IMLebanon

أخطاء “المستقبل” و”القوات” في انتخابات بيروت (بقلم طوني أبي نجم)

saad-hariri-elections

 

بقلم طوني أبي نجم

بدا للوهلة الأولى وكأن نتائج الانتخابات البلدية في بيروت تمكّنت من تدمير ما لم يستطيع ترشيحا سليمان فرنجية وميشال عون أن يفعلاه في بنيان 14 آذار السياسي.

بدا للوهلة الأولى وكأن نتائج انتخابات بلدية بيروت أتت في سياق منعزل عن كل ما سبقها بدءًا من 7 أيار 2008 وصولاً الى 8 أيار 2016!

وبدا للوهلة الأولى وكأن الأحزاب السياسية المعنية بشكل مباشر، وفي طليعتها “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، وكأنها تاتي من كوكب آخر ولا علاقة لها بنبض الشارع وبتوجهات الرأي العام، وبالتحوّل الكبير الذي بدأ يظهر الى العلن بشكل سافر على الأقل في الأشهر الأخيرة.

لا ليست نتائج انتخابات بلدية بيروت مفاجئة. لا بل كانت ستكون صادمة لو أن النسبة الضئيلة من أهل بيروت التي توجّهت إلى صناديق الاقتراع صوّتت بعكس ما فعلت. وأسوأ ما يجري منذ لحظة إقفال صناديق الاقتراع هو مكابرة كل من “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” ورفضهما القيام بفعل تواضع، والذهاب الى قراءة عميقة لطبيعة التصويت الذي شهدناه في بيروت وأسبابه وخلفياته.

وإنطلاقاً من الحرص على الطرفين اللذين شكّلا في يوم من الأيام أهم أساسين لـ”انتفاضة الاستقلال”، نجد لزاماً علينا أن نصارحهما بالآتي:

ـ أولاً وفي السياسة:

ـ هل كان ينتظر “تيار المستقبل” نتيجة أفضل في عقر داره في الدائرة الثالثة لبيروت (27 ألف صوت فقط للائحة “البيارتة” مقابل 17 الف صوت للائحة “بيروت مدينتي”) بعد غياب 5 سنوات في الخارج للرئيس سعد الحريري، تخللها اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن والوزير الشهيد محمد شطح وانبطاح من التيار الأزرق أمام “حزب الله” ومشاركته في حكومة يسيطر عليها عملياً الحاج وفيق صفا وتغطي قتال الحزب في سوريا ولا تحاسب الحزب على إساءاته الى المملكة العربية السعودية وتستمرّ بالحوار معه وكأن شيئاً لم يكن؟ وهل كان ينتظر نتيجة أفضل بعد مبادرة الحريري بترشيح “أخ بشار الأسد” سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وبعد الحرب العنيفة التي يشنها على اللواء أشرف ريفي فقط لأنه بقي على مبادئه ورفض منطق المساومات؟

ـ وهل كان ينتظر “تيار المستقبل” نتيجة أفضل في الدائرة الأولى من جمهور “القوات” بعد ترشيح سليمان فرنجية وإظهار كل الحماسة له، وبعد سلسلة المقايضات التي قام ويقوم بها الحريري من الـ”سين- سين” وصولاً الى ترشيح فرنجية، وبعد محاربة “القوات” في آخر انتخابات نيابية في الـ2009 لمنعها من أن يكون لها نائب واحد في الأشرفية هو الدكتور ريشار قيومجيان والإصرار على الإبقاء على النائب سيرج طوركيسيان؟ ولماذا لم يكن العتب لطورسركيسيان وللوزير ميشال فرعون نائب المنطقة منذ الـ1992 وللنائبة في كتلة “لبنان أولا” نايلة تويني؟

ـ في السياسة أيضاً هل كانت تنتظر “القوات اللبنانية” نتيجة أفضل بعد التحالف مع “التيار الوطني الحر” من دون أي أساس سياسي؟ ماذا أضاف التحالف مع العونيين بالنسبة الى “القوات” انتخابياً بالأرقام؟ التيار البرتقالي لم يضف في الانتخابات البلدية في الأشرفية وزحلة أي شيء، وفي المقابل بقي في السياسة على مواقفه المؤيدة لبشار الأسد ولسلاح “حزب الله” على حساب السيادة اللبنانية، وبعد اعتبار العماد ميشال عون بعد أيام على “مصالحة معراب” أن البنود العشرة التي تمّ التوقيع عليها موجودة في “معاهدة الإخوة والتعاون والتنسيق” مع النظام السوري، وبعد رفض الوزير الخارجية جبران باسيل التضامن مع السعودية، وبعد إعلانه قبل أسابيع أن على جميع اللبنانيين أن يشكروا “حزب الله” على “شهدائه” الذين يقدمهم في سوريا؟ وأليس غريباً أن يسارع “التيار الوطني الحر” الى التحالف مع “القوات” بلدياً حيث هو الأضعف في زحلة وفي بيروت، في حين يواجهها في معارك حامية حيث يعابر نفسه الأقوى في جونية والحدت وغيرها؟ أما الإدعاء بانتصار في زحلة للتحالف المسيحي، فشباب زحلة يعرفون تماماً أن “القوات” هي العمود الفقري للانتصار في ظل وجود شبه رمزي للعونيين! وفي السياسة هل تشبه لائحة “البيارتة” بتناقضاتها السياسية كل مواقف “القوات” وثباتها ومقاطعتها الحوار الوطني ورفضها المشاركة في الحكومة الأخيرة؟ ألم يكن الأجدر بها أن تنسجم سياسياً مع نفسها فتمتنع عن المشاركة في لائحة “البيارتة” الهجينة؟

ثانياً على الصعيد الإنمائي والخدماتي:

ـ ماذا كان ينتظر “تيار المستقبل” أفضل من هذا التصويت في ظل العجز المالي الذي يعانيه والتأخر في دفع رواتب موظفيه ووقف كل مساعداته الاجتماعية والطبية؟ وماذا كان ينتظر من أهل بيروت الذين انتظروا الفرصة الأولى لمحاسبة المجلس البلدي السابق الفاشل والعاجز والذي أغرقهم بالنفايات لأكثر من 8 أشهر رغم وجود أكثر من 850 مليون دولار في خزينته؟ وماذا ينتظر في ظل الحديث عن صفقات وسمسرات بدءًا من ملف الكاميرات وصولاً الى فضيحة أراضي الرملة البيضاء؟

ـ وماذا كانت تنتظر “القوات اللبنانية” في ظل مراقبة الجمهور المسيحي لكل الفضائح في المرحلة الأخيرة؟ وكيف يمكن للمسيحيين أن يغضوا النظر عن كل ما سمعوه وشاهدوه؟ وهل يُعقل أن يقول رئيس “القوات” قبل أيام من الانتخابات إن المحاسبة تكون بعد 6 سنوات في حين أراد الرأي العام المحاسبة اليوم في هذه الانتخابات على الأداء السابق وعدم انتظار 6 سنوات إضافية؟! وماذا كانت تنتظر “القوات” مسيحياً حين غضّت النظر عن المفاوضات الكارثية التي حصلت على لوائح المخاتير بإدارة الوزير ميشال فرعون، وسمحت بإقصاء عدد من المخاتير الذين يمثلون شريحة كبيرة لمصلحة مخاتير عونيين؟ وماذا كانت تنتظر بعد هذا الأداء الذي بسببه دعت مجموعة من أهل الأشرفية الى المقاطعة، ومن بينهم أنطون الصحناوي الذي يمثل عصباً أساسياً مقرّباً من “القوات” وصاحب أكبر قدر من الخدمات الاجتماعية في الأشرفية؟

لا يمكننا أن نختصر في سطور تراكمات سنين. الثابت أن ما حصل يجب أن يشكل درساً للجميع يستخلصون منه العِبر إذا أرادوا فعلاً أن يتعظوا قبل الوصول الى أي استحقاق جديد. فتصويت أهل بيروت، المسيحيين كما السُنّة، جاء تصويتاً اعتراضياً على نهج كامل. ويقيناً أنه إن لم يتم إصلاح الأخطاء بعد تقييم ما حصل بتواضع كبير من الجميع، فليس المناصفة في بيروت ستكون في خطر، بل إن الخطر سيتهدّد عندها جوهر لبنان ومفهوم العيش المشترك بحد ذاتها بعد حملة التخوين الشاملة والمتبادلة التي تابعناها على أساس طائفي بغيض، فندمّر تضحيات 10 سنوات من النضال والدماء المشتركة للبنانيين التي شكّل استشهاد الرئيس رفيق الحريري عنواناً لها!