IMLebanon

الفقر المدقع يُغرق ربع مليون لبناني في براثنه

HousesPoor

 

ميليسا لوكية

 

فيما يواصل الفقر تمدّده الواثق بين صفوف اللبنانيين، آخذاً بذلك شكل الوباء، تبرز مبادرات لوضع حدّ لهذه الظاهرة التي نالت من ربع مليون مواطن حتى الآن. وليست حملة دعم مشروع “إزالة الفقر والعوز المدقع في لبنان” (أفعال)، التي هي اقتراح قانون تقدّم به النائب روبير فاضل قبل سنة ونصف السنة، إلاّ خطوة إضافية نحو رفع فقراء لبنان من وحول العوز وتزويدهم المعرفة للتخلص من براثنه.

بيّنت دراسة حديثة أعدّها البنك الدولي بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي أنَّ 235 ألف مواطن يعيشون في حالة فقر مدقع، أي بأقل من 5,7 دولارات في اليوم الواحد، ما يعني أنَّ 8% من اللبنانيين لا يستطيعون توفير الحاجات الغذائية اليومية لهم ولأطفالهم.
وقد كشفت البيانات أيضاً أنَّ مليون مواطن يعيشون بأقل من 8,7 دولارات في اليوم، في حين أنَّ 27% من المواطنين هم من الفقراء الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم المعيشية الأساسية.
وتتزايد نسبة الفقر لتبلغ 36% في شمال لبنان و38% في البقاع، لتزيد من حدّتها الأزمة السورية والتدفق الهائل للاجئين السوريين إلى لبنان خلال الخمسة أعوام الماضية إذ دخل نحو 200 ألف لبناني حلقة الفقر بسببها.
أمام هذا الواقع، كان لا بدّ من التحرّك تحو تبديل المشاريع السابقة التي تصبّ في الخانة ذاتها بأخرى جديدة تتكامل وإياها، فأتى قانون “إزالة الفقر والعوز المدقع في لبنان” (أفعال)، الذي تقدّم به النائب روبير فاضل قبل سنة ونصف السنة، للمساهمة في مكافحة ظاهرة الفقر.
وقد عقدت اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة، والمكلفة درس اقتراح القانون، جلسة قبل يومين برئاسة رئيس اللجنة النائب ياسين جابر وأنهت دراسته، إذ أكّد جابر لـ”النهار” أنَّ اللجنة وضعت ضوابط لتطبيق القانون، مؤكّداً أنَّ هذا الأخير هو تطوير للبرنامج الذي كان قد أُطلق عندما كان الوزير وائل أبو فاعور وزيراً للشؤون الإجتماعية، فضلاً عن أنَّه موجود أصلاً في دول العالم.
ويضيف جابر أنَّ البرنامج الذي تبلغ تكلفته السنوية 70 مليون دولار يقدّم، إضافة إلى الضمانات الإجتماعية، “مساعدات مالية قيمتها ثلث الحد الأدنى للأجور، أي 225,000 ليرة شهرياً لكل عائلة، لكنّها مشروطة بأنَّ يعلّم المحتاجون أولادهم في المدارس الرسمية أو المهنية، وأن يخضعوا لدورات تدريبية على مهن تخوّلهم في ما بعد من إيجاد فرص عمل، هذا إن لم يكونوا عاجزين. أما في هذه الحالة، فمن المفترض أن يخضع أحد البالغين الذين يعيشون تحت وصايتهم لهذه الدورة”.
وهنا، يشير إلى أنَّ الهدف يتمثّل في انتشال هؤلاء من لجّة الفقر بدلاً من تقديم المساعدات التي تبقيهم في هذه الحالة، وذلك انطلاقاً من الإيمان بأنَّ التعليم هو السبيل لتحقيق ذلك.
وللوصول إلى هذه الأهداف، يرى ياسين أنَّه “لا بد أن يتواكب المشروع مع خطوات ترمي إلى تحسين البرامج التعليمية في المدارس الرسمية ونشرها في كلّ المناطق، وخصوصاً في الشمال، وتعزيز مراكز التدريب المهنية وفق جابر الذي يرى أنَّ كل ذلك يمكن تحقيقه من خلال التنسيق مع الوزارات المعنية، كوزارة التربية والشؤون الإجتماعية مثلاً”.
وقد لاحظت اللجنة أثناء مناقشة طرح القانون وجود تضخيم كبير لعدد الموظفين الذي عُيّنوا أثناء تطبيق البرنامج السابق، فأصرّت الأخيرة على تغيير هذا الواقع من خلال دراسات يجريها خبراء متخصصون، يتم بموجبها تحديد أعداد الموظفين المطلوبة لإجراء المهمة، وأن يتم التوظيف عبر التعاقد مع الموظفين الذين يُفترض أن يخضعوا لإمتحان في مجلس الخدمة المدنية، خصوصاً أنَّ عدداً من هؤلاء العاملين لا يستحقون مناصبهم، وفق جابر.
ويعدّد أبرز التعديلات التي دخلت على القانون، وهي إفساح المجال أمام قبول الهبات الداعمة لصندوق البرامج من المؤسسات الدولية والدول المانحة والقطاع الخاص، إلى جانب مساعدات الدولة، بعدما كانت مقتصرة فقط على الأموال الرسمية.
ولكن هل يكفي القانون وحده لوضع حدّ لهذه الظاهرة، وما هي الخطوات الأخرى التي يجب اتّباعها لتحقيق ذلك؟ هنا يجيب الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي بأنَّ العامل الأهم في هذا المجال هو زيادة حجم الإقتصاد وإعادة توزيع عادلة للدخل الوطني، مشيراً لـ”النهار” إلى أنَّ الدخل الوطني اللبناني مركب من ثلاثة مكوّنات: دخل الأفراد (30 مليار دولار)، دخل الشركات، أي أرباحها السنوية الصافية (10 مليارات دولار) ودخل الدولة (10 مليارات دولار) مترتّبة عن الضرائب والرسوم والإتصالات.
أمام هذه الأرقام، يرى يشوعي أنَّ زيادة الدخل تبدأ عبر زيادة الـ10 مليارات الناتجة من الشركات، وذلك عبر ايجاد أعداد جديدة من المؤسسات وتحسين أوضاع تلك الموجودة أصلاً، خاتماً أنَّ “كل شيء يبدأ عبر الاستثمار الذي هو نقطة البداية لمكافحة الفقر”.
أما بالنسبة إلى الخبير الإقتصادي وليد أبو سليمان، فيشدّد لـ”النهار” على أنَّ هذا القانون “مبادرة جيدة، لكن الحد من الفقر لا يقتصر فقط على ذلك، بل على المعنيين الأخذ في الاعتبار العوامل الداخلية والخارجية التي تتسبّب بهذا الحالة”. ويضيف أنَّ هذه الأخيرة تتمثل في “مزاحمة اليد العاملة السورية للمحلّية منها، بما يزيد من نسب البطالة ويعزّز تالياً الفقر، فضلاً عن أنَّ الإقتصاد عاجز عن خلق فرص عمل بفعل ضعف نموّه، يما يفاقم أعداد الفقراء”. وبرأيه، فإنَّ المسؤولية تقع على عاتق “الحكومة بالدرجة الأولى، والأوضاع الإقليمية المحلية التي حرفت الأنظار عن الاهتمام بالقضايا الحياتية والمعيشية اليومية”.