IMLebanon

التفاؤل يسود القطاع الصناعي السويسري رغم معضلة الفرنك القوي

Swiss-francs
سامويل جابير-موتييه

مرّ أزيد من عام على إلغاء المصرف الوطني السويسري للحد الأدنى لصرف اليورو مقابل الفرنك، ولا تزال الصناعة السويسرية تعاني من وطأة التأثير السلبي للفرنك القوي. ولكن رغم الوضع الاقتصادي الصعب والمستقبل الغامض، الكثير من الشركات الصغرى والمتوسّطة تظهر اليوم قدرة ومرونة في التكيّف مع هذا الواقع ملفتة للنظر.
موتييه، هذه المدينة الصناعية الصغيرة الساكنة في قلب جورا، هي بمثابة الرئة بالنسبة للصناعات السويسرية عالية الدقة. وكما هو الحال في كل عاميْن، احتضنت هذه المدينة واحدا من أكبر المعارض الدولية وهو معرض موارد التكنولوجيا الدقيقة (SIAMS )، الذي انتظم بين 19 و22 أبريل 2016.
موتييه كانت على موعد هذه السنة مع ما يقرب عن 440 شركة عارضة، وزوار من اكثر من 30 بلدا، وقبل كل شيء جو ودّي ومريح، في اختلاف كامل عن الأجواء التي تسود عادة معارض صناعة الساعات وما شابهها. هنا لا مكان لعارضات الأزياء أو لمظاهر الفخامة والبذخ، فكل المساحات احتلتها الآلات والتكنولوجيا الجديدة.
وفي اجنحة المعرض، معظم العارضين لا يتوارون عن الانظار: القطاع الصناعي السويسري يمرّ بواحدة من الفترات الأكثر تعقيدا في تاريخه. والسبب، الفرنك القويّ الذي يستمرّ في التأثير سلبا على الهامش المتاح للتصدير، وذلك خاصة منذ ألغى المصرف الوطني السويسري الحد الادنى لصرف اليورو مقابل الفرنك.

تراجع سعر صرف اليورو مقابل الفرنك السويسري بدءً من عام 8002

تراجعت قيمة العملة الأوروبية منذ عام 8002. ولمنع ارتفاع مبالغ فيه لقيمة الفرنك، قرر المصرف الوطني السويسري منذ سبتمبر 1102 بألا ينزل سعر صرف اليورو مقابل الفرنك عن 02.1، لكن تم التخلّي عن هذا الإجراء يوم الخميس 51 يناير 5102. ويظهر هذا الرسم البياني أنه بعد ان كان الفرنك يعادل 06.1 في عام 7002، فإن العملتيْن اليوم لهما نفس القيمة تقريبا.

إلى ذلك، تنضاف مشاكل النمو في الصين، والتي تؤثّر بشكل خاص على صناعة الساعات. هذا في الوقت الذي يحتاج فيه قطاع صناعة الأجهزة الآلية إلى شركات الساعات وإلى السوق المحلية عموما من أجل تنشيط أعماله، والتي شهدت تراجعا في العام الماضي بنحو 7%.

فقاعة من التفاؤل

رغم هذه الشكاوى، تهبّ مع ذلك رياح التفاؤل على معرض موارد التكنولوجيا الدقيقة، وهو ما أكّده مدير المعرض إيف كوهلر: “لا يزال الوضع متوتّرا جدا بالنسبة للعديد من الشركات، ولكنّني أنا مندهش من مناخ الثقة الذي ساد خلال أيام المعرض. ومنذ إلغاء الحد الادنى لصرف اليورو، بذلت الشركات جهودا كبيرة لخفض التكاليف وتحسين الإنتاجية، ولا سيما من خلال إعادة النظر في عملية الإنتاج بأكملها. واليوم تأتي بأفكار جديدة، ونحن على استعداد لبذل ما هو ممكن لمواجهة المنافسة الدولية”.
بالنسبة للعديد من رجال الأعمال الناشطين في المنطقة، هذه المرحلة الصعبة تجبر أصحاب المشاريع على ان يكون أكثر إبداعا وابتكارا من المعتاد، وعلى الخصوص ألا يركنوا إلى الواقع. وهكذا يعتقد جيلبير هورش، مدير الغرفة التجارية بمنطقة بيل- سيلاند: “لقد اعتادت صناعة التكنولوجيات الدقيقة بمنطقة الجورا في العيش على إيقاع التقلبات الدورية والازمات. وهذه الازمات هي بالضبط التي سمحت لها بالحفاظ على ميزة الإبتكار”.
هذا الانطباع نجده أيضا لدى بوزاليكس، شركة عائلية تنشط بالمنطقة وتشغّل 125 عاملا، وعرضت في موتييه تقنية جديدة متناهية الصغر في مجال استخدام الزجاج. ويقول ماركو نادالين، المسؤول عن تطوير الأعمال لدى هذه الشركة: “في هذا السياق الذي يخيم عليه الفرنك القوي، من المهم جدا طرح منتجات جديدة، ومن الإنفتاح على أسواق غير معروفة من قبل. وقوّة وتميّز أي شركة صغرى او متوسّطة مثل شركتنا نحن هو بالتحديد في قدرتها على تلبية احتياجات متخصصة مع توفير انتاج صناعي واسع النطاق بما فيه الكفاية”.
ورغم أن هذه التكنولوجيا المتخصصة قد تم تطويرها من خلال التعاون مع جامعة كندية، فإن ذلك لا يمنع ماركو نادالين من التأكيد على أن “المحددات الإطارية العامة في مجال الإبتكار تظل فريدة من نوعها في سويسرا”. الشراكة بين الجامعات والمدارس العليا، ومعاهد البحوث والقطاع الصناعي، وكذلك الدعم المالي الذي تمنحه الكنفدرالية من خلال لجنة التقنية والإبتكار (CTI) وجميع هذه الأدوات يمكن أن تساعد الشركات الصغرى والمتوسطة للمضي قدما رغم خفضها للموارد المخصصة للبحوث والتطوير.

التكيف مع متطلبات العملاء

علاوة على ذلك، لا تكتفي العديد من الشركات بإنتاج وبيع منتجات ذات قيمة عالية في الأسواق الدولية، إذ أوضح باتريك هيغيلي، نائب مدير شركة فيلّيمين – ماكودال، والتي تشغّل أكثر من 250 يد عاملة في كانتون جورا “نحن نقدّم اليوم مجموعة من الخدمات الإضافية، والتي تمتد من إدارة التدفقات إلى إدماج أجهزتنا الآلية في أنظمة المعلوماتية لدى حرفائنا”.
التكيّف على نحو متزايد مع احتياجات العملاء هو أيضا نقطة القوة التي تراهن عليها مجموعة أل أن أس، الشركة الرائدة عالميا في مجال الأجهزة الآلية، والتي يوجد مقرّها في أورفين، في كانتون برن، والتي تمتلك تسعة مراكز انتاج موزّعة في العالم.
ولكن رغم فقاعة التفاؤل، لا تزال هذه الشركة، ومثل العديد من المؤسسات الأخرى في المنطقة، تقف على رمال متحرّكة. ويؤكّد جيلبير ليل، مدير هذه الشركة بأن “الآفاق الإقتصادية تبدو أفضل إلى حد ما منذ بداية هذه العام، ولكن المستقبل يظل غامضا إلى حد كبير. فالطلبيات كثيرة في أفق الأسابيع القادمة، اما أبعد من ذلك، فلا نعرف بالضبط ما الذي ينتظرنا”.
وقد اضطرّت هذه المجموعة إلى التخلّي عن 10% من موظفيها في سويسرا في العام الماضين واعادت تكييف هيكليتها في مجال الإنتاج، والتدابير التي أتخذت والمتمثلة في زيادة وقت العمل من دون ترفيع الأجور لا تزال سارية المفعول حتى الآن.

الأثر النفسي للفرنك القوي

بالنسبة لشركة تورنوس المصنّعة للأجهزة الآلية، والمشغّل الاكبر في مدينة موتييه، تم تحديد الأضرار في عام 2015 بشكل جيّد، إذ لم يتراجع رقم المبيعات إلا بنسبة 6.7% مع ذلك “لا يزال الوضع هشا وغير مستقر بالمرة”، على حد قول كارلوس باراديس، المسؤول عن التطوير والتسويق في هذه الشركة، والذي يضيف بأن “الإقبال على منتجاتنا والحاجة إليها لا تزال قائمة، ولكن نظرا إلى أن المستقبل غامض، فإن عملائنا يظلون مترددين في الإستثمار في الأجهزة الجديدة”.
هذه هي المفارقة القائمة الآن. فالمنتجات السويسرية عالية الجودة، بما في ذلك تلك التي لا يكون التوجّه فيها مباشرة للمستهلك الاخير، ولا تزال توجد إقبالا في الخارج، ولكن الكثير من المشترين يترددون في اقتناء تلك المنتجات. وأوضح ماركو نادالين أنه “لا يجب التهوين من تأثير العامل النفسي. في أذهان الناس المنتجات السويسرية أصبحت بين عشية وضحاها أشدّ غلاءً. بينما في الواقع نحن أعدنا النظر في أسعارنا وكيّفناها مع الواقع الجديد حتى لا يكون هناك أي اختلاف عما كان عليه الوضع قبل إلغاء الحد الأدنى لصرف اليورو. ولكن لابد من المزيد من الجهد في المجال التواصلي لكي تصل الرسالة إلى الحرفاء في الداخل والخارج”.