IMLebanon

مايكروسوفت تتوجه نحو الإنترنت الصناعي

ساتيا ناديلا  -  مايكروسوفت
ساتيا ناديلا – مايكروسوفت

ريتشارد ووترز

عندما اعتلى ساتيا ناديلا خشبة المسرح في ألمانيا يوم الأحد، في أول ظهور له في معرض هانوفر، أحد أهم الأحداث في تقويم الصناعة التحويلية، كان ذلك مؤشرا على تغيير كبير في “مايكروسوفت”.

الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا يعترف بأنه في السنوات الماضية “لم يكن لدي ما يمكن الحديث عنه ولكن أعتقد الآن بأن لدي ما أتحدث عنه”.

وهو هنا لا يروج للبرامج التقليدية التي تجني المال في “مايكروسوفت” مثل أوفيس، وويندوز وبرامج الخوادم، أو حتى أحدث خدماتها للحوسبة السحابية. بدلا من ذلك، يقول ناديلا: “نحن نتحدث الآن عن الجوهر”. وهذا يعني أن البيانات التي تنتجها السيارات ومحركات الطائرات والمصاعد وغيرها من المنتجات الصناعية، تعمل على توفير المواد الخام لتحويل السلع البكماء المصنعة إلى ما يسميه “أنظمة الذكاء”.

محاولة “مايكروسوفت” وضع نفسها في مركز “إنترنت الأشياء الصناعي” تردد صدى تحرك أوسع بين شركات البرامج. فهي تعني أن التقارب بين تكنولوجيا المعلومات والعوالم الصناعية ربما بدأ أخيرا يكتسب الزخم، في الوقت الذي تعترك فيه الشركات من عالمين مختلفين جدا من أجل أن تكون لها اليد العليا.

يقول بيل روه، كبير الإداريين الرقميين في شركة جنرال إلكتريك، التي تتسابق أيضا لتكون لها مكانة مورد للبرنامج التأسيسي لتشغيل الإنترنت الصناعي: “في هذا الأمر الفائز يحصل على كل الغنائم: منصة تقوم على سحابة لربط الأجهزة وبناء التطبيقات فيها، ويكون لها نطاق عالمي (…) لن يكون لديك إلا عدد قليل من تلك الأشياء”.

وبحسب ناديلا، البيانات التي يتم جمعها من الأجهزة المتصلة سوف تستحدث “حلقة تغذية راجعة رقمية” جديدة من شأنها أن تجعل من الممكن تطبيق علم البيانات نفسه الذي تم تطويره في مجالات أخرى. وهذا، كما يضيف، يؤدي إلى نفس “قابلية التطويع والقوة التحليلية والقدرة على التنبؤ بالمعدات الصناعية التي كانت لديك من قبل في منتجات البرمجيات لشبكة إنترنت الجوال”.

يمكن أن تكون النتيجة سيطرة أفضل وتخفيضا للتكاليف وطرقا جديدة لتوليد الإيرادات من خلال تحويل مبيعات الأجهزة إلى فرص لتقديم خدمات.

ولأن هناك مزيدا من القيمة في المنتجات الصناعية التي تتحول من الأجهزة إلى البرامج، فليس من المستغرب أن كثيرا من الشركات الصناعية تعيد النظر في استراتيجيات البرامج التابعة لها. ووفقا لشركة جنرال إلكتريك، فإن الإنترنت الصناعي ككل سيكون سوقا بقيمة 225 مليار دولار من حيث الإيرادات السنوية بحلول عام 2020 – وهي قيمة تتجاوز الرقم المتوقع البالغ 170 مليار دولار لإنترنت الأشياء الاستهلاكي، الذي يجتذب مزيدا من الاهتمام من الجمهور، ويعتبر حتى أكبر من سوق الحوسبة السحابية للشركات التي يتوقع أن تصل إلى 206 مليارات دولار.

من سوق البرامج الصناعية الجديدة، تقدر جنرال إلكتريك أن 100 مليار دولار سوف تذهب إلى حفنة صغيرة من الشركات التي توفر منصات مركزية للإنترنت الصناعي – البرامج التي تقوم بجمع وتكديس البيانات، والتي تعتبر بمثابة الأساس لتطبيقات عالية المستوى وتستحدث واجهة متجرية للمطورين للوصول إلى جمهور في العالم الصناعي، مثل كثير من متاجر التطبيقات الذكية.

حتى الآن، عدد قليل من الشركات شهدت قيمة الأعمال في البيانات التي تستطيع جمعها، كما يقول جيم تولي، المحلل في مجموعة جارتنر للأبحاث. لكنه يضيف أن الشركات كثيفة الأصول، مثل شركات الكهرباء والتعدين وشركات التصنيع، أخذت أخيرا تتنبه إلى هذه الإمكانات. رولز رويس تعتبر أنموذجية من بين شركات التصنيع التي تؤمن بأن الوصول إلى أنواع مختلفة من البيانات يوشك أن يفتح فرص أعمال جديدة. الشركة البريطانية لصناعة محركات الطائرات كانت تجمع معلومات حول أداء محركاتها منذ ما يقرب من عقدين من الزمن للمساعدة في الصيانة.

الآن، كما يقول توم بالمر، النائب الأعلى للرئيس للخدمات، تقوم الشركة بتأمين أنواع أخرى من البيانات حول الطقس، مثلا. ومن بين الأهداف المساعدة في تحسين خطط الطيران لعملائها من شركات الطيران للحد من استخدام الوقود، أحد أكبر تكاليفها.

انتشار تكنولوجيات السحابة الجديدة التي تعتبر أكثر مرونة جعل من الأسهل والأسرع أيضا بالنسبة لشركات التصنيع إدخال تطبيقات جديدة. ظهور جنرال إلكتريك البطيء كشركة برمجيات يسلط الضوء على المشكلات في عالم التكنولوجيا القديمة. وكما يقول روه، قبل السحابة، بناء كل تطبيق من الصفر كان ينطوي على عملية بطيئة وشاقة، على اعتبار أنه لم يكن بإمكان جنرال إلكتريك استدعاء خدمات كانت قد كتبتها من قبل للاستخدام في تطبيقات أخرى.

وكانت المجموعة الصناعية الأمريكية تتعلم من أفضل الممارسات في صناعة الحوسبة السحابية في نواح أخرى أيضا. فقد اعتادت على نسخ شركات الإنترنت الاستهلاكي، كما يقول روه، حيث كانت تحاكي كل شيء من أساليب مراكز البيانات الخاصة بها إلى السرعة الهائلة لعملياتها. ويضيف: “أمازون إحدى الشركات التي نتعلم منها ونراقبها”.

ومع سوق الإنترنت الصناعي الآخذة في التبلور، تجذرت عقلية التهافت على الذهب في عالم البرمجيات. قفز استثمار رأس المال المغامر في الشركات العاملة في مجال إنترنت الأشياء الصناعي بنسبة 76 في المائة العام الماضي، ليصل إلى أكثر من مليار دولار، وفقا لشركة سي بي إنسايت للأبحاث.

ويقول آيزاك براون، وهو محلل في معهد أبحاث لوكس: “يبدو الأمر وكأنه حدث قبل ثماني سنوات ضوئية، عندما وصلت إلينا “الحوسبة السحابية”. قال الجميع، أعطني بعض السحابة – ولكن لم يكونوا يعرفون ما الذي يعنيه ذلك”.

إحدى المفاجآت كانت وجود عدد كبير من الشركات الناشئة التي تتنافس لتصبح شركات منصات بدلا من شركات لتزويد التطبيقات – وهو رهان محفوف بالمخاطر نظرا لميل أسواق برامج المنصات للاندماج. أصحاب المشاريع الذين اجتُذِبوا إلى السوق يرفضون فكرة أن لدى شركات البرامج والتصنيع العملاقة أي ميزة متأصلة. وبحسب براد كيويل، أحد مؤسسي موقع الصفقات جروبون: “في معظم أنحاء قطاع التكنولوجيا، نهج ريادة الأعمال يعتبر صيغة كبيرة. السرعة الريادية مهمة جدا”.

لكن إجراء تغييرات جذرية يبدو أمرا لا مفر منه. يقول روه إن أسواق البرامج الجديدة الأخرى التي أنشئت نتيجة صعود الحوسبة على الآلات الجوالة والحوسبة السحابية أخذت تتركز منذ فترة على عدد قليل للغاية من الفائزين، وهو ما يبين الطريق لما يمكن أن يحدث في إنترنت الأشياء. ويشير إلى برامج الهواتف الذكية التي تهيمن عليها “جوجل” و”أبل”، والحوسبة السحابية التي تتمتع فيها “خدمات أمازون للإنترنت” ومايكروسوفت بأقوى المواقع، باعتبارها دليلا على أن من المرجح أن يكون هناك فائزان أو ثلاثة فقط.

وتأمل جنرال إلكتريك السير على خطى أمازون، بتقليد النهج المتبع لدى مجموعة التجارة الإلكترونية والمتمثل في فتح التكنولوجيا (التي تم تطويرها لمساندة أعمالها التجارية) لكي تستخدم من قبل شركات أخرى. يقول روه: “لم نأخذها إلى السوق إلا بعد أن أنشأناها لأنفسنا”.

لكن الشركة لم تعلن بعد أنها باعت منصة البرامج الخاصة بها “بريديكس” لأي من العملاء الذين يتنافسون مع أعمالها الجوهرية الخاصة بالتصنيع، وتدعي الشركات المنافسة أنه سيكون من الصعب على الشركة تأسيس نفسها كموفر للخدمة في قطاع الصناعة التحويلية الأوسع. في الوقت نفسه، كانت شركات الحوسبة السحابية آخذة في التحرك بثبات نحو مجال الإنترنت الصناعي. صحيح، ربما تنقصها الخبرة القطاعية العميقة التي تتمتع بها جنرال إلكتريك، لكن يمكن لأنظمة الأغراض العامة لدى تلك الشركات (التي تتعلق بجمع وإدارة وتحليل البيانات) أن تتكيف بحسب الهدف، كما يقول تولي. وأعلنت أمازون جهودا في الخريف الماضي، في حين أن ظهور ناديلا في هانوفر في عطلة نهاية هذا الأسبوع يعتبر تتويجا لسلسلة من الخطوات المتخذة من قبل شركة مايكروسوفت. وهي آخذة في التشكل لتصبح عالما جديدا معقدا، حيث من المرجح أن تجد شركات البرامج والشركات الصناعية نفسها حليفة في لحظة ما، ومتنافسة في لحظة أخرى.

ويرفض ناديلا فكرة أن شركتي مايكروسوفت وجنرال إلكتريك ستتنافسان وجها لوجه. لكنه يضيف، في معرض حديثه عن شركات الصناعات التحويلية: “ربما يكون لبعضها أجندات إيكولوجية أوسع”. وحتى التطبيقات الضيقة، إن نجحت، يمكنها توفير نقطة انطلاق تضع الشركات في قلب سوق ناشئة جديدة، بحسب ما يقول، ما يعكس التطور المستمر لعالم التكنولوجيا.

ويقول: “تعد منصة شخص ما تطبيقا لدى شخص آخر. وقد ظهرت آثار هذا في الإنترنت الاستهلاكي، وسوف تظهر أيضا في الإنترنت الصناعي”.

وكما هي الحال في معظم التكنولوجيات الجديدة، ما يعمل على جذب الاهتمام الأكبر هو استخدامات المستهلكين لما يسمى إنترنت الأشياء. لكن التطبيقات الصناعية وتطبيقات الأعمال الأخرى من المحتمل أن ينتهي بها الحال أن تصبح سوقا أكبر بكثير.

انخفاض أسعار أجهزة الاستشعار وارتفاع الارتباط عبر الإنترنت يجعل من السهل ربط الآلات وغيرها من الأشياء بشبكة الإنترنت.

إن جمع البيانات المتناثرة التي تصدر عن جميع الأشياء المتصلة الجديدة ينبغي أن يجعل من الممكن مراقبتها بدقة أكبر، وتحسين أدائها على الوجه الأمثل والتنبؤ بالمشكلات. كما يمكن أن تدعم أيضا أفكار الأعمال الجديدة، مثل فرض رسوم على المعدات على أساس الاشتراك تبعا لمدى الاستخدام.

ويجري الآن جمع الإنترنت الصناعي من أربعة أجزاء مختلفة، كل منها جذب موجة من الاستثمارات. أحدها يشمل مليارات المنتجات والأجهزة التي سوف تكون يوما ما متصلة بالإنترنت، مع قيام شركات مثل إلكتريك إمب، وبارتكل، وآراينت، بإنشاء منصات لإدارة هذه العملية، بحسب أيزاك براون، من لوكس للبحوث.

محور التركيز الثاني هو قابلية الربط. عملت مجموعات مثل جاسبر تكنولوجيز على تجميع شبكات للتعامل مع الاتصالات بين الآلات التي ستعتمد عليها شبكة الإنترنت الصناعية.

أما المجال الثالث للاستثمار فهو في منصات البرامج التي تجمع البيانات وتتصرف كمنصة تطوير للتطبيقات. كما أن بعض الشركات تقدم أيضا خدمات ذات مستوى أعلى مثل التحليلات لفهم مضامين جميع البيانات التي يتم تجميعها.

يتألف العنصر الأخير من تطبيقات وخدمات البرامج، التي أنشئ كثير منها لصناعات بعينها.