IMLebanon

جبهات الحريري وخياراته (بقلم هيثم الطبش)

saad-hariri-2

 

كتب هيثم الطبش:

إنتهت الانتخابات البلدية في بيروت… في حضرة السياسة لا مكان للحديث عن الإنماء إلا في برامج المرشحين، وفي خلاصات الصناديق البحث لا يقتصر على فائز وخاسر بقدر ما يتركز على معرفة الحليف الحقيقي من الخصم. نتائج هذه الانتخابات وبقدر ما كانت مرآة تعكس بداية وعي مدني اجتماعي راغب في كسر طوق التبعية السياسية، إلا أنها في مكان ما تؤشر إلى رسم خريطة تحالفات جديدة ونعي مرحلة من تاريخ لبنان المعاصر.

فكلام الرئيس سعد الحريري في ما خص تصويت “بعض الحلفاء” واضح والرجل لا يخفي انزعاجه مما جرى ويعتبره غير مشرف للعمل السياسي والانتخابي، وهذا كلام حق. وبغض النظر عما جرى وأسبابه وعن الصحيح منه أو الافتراء، فإن حصول أمر من هذا القبيل لا يجب أن يكون مستغرباً.

فلائحة “البيارتة” ضمت في صفوفها تحالف المتناقضات، منها أن علاقة “التيار الوطني الحر” مع “تيار المستقبل” مكسورة بشكل شبه نهائي وعلاقة بيت الوسط بمعراب لا تكاد تخرج من مطب حتى تقع في غيره ومهما كانت سهرات العشاء والأحاديث ودية بين الرئيس الحريري والدكنور سمير جعجع إلا أن ذلك كله ليس كافياً لردم الهوة.

وعلى المنوال نفسه تسير علاقة الحريري بالنائب وليد جنبلاط الذي يوافق في اتفاق سياسي وينقضه على “تويتر” من جهة، ويفتح المعارك الجانبية مع شخصيات محسوبة على “المستقبل” كالوزير نهاد المشنوق وعبد المنعم يوسف من جهة ثانية.

هذه العلاقات المأزومة بين كل الذين كانوا يوماً مجتمعين في ثورة استبشر فيها اللبنانيون خيراً وسُميت “14 آذار” ستفرض على الجميع إعادة النظر في المواقف وترتيب تموضعات جديدة. وإذا كانت مظلة تفاهم معراب المكان الطبيعي لتحالفات القوى المسيحية، فإن للنائب جنبلاط ثابتة واحدة هي تحالفه مع الرئيس نبيه بري، الذي لم يكن مناصروه خارج مضبطة الاتهام إذ أظهرت الأرقام أن نحو 50 في المئة من الذين شاركوا إنتخاباً من بينهم منحوا أصواتهم لـ”بيروت مدينتي”، أما الرئيس الحريري فيبدو اليوم باحثاً عن تكوين تحالف جديد.

من خارج التحالف مع قوى السلطة واجه “تيار المستقبل” خصمين شرسين الأول هو “بيروت مدينتي” التي نجحت في إثبات ذاتها كقوة فاعلة في وقت قصير، والأخطر من ذلك أنها استطاعت استقطاب نبض “14 آذار” المكسور من تزايد الهزائم والناقم على سياسة المساومة والتسوية ولأنه وجد فيها محاكاة لفكرة “14 آذار” المدنية الثقافية العابرة للطوائف.

ويضاف إلى ترسانة “بيروت مدينتي” سلاح أقوى، إن أحسنت استخدامه، وهو الجيل الشاب الذي ستتاح له فرصة الانتخاب للمرة الأولى في أي استحقاق ديمقراطي مقبل. فهذا الجيل هو الأقرب إلى فكرها والأكثر نقمة على الواقع الحالي.

الخصم الثالث للحريري كان في شارعه السني الذي شهد ارتفاعاً للصوت الداعي إلى كسر المناصفة بوصفها لا تمثل التكوين الديموغرافي في بيروت، ولأنها عُرف أنزل على أهل المدينة من دون أن يعمّم على المدن الكبرى الأخرى ذات الحضور الإسلامي المسيحي كصيدا وطرابلس. وهذا الصوت نجح في استقطاب البيروتيين السنة الباحثين عن رافعة للطائفة لم يجدوها في بيت الوسط مطلقاً ولا حتى في دار الفتوى، وقد هذا الخط ينجح في استقطاب مزيدٍ من التأييد تبعاً لما ستكون عليه سياسة “تيار المستقبل” في الفترة المقبلة.

بعد انتهاء معركة بيروت، يبدو الرئيس سعد الحريري أمام خيارات صعبة فالفوز الهش لن يتيح له فرض شروطه في لعبة التحالفات، وخصومه المدنيون والطائفيون متربصون، بينما تخالجه فكرة اعتزال العمل السياسي نهائياً عند أول مطب وفق ما نُقل عنه. في المقابل يبدو “حزب الله” أيضاً في وضع لا يريح قيادته كثيراً … فكيف ستكون توصيات المستشارين؟