IMLebanon

سوق إلكتروني للفنون في المنطقة العربية

أطلقت ريا مع والدتها مي معمارباشي سوقا الكترونيا يسمى Artscoops
أطلقت ريا مع والدتها مي معمارباشي سوقا الكترونيا يسمى Artscoops

صامويل ويندل

قبل 3 أعوام، فرحت ريا معمارباشي عندما كلفتها أمها مي معمارباشي بتنظيم مزاد فني لصالح أطفال سوريين لاجئين في لبنان. كسوريتين من مدينة حلب، اكتسب الأمر بالنسبة إليهما أهمية خاصة.

معمارباشي، عضو في مجلس إدارة (Kayany Foundation) في بيروت، وهي تقدم العون لآلاف الأطفال السوريين الذين تقطعت بهم السبل في البلاد. في خريف عام 2013، طلبت من فنانين التبرع ببعض أعمالهم. إلى جانب مزاد علني في مركز (بيروت الدولي للمعارض والترفيه)، عرضت (مؤسسة كياني) ما يفوق 100 قطعة على موقع (Paddle8)، وهي دار مزادات إلكترونية عمرها 5 أعوام، ومقرها مدينة نيويورك.

جمع المزاد 1.1 مليون دولار، وأثار المبلغ الإعجاب، لكن ما أدهش ريا هو أن نصف المبلغ تقريباً يأتي من مشتريات جرت عبر شبكة الإنترنت. تقول ريا: “كنت جالسة في منتصف المزاد أرى الكثير من الحاضرين يشترون المعروضات عبر الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت. اعتقدت أن في الأمر سراً ما”.

نعم في الأمر سر. يتنامى الاهتمام بفن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأعوام الأخيرة، إقليمياً ودولياً. رأت دار مزادات (Christie’s) الأمريكية تضاعف المبيعات في مدينة دبي بين عامي 2012 و2014 لتصل إلى 29.6 مليون دولار. أثناء موسم الفن في ربيع عام 2015، وصلت مبيعات الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة من الشرق الأوسط إلى 14.7 مليون دولار، أي ارتفاع بنسبة %71.4 عن ربيع عام 2014 حسب شركة أبحاث السوق (ArtTactic).

افتتحت (Christie’s) ومنافستها (Sotheby’s) فروعاً في عامي 2005 و2008 في مدينتي دبي والدوحة على التوالي. تفاخر المنطقة أيضاً بصالات عرض الفنون المعاصرة الشهيرة على مستوى العالم، مثل صالة عرض (Sfeir-Semler) في مدينة بيروت، و(The Third Line) في مدينة دبي، و(Athr) في المملكة العربية السعودية.

لاتزال صالات عروض الفنون الجيدة قليلة في المنطقة، ومتفاوتة. تقول نايلة حدشيتي من (Creative Bridge Fund) الخاص، والذي يعود إلى تجار أعمال فنية يركزون على الفنون الشرق أوسطية، ومقره مدينة نيويورك: “مؤسسات الأعمال الفنية الكبرى لاتزال قليلة في المنطقة، أو في مرحلة الافتتاح”.

في الوقت ذاته، برزت صالات العروض الإلكترونية مثل (Artsy) و(Artspace)، لتمكن الفنانين من توسيع آفاقهم حول العالم. في عام 2014، باع التجار عبر شبكة الإنترنت أعمالاً فنية تقدر بـــ3.7 مليار دولار، مقارنة بـــ2.8 مليار دولار عام 2013، حسب مؤسسة (European Fine Art Foundation).

باستثناء عقد (كريستيز دبي) لمزادات إلكترونية موسمية، لم تبع أية جهة أعمالاً فنية من الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا عبر شبكة الإنترنت. تقول ريا، 38 عاماً: “فكرت في امتلاك شيء لسوقنا الإقليمي”.

في يناير/ كانون الثاني عام 2014، أطلقت مع والدتها سوقاً إلكترونياً يسمى (Artscoops)، ومقره مدينة بيروت، لتقديم الفنون الشرق أوسطية الحديثة والمعاصرة إلى جيل جديد من المستهلكين. بدأ موقعهما الإلكتروني العمل في شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2014، ليقدم لهواة الفن تشكيلة تتألف مما يزيد على 400 لوحة فنية، وصورة فوتوغرافية، ومنحوتة، ولوحة لفنون خط اليد لبعض الفنانين المعروفين. عرض (Artscoops) أعمالاً فنية متميزة من فرهاد مشيري، وأيمن بعلبكي، وصفوان داحول، وشفيق عبود، وبول غيراغوسيان.

أتمت (Artscoops) أول عملية بيع لها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، وباعت في العام الماضي نحو 65 قطعة تتراوح أسعارها بين 500 دولار و50 ألف دولار. بلغ معدل سعر المشتريات 10 آلاف دولار.

ما ساعد آل معمارباشي هو درايتهم العميقة بعالم الفن. مي التي عاشت في مدينة لندن حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث أنجبت ريا، بدأت بجمع الأعمال الفنية السورية المعاصرة قبل 20 عاماً، عندما عادت إلى مدينة دمشق.

هي حاصلة على درجة الماجستير في الفنون الإسلامية من مدرسة (الدراسات الشرقية والأفريقية) التابعة لــجامعة (لندن). حتى عام 2007، امتلكت (بيت المملوكة)، وهو منزل دمشقي يعود إلى القرن الـــ17، حولته إلى فندق فخم. كما أدارت وكالة سفر صغيرة في العاصمة السورية، لخدمة الأعداد المتزايدة من السياح القادمين إلى الشرق. أجبرتها الحرب على بيعها عام 2011، والانتقال إلى مدينة بيروت عام 2012، حيث ساعدت في تأسيس متجر مجوهرات فاخر.

تخصصت ريا في مجالي الإدارة واللغة الإسبانية في جامعة (St. Andrews)، قبل الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (University of Reading) عام 2008. بعد تخرجها عملت في وظيفة في مجال الإعلان، وانتقلت إلى مدينة بيروت للعمل في (Publicis Graphics).

في عام 2013، استثمرت في شركة سياحة وسفر إلكترونية مقرها مدينة برلين، وعملت فيها مستشارة تسويق.

تركت عملها في شهر مارس/ آذار من عام 2014 لتصب تركيزها على الشركة الناشئة. تقول ريا: “أدركت أنني لا أستطيع أن أكون رائدة أعمال بدوام جزئي”. ضخت هي ووالدتها فيها 150 ألف دولار من أموالهما الخاصة.

تـقول مي، 62 عاماً: “عندما اهتدت ريا للفكرة التي أدركت أنها رائعة، وتنقص الشرق الأوسط، لم أرَ مانعاً من مساعدتها”.

كونت أسواق الأعمال الفنية الإلكترونية مثل (Artsy) شراكات مع صالات العروض، الأمر الذي مكنها من الوصول إلى فنانين شهيرين. بالمقابل، وسعت صالات العروض نطاق أعمالها، وكانت تدفع لـــ(Artsy) في البداية عمولة تبلغ %3 عن كل عملية بيع. “تستوفي (Artsy) أيضاً رسوم اشتراك شهرية من صالات العروض).

لتأسيس موقع إلكتروني يستحوذ على اهتمام جامعي الأعمال الفنية، تعين على آل معمارباشي عرض أعمال فنية تعود إلى فنانين معاصرين معروفين، فسارتا على نهج (Artsy) في عقد الشراكات مع صالات العروض، بدلاً من تمثيل الفنانين، بهدف تجنب تضارب المصالح. تقول ريا: “أصور نفسي على أنني أقدم خدمة تكميلية لهم”.

لجعل تجربة العملاء مفيدة وجذابة، تخصص (Artscoops) قسماً من موقعها الإلكتروني لمقابلات الفنانين، وسيرهم الذاتية.

استفادت مي من علاقاتها الواسعة بالفنانين وصالات العروض، ليعقد آل معمارباشي أولى شراكاتهم في أبريل/ نيسان 2014 مع صالة عرض للتصميم والفن المعاصر تدعى (Art Factum)، ومقرها مدينة بيروت، تبعها عقد شراكة مع (غاليري مارك هاشم)؛ تاجر أعمال فنية متمرس، ويمتلك صالات عرض في مدن باريس، ونيويورك، وبيروت، ويعرض أعمالاً لــسامر محداد، ومنى طراد دبجي، وأحمد معلا، وصبحان آدم وغيرهم.

يقول مارك هاشم الذي أقنعه العملاء صغار السن الذين يشترون قطعاً مرتفعة الثمن عبر شبكة الإنترنت بعقد شراكة مع (Artscoops): “يسرني الانتقال إلى السوق الإلكتروني. أنا اعتبر ذلك تقدماً كبيراً في المفهوم التقليدي لتجارة الأعمال الفنية”.

تتقاسم (Artscoops) إيراداتها مع صالات العروض. تستوفي %20 كعمولة عن البيع، بينما تعتمد حصص الصالات على عقودها المبرمة مع الفنانين. تقول ريا: “يرون أنهم يربحون في كل الأحوال، بما أنهم لا يدفعون المال مقابل المشاركة”.

تعمل الشركة الناشئة حالياً مع 27 صالة عرض من لبنان، والأردن، ومدينة رام الله، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا. تلبي (Artscoops) حاجات مجموعتين من العملاء بصورة رئيسية، وهم جامعو الأعمال الفنية الجادين، والذين تتراوح أعمارهم بين 45 و55 عاماً، ويشترون قطعاً تساوي 5 آلاف دولار فأكثر، وعملاء تتراوح أعمارهم بين 30 و35 عاماً، يزينون منازلهم، ويتطلعون إلى شراء قطع تقل عن 2000 دولار. معظم العملاء من دولة الإمارات العربية المتحدة، تتبعها المملكة المتحدة، ثم دولة قطر، ثم المملكة العربية السعودية.

لتسهيل عمليات المدفوعات عبر (PayPal) غير المتوفرة في لبنان، يُستضاف موقع (Artscoops) الإلكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مسجل في المملكة المتحدة. للصفقات التي تتجاوز 2000 دولار، يفضل العملاء تسديد مدفوعاتهم عبر الحوالات البرقية، كما تقبل (Artscoops) الشيكات.

في شهر يوليو/ تموز الماضي، بحث آل معمارباشي عن استثمار خارجي للمرة الأولى. لجأوا الى أسلوب التمويل الجماعي، وجمعوا 130 ألف دولار خلال 5 شهور عبر (Eureeca) من 49 مستثمراً. بالمقابل، تخلوا عن حصة بمقدار %15 في (Artscoops). إنهم بصدد استخدام الأموال في إضافة خاصية مزاد إلكتروني، وتطبيق هواتف ذكية، وتسجيلات فيديو ترويجية، من المقرر لها أن تعمل في شهر سبتمبر/ أيلول 2016. هم يفكرون كذلك في فرض رسوم اشتراك بسيطة على صالات العروض.

لم تعد (Artscoops) السوق الإلكترونية الوحيدة المختصة في الفنون الشرق أوسطية. الشركة الناشئة (Emergeast) التي تتخذ من مدينة دبي مقراً لها، تأسست بعد شهور من انطلاق (Artscoops)، وتركز على الفنانين الإقليميين الذين يتوقع لهم النجاح. في العام الماضي، بدأت (Pavilion 33) من دولة الإمارات العربية المتحدة، بعرض أعمال فنية أفريقية وشرق أوسطية. تتراوح الأسعار بين 500 و15 ألف دولار. ريا معمارباشي ليست قلقة، طالما أن السوق لايزال حديث العهد. تقول (حدشيتي): “اعتقد أن أداء السوق الإلكتروني في المنطقة سيكون جيداً، لأن هنالك متسعاً لنمو عالم الفن في منطقة الشرق الأوسط”. يتعين على (Artscoops) الآن أن تتعامل مع كساد وازدهار سوق يتأثر تأثراً كبيراً بالاقتصاد.