IMLebanon

ما هي أسباب الفساد في لبنان؟

BribeCorruption
عزة الحاج حسن

عندما تتفكّك المؤسسات وتضعف هيبة الدولة وتمتد يد السلطة في فم القضاء، تغيب الشفافية ويصبح البلد بكافة قطاعاته مرتعاً للفساد والمفسدين.
ولا يبنى الفساد على هدر من هنا وسرقة من هناك فحسب بل على انصهار السلطات السياسية والأمنية والمحاسبية في قالب واحد غير قابل للفرز إلا وفق معايير طائفية وعاجز عن الإنتاج خارج إطار الزبائنية.

رواج ظاهرة الفساد في لبنان وشيوعها في الفترة الأخيرة في غالبية الملفات الاقتصادية والمعيشية، يطرح الكثير من التساؤلات حول أسباب تفجّر قضايا ينخرها الفساد منذ سنوات وحول غياب أي محاسبة فاعلة ما يفتح الباب على طبيعة النظام والتركيبة المؤسساتية في لبنان التي تحتاج الى نفضة شاملة وفق المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد، الذي التقته “المدن”، وكان الحوار الآتي:

*ما هي أسباب رواج ظاهرة الفساد في لبنان في الفترة الأخيرة؟ ولماذا التساهل بالتعامل معها؟
إن ركوب لبنان موجة الإتجاه الإقليمي والعالمي أدى الى إضعاف دور الدولة وإطلاق يد اقتصاد السوق وبموازاة غياب أي ضوابط جعل من لبنان “دولة ضعيفة”، لاسيما في ظل ضعف وتفكك المؤسسات والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في مقابل ذلك استمرت المصالح الإقتصادية الكبرى لاسيما تلك التي تستفيد من السلطة ومن غياب الرقابة فنشأ ما يسمى بالاقتصاد الزبائني من خلال تمركز المصالح الأساسية وسيطرتها على الدولة وقرارها وعلى المؤسسات والاقتصاد والسوق، وبالتالي بات لأصحاب المصالح الخاصة القدرة على صوغ القوانين بما يتناسب مع مصالحهم وبهذا الجو العام دخلت عمليات الخصخصة في كافة الدول العربية ومنها لبنان وسط غياب للرقابة والمحاسبة وهو ما يفتح باب الفساد على مصراعيه.
وعندما اندمجت المصالح الاقتصادية في لبنان بالقرار السياسي أصبحت كافة القرارات السياسية تأخذ بعين الإعتبار المصالح الاقتصادية خاصة في السنوات العشر الاخيرة عندما بات مجلس النواب عاجزا عن اتخاذ القرارات ورئاسة الجمهورية غائبة ومجلس الوزراء مبني على الصيغة التوافقية بمعنى أن مجلس الوزراء بات صورة مصغرة عن مجلس النواب وكافة الكتل النيابية ممثلة فيه وبالتالي فإن مجلس النواب والحكومة باتا سلطة واحدة، بمعنى أنه إذا كان مجلس النواب غائب لجهة التشريع وتمثيل الناس واقرار الموازنات ومراقبة اداء الحكومة فالسلطة التشريعية معطلة وتالياً السلطة التنفيذية معطلة وكذلك بالنسبة الى السلطة القضائية وتحديدا القضاء المالي يصبح من الطبيعي أن تحكم البلد فئة صغيرة من اصحاب المصالح وتتحكم بمؤسساته واجهزته ومن الطبيعي أيضاً أن تخلق فساداً وتراكمات من الفساد، لاسيما أن اصحاب القرار اعتادوا ان يتقاسموا كل المرافق العامة والصفقات والقطاعات وتوزيعها فيما بينهم.
وعندما تتضارب مصالح أصحاب القرار تظهر الأزمات وتخرج الى الواجهة وتحديداً ازمات الفساد، إذ ليس هناك من مرفق عام أو قطاع في البلد إلا وخاضع لمنطق المحاصصة بدءاً من الكهرباء مروراً بالنفايات وصولاً الى الاتصالات وكافة القطاعات الأخرى.
*كيف يمكن إقصاء أصحاب المصالح عن السلطة، وتالياً لجم الفساد؟
يكمن الفساد في طبيعة النظام الطائفي والمحاصصة فالنظام الطائفي في لبنان يقسم المجتمع عامودياً بدل من ان يكون الانقسام اجتماعي يضم الفقراء وذوي الدخل المحدود من كافة الطوائف في مواجهة الأغنياء من كافة الطوائف، ما يحصل بموجب الانقسام العامودي هو وقوف الفقراء في مواجهة انفسهم من طوائف مختلفة وكذلك الاغنياء، وبالتالي يصبح كل زعيم وصيّ على مذهب معين هو صاحب القرار بالسياسة والاقتصاد والملفات المعيشية وكافة جوانب الحياة وهو من يتحكم بكيفية توزيع الحصص والمنافع في الطائفة، من هنا يصبح من المحتم اعادة انتاج السلطة من خلال التجديد لكل زعيم طائفي في توليه الحكم لأن مصلحة المواطن باتت مرتبطة بزعيم طائفته، اضافة الى ان طبيعة السلطة اعطت الزعماء الطائفيين الصلاحيات التامة.

*هل يصعب كسر الحلقة التي تدور فيها السلطة والفساد؟
لا بد من وضع العديد من التدابير التي يمكن ان تُحدث خرقاً في الجدار اولها معركة على قانون انتخابي جديد يمكن من خلاله ان ينتج طبقة مختلطة، قد يبقي على الوضع القائم ولكن يفسح في المجال للتجديد وتدريجياً يمكن ان يستوي الوضع.
والتدبير الثاني هو ضرورة اقرار العديد من القوانين العالقة لاسيما قانون مكافحة الفساد الذي يفتح المجال امام الشفافية ومكافحة الاثراء غير المشروع وغيرها كذلك قانون الحق في الوصول الى المعلومات وهو قانون موجود في مجلس النواب، فالمواطن له الحق في معرفة ية وضع الموازنات العامة وموازنات الوزارات وكيفية إنفاقها وكافة الامور المتعلقة بالقضايا المالية المعنية بالدولة.
ومن التدابير الضرورية أيضاً للحد من فساد السلطة هو ترسيخ فصل مجلس النواب عن مجلس الوزراء وإلزام النواب على ممارسة مهامهم في مراقبة أداء الوزراء لان فكرة الحكومة التوافقية الناتجة عن التكتلات السياسية نفسها الموجودة في مجلس النواب يطيح بمفهوم فصل السلطات.
هذه العناوين هي ما يجب ان يبدأ المجتمع المدني العمل على تحقيقها وخوض المعارك من اجلها.
وهناك أيضاً أمر بالغ الاهمية هو تعزيز اللامركزية الإدارية والتخفيف من تمركز الخدمات في المدن وتهميش المناطق لأن ذلك هو ما يعزز الزبائنية والفساد اذ تصبح المناطق اكثر حاجة وارتباط بالزعماء، فالخدمات التنموية لا تمر إلا عبرهم، من هنا يصبح من الاهمية إحداث تغيير على مستوى السلطات المحلية وعلى مستوى البلديات والاقضية والمحافظات.

*ماذا عن المحاسبة والمسائلة؟
إضافة الى التدابير السابقة وأهمها هو ان يكون في لبنان أجهزة قضائية فاعلة وهنا لا بد من الاشارة الى ان القضاء اظهر قدرته في بعض القضايا في مقابل اخفاقه في البعض الاخر، لذلك أصبح من الضرورة العمل على استقلالية القضاء وهذا الامر يحتاج الى معركة عناصرها القضاة والمواطنين، ولا بد من اتخاذ تدابير فعلية في التفتيش المالي والتفتيش المركزي والنيابات العامة وغيرها من الاجهزة المحاسبية.

*في حال لم يتم كسر جدار دائرة “السلطة والفساد” ما مصير البلد؟
إن التحدي الذي فرضه تدفق اللاجئين السوريين الى لبنان الى جانب الخلل السياسي الواقع اصلا في لبنان يشكّلان برميلاً متفجراً ولكن “حسن الحظ” دفع بالدول الأوروبية الى القلق من انتقال خطر تضخم حجم اللاجئين الى أوروبا وتهديد استقرارها الداخلي فبادرت الى اتخاذ تدابير عدة تحميها من خطر اللجوء السوري، أولها اتفاق مع تركيا لضبط الحدود (وهذا الاتفاق مخالف لكافة اتفاقيات حقوق الانسان) والآخر هو بذل مجهود كبير جدا واستثنائي للمحافظة على استقرار لبنان وأمنه لينفوا بذلك اي أعذار لتوجه اللاجئين من لبنان الى اوروبا، هذا ما انقذ لبنان من الانفجار الحتمي.