IMLebanon

أزمة الأحزاب.. بين التجييش والشعارات الرنّانة

elections

اعتبرت مصادر سياسية مواكبة للانتخابات لصحيفة ”الجمهورية” ان ما يحصل دليل أزمة الأحزاب في لبنان لأنّها لا تملك مشروعاً سياسياً ولا بلدياً على وقعِ التجييش المذهبي والطائفي ورفعِ شعاراتٍ رنّانة في ما يتعلّق بالوجود المسيحي ومصلحة المجتمع والتفاهمات والتحالفات، تنطلق المعركة الانتخابية في جبل لبنان عموماً والمتن خصوصاً.

وقالت مصادر معنية بالانتخابات لـ”الجمهورية “إنّ بعض رافعي شعار عودة المسيحيين الى الدولة وتأمين الشراكة الفعّالة في الحكم غابَ عن بالهم أنّ السبب الأساس لضرب الشراكة المسيحية هو غياب رئيس الجمهورية عن رأس السلطة التنفيذية والدولة، وأنّهم بذلك يخالفون نداءات البطريركية المارونية والفاتيكان وكلّ مسيحيٍّ ولبنانيٍّ مؤمن بنهائية بلدِه وانتظام عمل مؤسساته”.

ولاحظت هذه المصادر انّه “غاب عن بال مَن يخوض المعارك الانتخابية في بلدات المتن اليوم، ولا سيما منهم “التيار الوطني الحرّ”، أنّ نواباً مسيحيين في تكتّل “الإصلاح والتغيير” في قضاء المتن يقاطعون جلسات إنتخاب الرئيس، ويقطعون رأسَ الجمهورية، فأين هي حقوق المسيحيين من تصرّفهم هذا؟

وهل إنّ استرجاعها يكون في خوض معركة في زواريب هذه البلدة أو تلك للفوز بمقعد بلدي هنا أو بلدية هناك؟” وقالت: “مَن يعرف معنى شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، يعلم جيداً أنّ أهمّ عملٍ يمكن فعله لتثبيت المسيحيين في أرضهم هو تأمين أبسط مقوّمات الخدمات لهم، فكيف يعيش المسيحي أو يصمد في أرضه إذا لم تؤمّن له فرصة عمل أو الخدمات الضرورية، مثل شبكة المياه والكهرباء والخدمات العامة والوظيفة؟”.

ورأت المصادر نفسها “أنّ هذه الخدمات التي يُفترض أن يطلبها المتني من النواب المحسوبين على “التيار” لم تتحقق، فرأى في البلديات المتنيّة التي يحاربها تحالف “القوات” و”التيار” في مكان ويتواجهان في مكان آخر، الملجأ الأساس له، بحيث حلّت البلديات مكان النواب الذين يكتفون برفع الشعارات الرنّانة ومقاطعة إنتخاب الرئيس ضاربين الوجودَ المسيحي في العمق”.

واعتبرَت “أنّ ما يثير الريبة هو التحالفات الهشّة التي نشأت على أساس المصالح والمنافع، وليس على أساس المبادئ، فلم نقرأ لأحد التيارات أو الأحزاب برامج لإنماء المنطقة وإنعاشها، بل إنّ التجييش المذهبي والطائفي كان السلاح الوحيد، وكأنّ الذين يخوضون الإنتخابات ضدّهم ليسوا مسيحيين أو أنّهم يريدون إلغاءَ الدور المسيحي”.

ولاحظت المصادر المعنية بالاستحقاق البلدي “أنّ تحالفات الأحزاب وصلت الى حدّ إتفاق “التيار الوطني الحرّ” و”القوّات اللبنانية” على إلغاء حزب “الوطنيين الأحرار” الذي أسّسه الرئيس الراحل كميل شمعون.

علماً أنّ التحالفات الهشة ضيّعت الأحزاب نفسَها وقسّمتها فرَقاً، وجعلت التيار تيارات، في حين يقف حزب الكتائب وسط هذه المعمعة مع أسئلة بلا أجوبة مقنِعة، ففيما يتعرّض في سنّ الفيل لحرب شعواء يشنّها “التيار” و”القوات” ضد اللائحة التي يترأسها السيّد نبيل كحالة، يتحالف مع “التيار” و”القوات” في إنطلياس مثلاً.

ويتنافس “التيار” والحزب “السوري القومي الاجتماعي” مع “القوات” في بسكنتا، في وقتٍ تشهد بلدة الحدث – بعبدا على ذهنية الاستئثار، حيث فرض مرشّح “التيار” لائحتَه، ما استدعى مقاطعة “القوات”، علماً أنّ اللائحة المقابلة تضمّ “قواتيّين” و”عونيين”.

وتوقّفت مصادر سياسية مواكبة لعملية الاستحقاق عند لوحة التحالفات الآنيّة في مكان وفشلِها في مكان آخر، وقالت لـ”الجمهورية”: “ما يحصل هو دليل أزمة الاحزاب في لبنان، لأنّها لا تملك مشروعاً، لا على المستوى السياسي العام ولا على المستوى البلدي.

فمشكلة هذه الاحزاب في تعاطيها مع الانتخابات البلدية الراهنة انّها تخوض انتخابات على اساس تقاسم مواقع السلطة داخل البلديات وليس على اساس مشروع تنموي عام شامل له مفاهيم عامة على مستوى لبنان، تطبّق لامركزياً في البلديات تبعاً للحاجات”.

وأضافت هذه المصادر: “لو كانت هذه الاحزاب تملك مشروعاً فعلياً لَما استطاعت ان تتحالف بعضها مع بعض في مكان، وأن تتنافس وتتواجه بعضها مع بعض في مكان آخر، لأنّ كلّ التحالفات السائدة، قائمة على اساس “حيث نتّفق على تقاسم السلطة نتوافق، وحيث نختلف على تقاسمها نتقاتل، وفي ايّ دولة من دول العالم لم يحصل أن اتفقَ حزب مع آخر وتحالفَ معه في مكان، واختلف وتجابَه معه في مكان آخر”.

وأضافت المصادر: “يدرك الجميع انّه على مستوى الانتخابات، سواء كانت مناطقية أو تشريعية أو رئاسية، هناك أحزاب تتحالف بعضها مع بعض، ولكنّ الحلف يشمل التفاهم على مشروع واحد على مساحة الأرض والجغرافيا كلّها. أمّا أن تكون الأحزاب على غرار ما هو قائم في لبنان في الوقت الحاضر، وتحديداً في الإنتخابات البلدية الحالية، فهذا دليل على انّ الأحزاب في ازمة مشروع، لأنها لا تملك مشروعاً، بل كلّ هدفِها هو أن تعزّز موقعَها في السلطة على حساب المشروع وعلى حساب الحياة السياسية، ما يتسبّب لاحقاً بتفاقم الأزمة في البلد.

فاليوم نرى مجموعة متناقضات على البلدية، مثلما نرى مجموعة تناقضات على الحكومة ومجلس النواب، فكما أولئك يعطّلون السلطة التشريعية والتنفيذية فإنّ هؤلاء يعطلون السلطة الإدارية المحلية، وبالتالي بدلاً من ان تساهم الاحزاب في حل الأزمة لتطوير البلد، تساهم في تعميقها وفي إبقاء البلد في عصور غابرة بالمفهوم السياسي”.

ورأت مصادر في قوى 14 آذار أنّ “إعلان النيّات” بين “التيار” و”القوات” “هو في حدّ ذاته أحد التعابير الخاصة بتقاسم السلطة، فالمشروعان مختلفان، فأحدُهما يتصل بالأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله لتعزيته باغتيال القيادي مصطفى بدر الدين، فيما الثاني يعتبر انّ تدخّل “حزب الله” في سوريا أمر مسيء للواقع اللبناني. لم نفهَم إذاً هذه المشكلة الاستراتيجية التي يعاني منها لبنان، يختلفان حولها الى هذا الحد، فعلامَ اتّفقا في “إعلان النيّات” وما معنى الحفاظ على حقوق لبنان وسائر البنود العشرة حمّالة الأوجه التي يفسّرها كلّ منهما حسبما يشاء”؟”.

وإذ رأت المصادر أنّ “تحالفات الاحزاب في منطقة وتنازعَها في منطقة اخرى دليلٌ على حالة التخبّط في التعاطي السياسي، يهربون اليها في محاولة لتظهير احجام في مواقع، سواء في السلطة المحلية او في السلطة الوطنية”، اعتبرَت “أنّ المشكلة التي يعاني منها لبنان اليوم هي غياب الحياة الحزبية الحقيقية وغياب الحياة السياسية الحقيقية، إنّها مشكلة بنيوية داخل الاحزاب تنعكس مشكلةً بنيوية على مستوى الحياة السياسية في البلد، ويحاولون تغطيتَها بالنزاع على الاحجام، وفي النهاية عناوين في الصحف في اليوم التالي عن الانتخابات كادّعاء الاكتساح هنا وإحداث تسونامي هناك”.

وتوقّفَت المصادر عند الادّعاء بأنّ 86 في المئة من المسيحيين مع “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وقالت: “يحاولون اليوم التنصّل من ذلك عبر الإيحاء انّهم لم يقولوا مرّة هذا الكلام، بل إنّ 86 في المئة من المسيحيين يؤيّدون المصالحة.

وبالتالي يجوز أنّ مئة في المئة منهم يؤيّدون المصالحة لكن لا أحد يؤيّد تقاسم السلطة بالشكل الذي يقدِمون عليه، ولا أحد يَعتبر هذه المصالحة أداةً لإنهاء نزاع معيّن على السلطة عندما نرى نوعاً آخر من النزاع على السلطة، وبدل ان يكون النزاع بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” يصبح بين “التيار” و”القوات” من جهة، وبقية الأفرقاء على الساحة المسيحية والوطنية من جهة أخرى”.

ونفَت المصادر وجود أيّ “تسونامي”، وقالت: “إنّ الحديث عن تسونامي هو اكبر دليل على انّ الاحزاب تعيش أزمة بنيوية اليوم بتركيبتها وبمشروعها، والدليل الاكبر هو انّ ثلاثة احزاب في زحلة حصَدت ثلثَ أصوات الناخبين، وما جعلها تربح المعركة هو إدارة الانتخابات وليس تسونامي شعبياً، فلو كانت إدارة الانتخابات في زحلة مختلفة بين آل سكاف وآل فتوش وتحالفا بعضُهما مع بعض لكانت هذه الأحزاب خسرَت الانتخابات”.

وعن مصير التحالف في جبل لبنان قالت المصادر: “لا نعرف ما هو مصير هذا التحالف إذا كانوا في جونية يتعاركون بعضهم ضد بعض، وفي غوسطا على حدود جونية بعضهم ضد بعض، وفي مكان أخر بعضهم مع بعض، وبعضهم ضد بعض في مكان آخر.

وفي حين يعتقد البعض انّ ما يجري اليوم سيسهّل الانتخابات النيابية، فإنّ بعضاً آخر يرى انّ ما يحصل سيعقّد الانتخابات النيابية مجدداً أكثر، لأنّ حسابات الحقل عند الاحزاب لم تطابق حسابات البيدر، وبالتالي كانوا يعتبرون انّهم في الانتخابات البلدية سيوجّهون رسالة وسيظهرون انّهم اقوياء فيذهبون الى الانتخابات النيابية بشكل أقوى، ولكن الحاصل هو انّ الجميع سيراجعون حساباتهم بعد الانتخابات البلدية، فحتى “حزب الله” الذي كان يتمسّك باعتماد النسبية الشاملة، سيعيد النظر فيها بعد نسبة الـ 45 في المئة التي حصَدها خصومُه في بعلبك وبريتال والهرمل وغيرها”.