IMLebanon

ألمانيا ليست المنقذ بل مشكلة منطقة اليورو الكبرى

Germany-EU
مارتن وولف

الجواب على السؤال الثاني هو أنه مهم كثيرا. جزء من الجواب على السؤال الأول هو أن ألمانيا هي إحدى الدول الدائنة. منحتها الأزمة المالية رأيا مهيمنا في شؤون منطقة اليورو. هذا أمر يتعلق بالقوة، وليس بالحق. مصالح الدول الدائنة مهمة، لكنها مصالح جزئية، وليست عامة.

الشكاوى الأخيرة ركزت على السياسات النقدية للبنك المركزي الأوروبي، خاصة أسعار الفائدة السلبية وبرنامج التسهيل الكمي. حتى أن فولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني، زعم أن البنك المركزي الأوروبي يتحمل نصف المسؤولية لصعود حزب البديل لألمانيا، الحزب المناهض لليورو. هذا هجوم غريب تماما.

الانتقادات لسياسات البنك المركزي الأوروبي واسعة النطاق: فهي تجعل من غير الضروري إجراء إصلاح بالنسبة للبلدان الأعضاء المترددة؛ وفشلت في تخفيض المديونية؛ وتقوض قدرة شركات التأمين وصناديق التقاعد ومصارف الادخار على السداد؛ وبالكاد أبقت معدل التضخم فوق الصفر؛ ونشرت الغضب على المشروع الأوروبي. باختصار، سياسة البنك المركزي الأوروبي أصبحت بمنزلة تهديد كبير للاستقرار.

كل هذا يتفق مع الرأي الألماني التقليدي. كما يجادل بيتر بوفينجر، العضو المخالف في المجلس الألماني للمختصين الاقتصاديين، فإن هذا التقليد يعود إلى عهد فالتر إيوكين، الأب المؤثر لليبرالية الاجتماعية الجديدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا النهج، الاقتصاد الكلي المثالي يتألف من ثلاثة عناصر: ميزانية متوازنة (تقريبا) في كل الأوقات؛ واستقرار الأسعار (مع تفضيل غير متناظر للانكماش)؛ ومرونة الأسعار.

هذا نهج معقول بالنسبة لاقتصاد صغير منفتح. وقابل للتطبيق بالنسبة لبلد أكبر، مثل ألمانيا، لديه صناعات قابلة للتداول ذات قدرة تنافسية عالية، لكن لا يمكن تعميمه على اقتصاد قاري، مثل منطقة اليورو. ما ينجح في ألمانيا لا يمكن أن ينجح في اقتصاد أكبر بمقدار ثلاثة أضعاف ومنغلق أكثر بكثير على التجارة الخارجية.

لاحظ أنه في الربع الأخير من عام 2015، كان الطلب الحقيقي في منطقة اليورو أقل بنسبة 2 في المائة مما كان في الربع الأول من عام 2008، في حين أن الطلب في الولايات المتحدة كان أعلى بنسبة 10 في المائة. هذا الضعف الشديد في الطلب مفقود من معظم الشكاوى الألمانية. البنك المركزي الأوروبي يحاول بحق منع الانزلاق إلى الانكماش في اقتصاد يعاني ضعفا مزمنا في الطلب. كما يصر ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، على أن أسعار الفائدة المنخفضة التي حددها البنك ليست المشكلة. لكنها “أعراض” عدم كفاية الطلب على الاستثمار.

تاريخ الاقتصاد الألماني منذ إصلاحات سوق العمل في أوائل العقد الأول من الألفية يظهر أن “الإصلاح الهيكلي” من غير المرجح أن يحل هذه المشكلة. حقيقة الاقتصاد الكلي الأكثر أهمية بشأن ألمانيا هي أنه غير قادر على استيعاب ما يقارب ثلث مدخراتها المحلية في الداخل، على الرغم من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية. في عام 2000، قبل الإصلاحات – التي خفضت تكاليف العمل ودخل العمال – استثمرت الشركات الألمانية أكثر بكثير من أرباحها المحتفظ بها. العكس صحيح الآن. فحيث إن الأسر لديها فائض، والحكومة حققت التوازن، هناك فائض خارجي هائل ظهر حسب الأصول.

لماذا ينبغي أن يكون الآخرون قادرين على الاستفادة المربحة من المدخرات التي كما يبدو لا يستطيع الألمان الاستفادة منها؟ لماذا ينبغي على الإصلاحات الهيكلية في أماكن أخرى، وهي إصلاحات تطالب بها ألمانيا، توليد زيادة الاستثمار الذي تفتقر له ألمانيا؟ وبوجه خاص، لماذا ينبغي أن يتوقع المرء انخفاض المديونية عندما يكون الطلب والنمو الشامل ضعيفين جدا في منطقة اليورو ككل؟

ما حدث، بدلا من ذلك، هو تحول منطقة اليورو إلى ألمانيا أضعف. رصيد الحساب الجاري في منطقة اليورو من المتوقع أن يتحول نحو فائض بنحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عام 2008 وعام 2016. كل دولة عضو من المتوقع أن تكون قد حققت التوازن أو لديها فائض. منطقة اليورو تعتمد على رغبة الآخرين بالانغماس في الإنفاق والإقراض الذي تتجنبه الآن.

مع ذلك، بقية العالم حذر أيضا. البنك المركزي الأوروبي اعتمد أسعار الفائدة الحقيقية (والاسمية) السلبية لأن المدخرات الإضافية تساوي القليل جدا الآن. كما تعلم أيضا من النتائج الوخيمة من الارتفاع في أسعار الفائدة في عام 2011. التسهيل الذي اعتمده منذ عام 2012 يؤتي ثماره على الأقل في انتعاش ذي مغزى، وإن كان غير كاف: ارتفع الطلب الحقيقي بنسبة 4 في المائة منذ أدنى مستوياته في الربع الأول من عام 2013؛ والتضخم الأساسي، وإن كان بنحو 1 في المائة فقط، قد استقر أخيرا. هذا ليس فشلا. إنه نجاح.

حتما، مثل هذه السياسات لا تحظى بشعبية في البلدان الدائنة، لكن الحجة التي تقول إن التهديد هو السياسة النقدية المتساهلة بشكل مفرط تتجاهل المخاطر التي يفرضها التشديد المفرط. فهي تفترض أن الانكماش لن يشكل أي مشكلة. إلا أن من شأنه زيادة المديونية الحقيقية، وتقويض مرونة الأجور الحقيقية وحتى التأثير على فعالية السياسة النقدية، بما أنه سيكون من الصعب أكثر توليد أسعار الفائدة الحقيقية السلبية عند الحاجة. دوامة الانكماش ستكون بمنزلة تهديد أكبر بكثير من أسعار الفائدة السلبية.

بالدرجة الأولى، منطقة اليورو سوف تفشل إذا تمت إدارتها لمصلحة الدول الدائنة وحدها. السياسة يجب أن تكون متوازنة. تصميم البنك المركزي الأوروبي على تجنب الانكماش هو جزء مهم من ذلك الهدف. وتحقيق طلب متوازن أفضل على المستوى الوطني هو جزء مهم آخر. نقص هائل في الطلب (بالنسبة إلى العرض الكلي) في أكبر اقتصاد في منطقة اليورو هو بمنزلة مشكلة كبيرة. “إجراء الخلل المفرط” في الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يكون أكثر أهمية بكثير من الفوائض في ألمانيا. أفكار ومصالح ألمانيا هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمنطقة اليورو، لكن ينبغي ألا تحدد كل شيء. إذا اعتقد الألمان أن هذا يضعف شرعية المشروع الأوروبي بشكل مهلك، يجب عليهم استخدام خيار الخروج الخاص بهم.

القيام بذلك سيترتب عليه أيضا قبول تعطيل ضخم على المدى القصير، لكن، طالما تبقى ألمانيا في اليورو، يجب أن تقبل أيضا أن البنك المركزي الأوروبي لديه وظيفة عليه القيام بها. إذا فعل الأخير ذلك، فلن يجعل منطقة اليورو تعمل بشكل جيد، لكن من المؤكد أنها مساهمة حيوية لتحقيق تلك الغاية.