمصرف بالإطلاع على أدق التفاصيل حول ملكية المصارف والمؤسسات المالية، ومنع التلاعبات والإخفاءات. وفي حال عدم وضوح هيكلية مصرف أو مؤسسة ما، يطلب المصرف المركزي بيانات توضح المالكين والمساهمين لأكثر من 12 مستوى، في عملية تشبه تفريع شجرة العائلة والوصول إلى 12 جَداً. ورقابة مصرف لبنان هي الخطوة الأساسية لضبط عمليات التهرب الضريبي وتبييض الأموال، وضمناً، مراقبة شركات “أوفشور”، كما يؤكد الوزير السابق زياد بارود، الذي يوضح خلال حديث لـ”المدن” أن تصنيف “أوفشور” لا يعني بالضرورة وجود أعمال غير قانونية وتهرب ضريبي وتبييض أموال. فهذه العمليات يمكنها أن تتم من خلال شركات عادية أو نقل أموال نقدية. ويشير بارود إلى أن القانون البناني ينظم عمل الشركات عموماً، لكن قضايا التسجيل وغيرها من الأمور الإدارية، لا يمكنها ضبط أعمال غير قانونية، لذلك تبرز أهمية التشريعات والضوابط التي يصدرها المصرف المركزي وتنفذها المصارف اللبنانية. وهذا الدور يصبح أكثر أهمية إذا تكامل مع دور وزارة الإقتصاد. وتسهم الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، برأي بارود، في عملية الضبط، لأنها في حال تطبيقها بطريقة صحيحة، تبيّن مصادر الدخل وحجمه وطرق إنفاقه. ويلفت بارود النظر إلى أن العالم يتجه اليوم إلى تعزيز التعامل المالي بطريقة إلكترونية، عبر البطاقات الائتمانية التي تبين أبواب إنفاق الأموال، وتسهل عملية تتبعها في حال حصول أي عمل غير قانوني.