IMLebanon

أنا مع “لائحة البيارتة” (بقلم طوني أبي نجم)

beirut

 

 

بقلم طوني ابي نجم

 

في الحياة ثمة فرق بين التمنيات، وبين ما هو ممكن. فكم بالحري في السياسة والشأن العام!

الأحد 8 أيار يتوجه أهالي بيروت لانتخاب مجلس بلدي جديد للعاصمة. والخيارات الفعلية المتاحة هي بين “لائحة البيارتة” وبين لائحة “بيروت مدينتي”، مع احترامنا للآخرين.

ما الفرق بين اللائحتين؟

“بيروت مدينتي” هي لائحة مشكلة من أشخاص محترمين كل في ميدان عمله، إنما أي منهم لم يتعاطَ الشأن العام مباشرة ليتمكن أي لبناني، أو أي بيروتي من الحكم عليه. يمكن القول إنهم أشخاص غير مجرّبين في أي موقع مسؤولية عامة. كما أن المرشحين على هذه اللائحة بأكثريتهم الساحقة لا يعرفون فعلا ما هي صلاحياتهم في حال فازوا في الانتخابات، وما يمكن لهم عمله وما لا يمكن لهم أن يفعلوه. لذلك رفعوا شعارات كبيرة بمعظمها ليست قابلة للتحقيق.

أما مكمن الخطورة لدى مجموعة “بيروت مدينتي” أنهم لا يدركون الواقع اللبناني الحالي بتقاصيله الدقيقة. لا يهتمون بموضوع المناصفة والحفاظ على التوازنات الدقيقة في وطن يغلي على فوهة براكين أزمات المنطقة.

هم، وغالباً عن حسن نية، لا يمانعون لو فاز كل أعضاء البلدية من طائفة واحدة او من مذهب واحد، لأنهم يعيشون حالة نوستالجيا غير مطابقة لواقعنا ولحقيقة أزماتنا. وإذا كان ثمة من يرغب من المرشحين بالإطاحة بالنظام الطائفي والتوازنات الطائفية والمذهبية في لبنان، فليست الانتخبات البلدية في بيروت المكان الصحيح لتحقيق هذه الأحلام الوردية. من يريد تغيير النظام الطائفي عليه أولا أن يلغي الممارسات الطائفية والأهم أن يسعى الى نظام علماني بالكامل، وليس الانطلاق من قاعدة الإطاحة بالتوازنات في مجلس بلدية بيروت، أو ربما الاستعانة بالرئيس نبيه بري لرفع شعار “إلغاء الطائفية السياسية”، وبهدف ضمني واضح هو تكريس الهيمنة المذهبية والغلبة.

في ظل الأزمات التي نعيشها وتعيشها منطقتنا، عين الحكمة تكمن في التمسّك بقوة بالتنوّع والتوازن الموجودين في نظامنا اللبناني، في انتظار التمكن من الانتقال الى نظام أفضل. أما التهوّر تحت شعارات برّاقة تخفي خلفها خفّة وعدم دراية بالشأن العام وبالواقع اللبناني، فلا يوصل سوى الى مزيد من التدهور.

في المقابل، وإن كانت “لائحة البيارتة” تتألف من مجموعة قسم منها غير متجانس، فإن التمرّس بالشأن العام لدى الغالبية فيها يطمئن إلى عدم وجود تهوّر أو مزايدات فارغة. وإذا كان البعض يسعى الى تصفية حسابات مع “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري، فإن محاربة هذه اللائحة ليست في مكانها الصحيح. وإن كان ثمة أخطاء عديدة تُسجّل على أداء “تيار المستقبل”، فإن تمسّك هذا التيّار ورئيسه بالمناصفة في مجلس بلدية بيروت كما في لبنان، إنما يشكل مادة للتنويه وليس عنواناً للقنص السياسي.

ومن يعرف كاتب هذه السطور يدرك جيداً أنني لست من المعجبين بتخاذل الرئيس الحريري في المرحلة الأخيرة أمام “حزب الله”، ولست مؤيداً لمبادرته الرئاسية العاقر، لكنني في الوقت نفسه أثمّن عالياً تمسّكه بالمناصفة وإدراكه لخطورة اللعب بالميثاق الوطني، وضرورة التمسّك بـ”الطائف”.

أنا مع “لائحة البيارتة” من دون تردّد، وضدّ التشطيب نهائياً منعاً لأي خرق، وذلك حفاظاً على لبنان التنوّع والمناصفة والعيش المشترك. وأدعو الجميع، مسيحيين ومسلمين، الى عدم الوقوع في فخّ التشطيب، والى الالتزام بروحية العيش المشترك من أجل الحفاظ على لبنان.