IMLebanon

بلدية بيروت: استفتاء على مستقبل الحريرية؟

saad-al-hariri-beirut

 

 

كتبت صحيفة “السفير”:

قبل ساعات من الانتخابات البلدية المرتقبة في محافظتي بيروت والبقاع، خلع الجميع قفازاته. الرئيس سعد الحريري يتنقّل، ليس من منطقة الى أخرى، بل من منزل إلى آخر في العاصمة، واعداً بأن بيروت لن تغرق في النفايات بعد اليوم، ومصراً على الانتخاب «زيّ ما هي». ذلك لم يحدث حريريا من قبل، وهو يدل على منسوب القلق، ليس على المعركة البلدية فحسب، بل ربما على مستقبل الزعامة الحريرية في العاصمة ولبنان.

يخوض الحريري الانتخابات وسط زوبعة من الضغوط التي تعصف رياحها من كل حدب وصوب. مكانته في السعودية لم تعد هي نفسها، لا سياسياً ولا اقتصادياً. فالتضييق المالي على «سعودي أوجيه» لا يمكن عزله عن التطور السلبي لعلاقة الحريري بالديوان الملكي من جهة وافتقار المملكة نفسها لـ «الكاش»!

وللرياح الخارجية امتداداتها الداخلية أيضاً. يحكى الكثير عن مساع لإبراز قيادات سنية جديدة، تكسر أحادية الزعامة في الطائفة من دون أن تلغيها. حالة التململ في مؤسسات الحريري وفي صفوف «تيار المستقبل» لا تطمئن أيضاً. هنالك ما يشبه العصيان. و «زي ما هي» لم يعد شعاراً براقا بل على العكس صار الخوف من أنه «إذا بتنزلها زي ما هي بيبقى الوضع زي ما هو»، كما أورد «مستقبليون» كثر على صفحة «فايسبوك».

لم يعد سعد الحريري معجباً بتجربة «بيروت مدينتي»، كما كان قبل إعلان لائحته. أحمد قعبور لم يعد صاحب أغنية «لعيونك»، بل تحول إلى هدف للضغوط وللتهديد بلقمة عيشه في «تلفزيون المستقبل». عقلية «ولي النعمة» تفرض على كل من يعمل في مؤسسات الحريري أن يكون خاضعاً لتوجيهات «التيار الأزرق» السياسية، ولذلك ثمة من لا يتحمل موقفاً لزملاء له كتبوا على صفحاتهم الافتراضية عبارة: «بيروت مدينتي».

كل ذلك ولائحة السلطة ما تزال مرتاحة لتقدمها، لكن هذه الراحة لا تحميها من حقيقة «التقدم غير المريح». معركة وسائل التواصل الاجتماعي لا تقل زخما عن المعركة الواقعية. «لائحة البيارتة» تسعى لتحفيز الناس على الانتخاب، مستعينة بكل تقنيات التواصل المباشر وغير المباشر، وكذلك «بيروت مدينتي». لكن ثمة رقمين قرأهما الحريري جيداً، هو الناشط افتراضياً: لـ «بيروت مدينتي» أكثر من 50 ألف متابع، ولـ «لائحة البيارتة» أقل من 10 آلاف. صحيح أن ذلك ربما يعبّر عن حماسة شعبية قد لا تصرف في صندوق الاقتراع، لكن ذلك ليس، في الحسابات الحريرية، سوى تهديد إضافي يفترض الاستنفار لمواجهته، خصوصا وأن بعض استطلاعات الرأي لم تستبعد المفاجآت.

ووفق الإحصاءات التي أجريت من قبل طرفي المعركة الرئيسيين، فان الأرجحية معقودة للائحة السلطة، لكن ليس بفارق كبير. لذلك، ما يحسم المعركة هو نسبة التصويت وخصوصا المسيحي وضمانة عدم التشطيب.

في تلك الإحصاءات، تتفوق «بيروت مدينتي» في المناطق المسيحية، فيما تتفوق «لائحة البيارتة» في المناطق الإسلامية. هنالك 476 ألف ناخب في بيروت، اقترع منهم 18 في المئة فقط في العام 2010. وهنا يكمن التحدي بالنسبة لـ «بيروت مدينتي»، لأن رفع نسبة التصويت سيكون لمصلحتها، وهي تعتمد، في سبيل ذلك، بشكل رئيسي على تحفيز الناخبين الشباب، وحث هؤلاء على الاقتراع.

وإذا صحت الإشارات الإحصائية، فإنه يصبح مفهوماً ما قاله الحريري لسمير جعجع وحلفائه المسيحيين من أن حماية المناصفة هي مسؤولية مشتركة مسيحية ـ إسلامية. وهو بذلك يبدي تخوفه من احتمالات التشطيب التي إذا ما اتسعت ستؤدي حكماً إلى اختراق لائحته، بما يعنيه ذلك من كسر للزعامة أولا، ولمبدأ المناصفة الذي يفاخر بحمايته ثانيا.

لهذا، يتعامل الحريري مع المعركة في العاصمة بوصفها معركة وجودية، ستطال أضرارها، في حال الفشل، هيبة «التيار» في كل المناطق، بما يشجع على بروز محاولات جديدة لـ «التمرد» على سلطته، سواء في الشمال أو صيدا أو البقاع، ناهيك عن تداعيات ذلك على الانتخابات النيابية المقبلة، في ظل «المضارب المستقبلية» التي تنبت يوميا على ضفاف ارتباك قيادة «التيار الأزرق».

القلق من التشطيب مسيحياً، استدعى استنفاراً من كل الأحزاب المعنية. العين مفتوحة على أداء «التيار الوطني الحر» و «القوات» تحديداً. هي تجربتهما التحالفية الأولى، وهي ما تزال قراراً فوقياً لم يتضح حجم انعكاسه على قواعد الحزبين. يكثر الحديث عن تشطيب متبادل، سيستفيد منه مرشحو «مواطنون ومواطنات في دولة» أولاً، و «بيروت مدينتي» ثانياً. لشربل نحاس مكانة خاصة عند مناصري «التيار الحر»، وهو سيعتمد على هذه المكانة، تماماً كاعتماده على من بقي من «عروبيين بيارتة» خارج أسوار «المستقبل»، وعلى تأييد مناصري «حزب الله» و «حركة الشعب»، لتثبيت موقفه المبدئي «الرافض لمنطق القطيع الذي يشل الدولة ويقضي على معالمها».

ثمة في «المستقبل» من يطمئن إلى أن الرافعة السنية، بما تشكله من نسبة مقترعين تزيد عن النصف، قادرة على تعويض أي خلل في الالتزام. لكن ذلك، يتطلب أن يكون الناخب السني ملتزماً باللائحة الحريرية، ومتخطياً إحباطاته من الخيارات البلدية السابقة، منذ 1998 وحتى اليوم، والتي لم تكن على قدر ما يتمنى أهل العاصمة لمدينتهم. والأهم أن يجد من يقنعه بإجابته على سؤالين أساسيين: لماذا يصدّق وعد اليوم ويتغاضى عن نتائج وعود الأمس، ومن يضمن له أنه لن يندم مجدداً بعد أربع سنوات كما حصل في السنوات الـ 18 الماضية؟

حتى الآن، يعترف «المستقبل» بحالة التململ التي تواجه خياراته، لاسيما ما يتعلق منها بالتوزيع الطائفي للمقاعد، أو باختيار الأسماء من خارج العائلات الكبرى، أو باستمرار النزف البيروتي إلى خارج العاصمة، والذي يفاقمه قانون الإيجارات الجديد، لكنه يجزم أن هذه الحالة سرعان ما ستنتهي لحظة الانتخاب، ربطاً بحسابات تتعلق بتمسك البيارتة بالعصب الحريري.