IMLebanon

أوكرانيا.. «صين» أخرى على حدود أوروبا

ukraine-eu
أندرو كرامر

قبل أن تنزلق عبر المدقات أو تهبط عبر المنحدرات، تبدأ الكثير من الزلاجات المنتجة على مستوى العالم في هذا المصنع الصاخب الممتد على مساحة شاسعة في غربي أوكرانيا.
هنا يجمع عمال الماكينات المهرة الألواح المتعرجة من ألياف الكاربون ورقائق التيتانيوم الصلب، ويلصقونها كطبقات الكعكة، ثم يقومون بضغطها بالتسخين، وتشكيلها وصقلها لتصبح في شكلها الأخير، وجاهزة للاستخدام في المناطق الريفية أو في المنحدرات الجبلية.

وهنا أيضا، يقوم العمال الحرفيون المهرة بتحويل الخشب بقوة البخار، إلى العصا التي يستخدمها لاعبو الهوكي في أنحاء العالم، بأسماء علامات تجارية مثل نايكي وكسيلو.
يدفع مالك المصنع، الأسترالي فيشر سبورتس، للموظفين ما يوازي نحو 307 دولارات شهريا في المتوسط – وهو ما قد يساوي واحد على ثمانية مما يمكن أن يكسبه عمال الأخشاب والآلات المهرة في بلد فيشر الأصلي.
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما دخلت اتفاقية تجارة حرة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بدوله الـ28 حيز النفاذ، شهدت التكاليف التي يتحملها فيشر مزيدا من الانخفاض، نتيجة رفع الرسوم الجمركية على الآلات والمواد الخام التي تتدفق على البلاد والمنتجات الجاهزة التي يتم شحنها خارج البلاد.
قد تبدو الأجور تافهة بالمعايير الغربية، لكن عمال المصنع البالغ عددهم 1,500 يميلون للنظر إلى هذه الوظائف باعتبارها فرصة، حيث تعتبر أوكرانيا من أفقر الدول في نصف الكرة الأرضية الشمالي، باقتصاد يولد أقل من 3,100 دولار للفرد سنويًا.
وقال يوري في. أوروس، وهو عامل آلات في خط إنتاج الزلاجات: «أوروبا هي مستقبلنا».
لكن المستقبل ملبد بغيوم اضطرابات السنوات الأخيرة في أوكرانيا، وعداء البلاد مع روسيا والنزعة القومية التي تهدد الآن تماسك الاتحاد الأوروبي. في استفتاء أخير غير ملزوم في هولندا، على سبيل المثال، طالب ما يقرب من ثلثي الناخبين الهولنديين حكومتهم بإلغاء دعمها للاتفاق الأوكراني.
وحتى في الوقت الذي استثمر فيه فيشر وعدد آخر من الشركات متعددة الجنسيات، بما في ذلك نيكسانز، وهي شركة تنتج الأسلاك الكهربائية، في أوكرانيا من أجل استغلال اتفاقية التجارة الحرة، تتردد شركات أخرى كثيرة في دخول هذه الجمهورية السوفياتية السابقة.
ومن ثم، فمن غير الواضح إلى أي مدى ستتجاوز مكاسب اتفاقية التجارة الحافة الغربية لأوكرانيا قرب الحدود البولندية، حيث تقع معظم هذه المصانع، وإلى أي مدى ستمتد في الاقتصاد الأوسع نطاقا لهذا البلد ذي الـ44.4 مليون نسمة، والذين يعيش ما يقرب من 5 ملايين منهم الآن في مناطق تخضع لسيطرة روسيا أو الانفصاليين الموالين لروسيا».
ويقول تيموفي إس. ميلوفانوف، رئيس مدرسة كييف للاقتصاد: «لدينا قصص نجاح عرضية، ومروية، لكن من السابق لأوانه أن نسمي هذا نجاحا».
رغم كل شيء، والحديث للسيد ميلوفانوف، ينمو الاقتصاد الأوكراني بالكاد، متأثرا بتدني الإنتاجية العمالية، وتفشي الفساد. وقال إنه على المدى الطويل فقط، قد تساعد اتفاقية التجارة على انتشال الأوكرانيين من الفقر.
مرت الاتفاقية، المعروفة باسم «اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي»، برحلة قاسية بالفعل. بعد أن رفضها رئيس أوكراني سابق في 2013، مفضلا اتفاقا مع موسكو، ثم خرج المواطنون الموالون لأوروبا إلى الشوارع في كييف في احتجاجات أدت إلى ثورة. عادت الحكومة الجديدة في كييف إلى الاتفاقية الأوروبية، ووقعت عليها في مارس (آذار) 2014. لكن في نفس ذلك الشهر، قامت روسيا بضم إقليم القرم الأوكراني، مما أدى لحرب أهلية مدعومة من روسيا في شرقي أوكرانيا.
ومع دخول اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي حيز النفاذ، كما كان مقررا له، كان كثير من الأوكرانيين مشتتين أو يشعرون بالإحباط، جراء الحرب وسنوات الركود الاقتصادي، لدرجة أنهم ربما لم ينتبهوا لهذا الاتفاق.
ومع هذا، فهنا في موكاشيفو، وهي بلدة ذات طبيعة خلابة، وطرق معبدة، وقلعة فوق قمة تل يعود زمنها للقرن الرابع عشر، وتعد من بقايا الإمبراطورية النمساوية المجرية، يعطي مصنع فيشر لمحة على ما يمكن أن يعنيه لهذا البلد، مستقبل فيه مزيد من التكامل الأوروبي. لكن مسؤولين تنفيذيين يقولون إنهم يتوقعون أن تضيف المكاسب من جراء اتفاق التجارة ما يقرب من 500 ألف يورو، أو نحو 560 ألف دولار، لأرباح المصنع هذا العام.
وقال فاسيل ريابيتش، مدير المصنع، في مقابلة في مكتبه المطلع على أرض المصنع العشبية المحاطة بحواف من الورود: «تملك أوكرانيا كل مقومات الاستثمار».
بنفس الطريقة، أدت اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية في عام 1994 إلى طفرة في الصناعات الخفيفة – أو ما يسمى بالماكيلادوراس – على امتداد حدود المكسيك مع الولايات المتحدة، واتفاقية الشراكة معنية بتشجيع التنمية على طول حدود أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي. وأوكرانيا بدورها ملزمة بتغيير السياسات الاقتصادية الداخلية عبر إجراءات مثل إصلاح القضاء وتغيير قواعد منح العقود الحكومية.
يعد مصنع فيشر مجرد أحد العلامات على ازدياد الاستثمار الأجنبي حول لفيف، العاصمة الإقليمية لغربي أوكرانيا.
ومؤخرا استأجرت شركة نيكسانز الفرنسية أرضا قرب لفيف، تخطط أن تنفق فيها 120 مليون هريفنا، أو نحو 4.7 مليون دولار، على مصنع من شأنه أن يوفر فرص عمل لـ2000 شخص، في صناعة أسلاك السيارات. ويقوم مصنع آخر لنيكسانز في المنطقة بالفعل بإنتاج الأسلاك لصالح شركة «بي إم دبليو»، و«جنرال موتورز»، وغيرهما من شركات صناعة السيارات.
تدير شركة «ليوني»، وهي منافس ألماني لـ«نيكسانز»، مصنعا في ستري في إقليم لفيف، حيث تنتج الكابلات لصالح «فولكس فاغن»، و«أوبل» و«بورشه»، وغيرها من الشركات.
كما أعلنت شركة «فوجيكورا»، وهي شركة تصنع قطع غيار السيارات، الخريف الماضي عن خطط لفتح مصنع خلال السنوات الثلاث المقبلة من شأنه أن يوفر فرص عمل لنحو 3000 أوكراني.
وقالت فيرونيكا موفاشان، وهي خبيرة اقتصادية في «فوكس يوكرين»، المنظمة البحثية في كييف إن «الاقتصاد يتوجه نحو أوروبا».
لقد زاد هذا الميل باتجاه الغرب من تجارة أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، بأكثر من ثلث إجمالي صادرات وواردات البلد، مقارنة بأقل من الربع في عام 2012.
ومع هذا، فخلال نفس الفترة، هوت صادرات أوكرانيا إلى روسيا بأكثر من النصف، إلى 12.7 في المائة – وهي حصة مرشحة لمزيد من التراجع؛ لأن روسيا وضعت رسوما جمركية على البضائع الواردة من أوكرانيا، في رد انتقامي على اتفاق التجارة الأوروبي.
وتعتبر التجارة الخالية من الرسوم مع الاتحاد الأوروبي طريقا ذا اتجاهين: فمع إمكانية أن تنافس مزيد من المنتجات الأوروبية المنتجات المحلية، يمكن أن تعجز أوكرانيا حتى عن تحقيق النسبة المتواضعة التي توقعتها لنمو اقتصادها، وهي 1 في المائة هذا العام، بحسب ما يقول بعض خبراء الاقتصاد الآن.
كما ووضعت اتفاقية التجارة قيودا مشددة على الواردات الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أن الزراعة من مصادر قوة الاقتصاد الأوكراني. وتعتبر الحصص المحددة لواردات منتجات العسل خالصة الرسوم الجمركية محددة جدا على سبيل المثال، لدرجة أن مربي النحل الأوكرانيين استنفذوها في أول 6 أسابيع من العام.
وقال إيفان تشاكاروف، كبير الاقتصاديين المتخصص في شؤون دول الاتحاد السوفياتي السابقة، في شركة «سيتي»: «إذا كان لدى أوكرانيا أي أمل على الإطلاق، فهو يكمن في الزراعة.. لكن حقيقة أنهم استنفذوا معظم حصصهم السنوية توحي بالفعل إلى أن هذا الاتفاق لا يأتي بالأثر المرغوب».
لكن مؤيدي اتفاقية التجارة يعولون على النجاح المستمر من مصنع فيشر، الذي يتوسع بالفعل بجانب صناعة الزلاجات ومضارب الهوكي.
وبعد أن أظهر المصنع حيوية في التعامل مع مواد الألياف الكربونية، وواضعا في الاعتبار النمو الإقليمي في صناعة قطع غيار السيارات، أسس المصنع ورشة تنفذ أعمال صقل مكونات السيارات.
وتشمل قطع الغيار الخفيفة الملساء، قواعد المحرك لطرازات «إم 3» من «بي إم دابليو»، ذات الأداء الرفيع، واللوحات الخارجية لسيارات «أودي» و«بورشه» و«تسلا».. وبعد الصقل يتم شحن الأجزاء إلى الأسواق الأكثر ثراء.
ويقول السيد ريابيتش، مدير المصنع: «نحن مثل الصين.. لكن على الحدود مع أوروبا».