IMLebanon

صناعة المعارضين في سوريا

syrian-opposition

 

كتب الياس حرفوش في صحيفة “الحياة”:

ليس مهماً بالنسبة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولا طبعاً بالنسبة إلى رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري أن ينسحب وفد الهيئة العليا للمفاوضات أو أن يبقى. هناك دائماً معارضون جاهزون في مصانع النظام، للحلول مكان هؤلاء. لافروف يرى أن انسحاب وفد الهيئة هو “خسارة” لها وحدها وليس لأي طرف آخر. أما الجعفري فيقول إن انسحاب الهيئة “ليس مشكلة كبيرة لنا”، فهي في نظره ليست الممثلة الوحيدة للمعارضة السورية. ومع تحوّل الجعفري إلى خبير نفسي، أضاف أن هيئة المفاوضات تضم “مراهقين سياسيين”، لم يدركوا الهدف من المشاركة في جنيف!

حسناً، ما هو هدف هذه المشاركة إذن؟ في نظر النظام السوري لا بد أن يكون الهدف هو إعادة إنتاج بشار الأسد، بعدما أصبح فاقد الصلاحية في نظر معظم العرب والجزء الأكبر من المجتمع الدولي. هل يمكن أن يصدق أحد أن النظام أرسل وفده إلى جنيف ليفاوض على اقتلاع رئيسه من الحكم؟ النظام موجود في جنيف لإيهام العالم أنه لا يمانع في البحث عن حلّ للأزمة، حلّ يكون وفق شروطه طبعاً. والمعارضة موجودة في جنيف بعد أن خضعت لضغوط إقليمية ودولية (أميركية وروسية وأوروبية) إضافة إلى ضغوط الأزمة الداخلية التي تفرض عليها السعي إلى حل، بالحد الذي يمكن قبوله.

سعى النظام وحلفاؤه إلى إنجاح عملية إعادة إنتاج بشار الأسد من خلال: 1- قطع الطريق على إمكان بقاء المعارضة في المفاوضات برفض الحديث في مسألة الانتقال السياسي، التي تشكل المطلب الأساسي للسوريين. ففي جولة المفاوضات الأخيرة طلب رئيس الهيئة رياض حجاب من المبعوث الدولي دي ميستورا جدولاً زمنياً للانتقال السياسي، لأن الهيئة بما تمثله من قاعدة عريضة للمعارضة لا يمكنها القبول بأقل من تخلّي الأسد عن السلطة، بعد كل الدماء التي سالت والخراب الذي حلّ بالبلد كنتيجة مباشرة لأوامره وأوامر المجموعة الأمنية المحيطة به. 2- اختراع مجموعات معارضة تعمل تحت مظلة النظام وبتوجيهات منه أو من حليفه الروسي، ولا تتمتع بأي تمثيل أو حيثية على الأرض، للايحاء بأن الهيئة العليا لا يحق لها احتكار تمثيل المعارضة. ورافقت ذلك عروض من هؤلاء “المعارضين” شملت الموافقة على حكومة موسعة أو تعيين نواب للرئيس، لقطع الطريق على مطلب إزاحة الأسد. 3- ابتزاز المجتمع الدولي والشعب السوري بمسألة الحفاظ على الهدنة، لإعطاء الانطباع بأن انفراط عقد التفاوض سيؤدي إلى انهيارها، مع أن هذه الهدنة لم تعد قائمة فعلاً، بعد أعمال القصف في حلب وغوطة دمشق وسواهما، كما أن النظام لم يلتزم خلال فترة التفاوض أياً من الشروط التي كان من الضروري أن ترافق الهدنة، وهي: إطلاق المعتقلين، رفع الحصار عن المدن، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وبالطبع يدخل ابتزاز النظام في إطار علاقة التلازم التي فرضها على السوريين، بين قتلهم أو البقاء فوق رؤوسهم: أحكمكم أو أقتلكم.

ما هو الدور الذي يلعبه المبعوث دي ميستورا، والمجتمع الدولي من ورائه، في وجه هذا التلاعب السوري بالمفاوضات؟ تقول أوساط المعارضة إنها لم تفاجأ بقرار دي ميستورا المضي في المفاوضات، بعد انسحاب وفد الهيئة العليا. لم يكن المبعوث الدولي قادراً على غير ذلك أمام الموقف الروسي الذي عبّر عنه الوزير لافروف بقوله إن الهيئة هي التي خسرت بانسحابها، وبتبنيه موقف النظام من أنها ليست الجهة الوحيدة التي تمثل المعارضة. غير أن دي ميستورا يعرف أن المفاوضات لا يمكنها أن تخرج بأي نتائج في غياب الهيئة، التي تسلمت منه، كما قال أحد أركانها، رسائل مكتوبة قال فيها المبعوث الدولي إن الهيئة هي الوفد المفاوض باسم المعارضة، كما أكد دي ميستورا أن الوفد الذي يستطيع أن يفرض الالتزام بالهدنة هو الذي يمكن اعتباره ممثلاً للمعارضة، وقد أثبتت هيئة التفاوض قدرتها على ذلك من خلال إعلان 107 فصائل ثورية وعسكرية موافقتها على الهدنة مع بدء المفاوضات الأخيرة.

الجميع يعرف من هي المعارضة الحقيقية في سوريا، من يمثلها وماذا تريد تحقيقه. الجميع بمن فيهم النظام السوري. أما عمليات صناعة “معارضين” للتفاوض معهم، والحديث عن انشقاقات داخل هيئة المفاوضات، فلا تخرج عن محاولات إنكار الواقع الذي يواجهه النظام، وهي المحاولات التي ساهمت إلى حد بعيد في إطالة عمر الأزمة إلى اليوم.