IMLebanon

ألمانيا مشكلة منطقة اليورو وليس اليونان

Mario-Draghi-Angela-Merkel
فولفجانج مونشاو

في الوقت الراهن المشكلة الكبرى بالنسبة لماريو دراجي ليست اليونان، بل ألمانيا. في الأسبوع الماضي رد رئيس البنك المركزي الأوروبي مرة أخرى على انتقادات برلين لسياسات أسعار الفائدة الفضفاضة لدى البنك، مشيرا إلى أن فائض الحساب الجاري المستمر لألمانيا هو أحد الأسباب الرئيسية. ورد الفعل الغاضب الذي واجهه ينبئ بالكثير عن خطوط الصدع في نقاش أوروبا الاقتصادي.

تعد أسعار الفائدة المنخفضة وفائض الحساب الجاري لألمانيا التوأم السام في اقتصاد منطقة اليورو. وكما يقول دراجي عن حق، الفائض تسبب في انخفاض أسعار الفائدة. لكن من الصحيح أيضا أن أسعار الفائدة المنخفضة أدت إلى رفع فائض الحساب الجاري الألماني من خلال تخفيض قيمة اليورو خلال العام الماضي. العملة الأرخص تجعل السلع والخدمات الألمانية أكثر قدرة على المنافسة خارج منطقة اليورو. التفسير الأنسب من بين التفسيرين هو ذلك العائد لدراجي. من خلال الإصرار على التقشف خلال أزمة منطقة اليورو، وبعد الفشل في زيادة الإنفاق الاستثماري في الداخل، كان لبرلين دور فعال في ضغط الطلب الكلي في البلد وفي منطقة اليورو بوجه عام. وتسبب الكساد الطويل في منطقة اليورو في انخفاض التضخم دون المعدل المستهدف البالغ أقل من 2 في المائة. وكانت استجابة البنك المركزي الأوروبي هي خفض الأسعار قصيرة الأجل إلى مستويات سلبية وشراء الأصول المالية. لو كانت سياسة المالية العامة في ألمانيا محايدة خلال تلك الفترة، لكانت وظيفة البنك المركزي الأوروبي أسهل. وربما كان قادرا على تحقيق هدف التضخم، وما كان سيجد نفسه مضطرا لخفض الأسعار بذلك القدر.

برلين ببساطة تعتبر أن فائض الحساب الجاري هو انعكاس لقدرة ألمانيا التنافسية المتفوقة. هذه وجهة نظر تدل على جهل بالاقتصاد – أو بالأحرى هي تزيغ عن قصد عن المشكلة الحقيقية. إذا كانت ألمانيا تمتلك عملتها الخاصة بها وأسعار صرف معومة، لكان اختفى معظم الاختلال في الحساب الجاري. حتى في اتحاد نقدي، لا يمكن أن يكون الاختلال الكبير مهما إذا كان الاتحاد متكاملا سياسيا ولديه سياسة مشتركة في المالية العامة. لكن الاختلالات تعد مهمة في الاتحاد النقدي الموجود لدينا، لأنه اتحاد خال من أنظمة إعادة التوزيع وإعادة التأمين. وليس من قبيل الصدفة أن ترفض ألمانيا آليات إعادة التوزيع المذكورة. فهي بهذه الطريقة تعمل على تعظيم فائض الحساب الجاري لديها. وهذا يشكل أحد أهداف السياسات الضمنية.

على المدى الطويل لا يمكنني أن أفهم كيف أن هذا يصب في مصالح ألمانيا. كان فولفجانج شوبيله، وزير المالية، محقا عندما قال إن الأسعار المنخفضة تعمل على دفع الناخبين للتصويت لـ “البديل لألمانيا”، الحزب المناهض للمهاجرين والمعادي لليورو. إلا أنه لم يكن خطأ البنك المركزي الأوروبي. ويضم حزب “البديل لألمانيا” في معظمه الألمان كبار السن من ذوي العيش الرغيد. فهم يريدون الخروج من اليورو لأنهم يمكن أن يستفيدوا من أسعار الصرف الأفضل وأسعار الفائدة الأعلى – أو هكذا يعتقدون. لكن إذا كان كل من دراجي شوبيله على حق، ستكون العواقب مقلقة. فهي تخبرنا بأن ألمانيا، ربما أكثر من اليونان، غير مستعدة للانضمام لعضوية الاتحاد النقدي. بموجب نظام بريتون وودز الخاص بأسعار الصرف شبه الثابتة، كانت استراتيجية ألمانيا تتمثل في تأمين نفسها بنظام أسعار صرف ثابتة ومن ثم السعي للبحث عن خفض “حقيقي” من خلال أجور أقل نسبيا من أجور منافسيها. عندما انهار النظام، تبع ذلك ارتفاع قيمة المارك. وحدث الشيء نفسه في آلية سعر الصرف، تمهيدا لإنشاء اليورو في أواخر السبعينيات. لكن اليورو يهدف إلى أن يدوم للأبد. الآن لم تعد هناك أي آلية تصحيح لاختلالات ألمانيا. نظريا، يوجد حل بسيط. يمكن أن تخفض برلين الضرائب وتزيد الإنفاق على الاستثمار. أمامها مجال كبير لذلك. بعد سنوات من التقشف يكون المضاعف الضريبي – أثر كل يورو من العجز في الإنفاق – كبيرا. لسوء الحظ، تعمل قاعدة الميزانية المتوازنة لألمانيا على جعل هذا أمرا مستحيلا. والأهم من ذلك كله، هذا أمر لا يرغب فيه الناخبون وممثلوهم السياسيون. فهم يريدون سداد ديونهم. إنه خيار سيئ، إلا أنه خيار ديمقراطي. لكنه يعني أنه طالما بقيت ألمانيا في منطقة اليورو، فإن الاختلالات لن تصحح نفسها.