IMLebanon

الأسباب الخفية لوقف إصدار الورقة النقدية من فئة 500 يورو

500euros

سلام سرحان

بعد جدل طويل قرر البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي وقف إصدار الورقة النقدية من فئة 500 يورو. وكما كان متوقعا، أرجع أعضاء مجلس محافظي البنك السبب إلى سمعتها السيئة كخيار مفضل للمعاملات المالية النقدية غير القانونية.
ولم يذهب المركزي الأوروبي إلى الخطوة الحاسمة بسحب العملة من الأسواق بسبب المعارضة الشعبية الواسعة، وقرر بقاء المطروح منها في التداول كوسيلة دفع قانونية إلى أجل غير مسمى.

واتفق المجلس على أن يبدأ تطبيق هذه الخطوة “نحو أواخر عام 2018” وذلك عندما يتم الانتهاء من إعادة تصميم ورقتي اليورو من فئة 100 و200 وطرحهما للتداول.

ويتهم البنك تلك الورقة، بأنها تستخدم في تمويل الإرهاب والأنشطة غير الشرعية بسبب سهولة حمل مبالغ كبيرة منها وتهريبها عبر الحدود، باعتبارها أكبر فئة نقدية في العالم، لكن المحللين يجمعون على أن ذلك ليس السبب الرئيسي. ويعدّ تداول العملة خارج الاقتصاد الرسمي، من أبرز الانتقادات التي توجهها البنوك، خاصة في ظل أسعار الفائدة السلبية على الودائع، التي يفرضها البنك المركزي الأوروبي، وكذلك البنكين المركزيين في سويسرا والسويد.

ويحاول البنك المركزي والسلطات المالية تضييق الخناق على الانشطة التي لا تخضع للضرائب والرقابة الحكومية.

وتزايدت في الأعوام الماضية جاذبية هذه الفئة، التي تعادل اليوم نحو 570 دولارا، بالنسبة لكثير من الأوروبيين لحفظ مدخراتهم في ظل أسعار الفائدة السلبية التي يمكن أن تتفاقم في الفترة المقبلة بسبب انكماش التضخم بمنطقة اليورو في أبريل الماضي بنسبة 0.2 بالمئة.

ويمكن لاستمرار انكماش الأسعار أن يسقط الاقتصاد الأوروبي في دوامة انكماش يصعب الإفلات منها، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة لإخراج الاقتصاد من الركود.

وتؤدي أسعار الفائدة السلبية إلى إبقاء هذه الفئة النقدية بعيدة عن البنوك والسلطات المالية، لتصبح أداة مالية للمحافظة على قيمة المدخرات، تفوق في جاذبيتها السندات الحكومية لأنها بلا أجل استحقاق محدد.

ويخشى المسؤولون الماليون من اتساع الاقتصاد غير الرسمي، لأن هذه الفئة، التي يبلغ عدد المطروح منها نحو 3 بالمئة من الفئات النقدية، لكن قيمتها تصل إلى 30 بالمئة من الكتلة النقدية في منطقة اليورو، أي ما يصل إلى 300 مليار دولار.

وتبلغ أسعار الفائدة الأساسية في منطقة اليورو صفر بالمئة، لكن المركزي الأوروبي يفرض حاليا فائدة سلبية على ودائع البنوك بنسبة 0.4 بالمئة، في محاولة لتشجيع البنوك على إقراض أموالها لتحفيز الاقتصاد بدل إيداعها لدى البنك المركزي.

ويسعى البنك المركزي الأوروبي من خلال سياسة مفرطة في التيسير، إلى زيادة أسعار المستهلك ورفع معدلات التضخم إلى المعدل السنوي المستهدف قرب حاجز 2 بالمئة، وهو هدف يبدو بعيد المنال، في ظل انكماش التضخم في اليابان واقترابه من الصفر في معظم الكتل الاقتصادية الكبرى.

وكان رئيس البنك ماريو دراغي قد أثار مؤخرا احتمال طرح حزمة جديدة من إجراءات التحفيز النقدي من أجل دعم التضخم والنمو الاقتصادي. وتخشى الحكومات أيضا من اتساع الاقتصاد غير الرسمي، الذي يؤدي إلى تراجع عوائدها الضريبية، في ظل تزايد جيوش العاطلين عن العمل، الذين يطلبون الإعانات الاجتماعية وتهرب الشركات من دفع الضرائب بالرحيل إلى الملاذات الضريبية.

وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي قد أشار منذ فبراير الماضي إلى خطط البنك لاتخاذ هذا الإجراء، عندما قال إن هناك “قتناعة سائدة ومتزايدة في أوساط الرأي العام بأن الأوراق النقدية ذات الفئات المرتفعة تستخدم لأغراض جنائية”.

وتساعد الفئات النقدية الكبيرة على تسهيل الأمور للأشخاص الذين في حاجة إلى نقل مبالغ كبيرة من الأموال دون المرور بالقنوات الرسمية، مثل أعضاء المافيا والذين يقومون بغسل الأموال والإرهابيين.

وبسبب هذه الاعتبارات، تم منع تداول الورقة من فئة 500 جنيه استرليني في بريطانيا عام 2010. كما تم إيقاف تداول فئة 1000 دولار في كندا منذ 10 أعوام، في حين أن أعلى فئة في الولايات المتحدة هي 100 دولار .

وكانت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) قد أصدرت تقريرا العام الماضي تحت عنوان “النقد مازال الملك”، أشارت فيه إلى أن وسائل تبييض الأموال “مازالت تقليدية بنسبة كبيرة وأن الأموال السائلة مازالت “واحدة من الوسائل المفضلة لتبييض عائدات الجريمة”.

ورغم أنه من الصعب تقدير حجم الأموال التي يجري تبييضها، فإن التقديرات المتحفظة للغاية واعتمادا على سجلات يوروبول التي تشير إلى رصد أو مصادرة نحو 1.5 مليار يورو نقدا من جانب السلطات المعنية في دول الاتحاد الأوروبي سنويا لارتباطها بأنشطة تبييض الأموال.

ولم يشر الجدل إلى وجود مخاوف من تزوير هذه الفئة، لأن قيمتها الكبيرة تفرض تدقيقا كبيرا عند تداولها، وتشير السلطات الجنائية الألمائية إلى أن فئة 50 يورو هي الأكثر تزويرا في العام الماضي.