IMLebanon

 25 أيار… هل تحرّرنا؟ (بقلم هيثم الطبش)

25-may

 

كتب هيثم الطبش

في مثل هذا اليوم من عام 2000 إنسحبت إسرائيل من الجنوب من دون علم ولا خبر وقرر لبنان الرسمي والشعبي الاحتفال بالتحرر من احتلال كبّد البلاد الكثير من الخسائر على كل المستويات البشرية والاقتصادية والاجتماعية.  لكن مهلاً… هل تحرّر لبنان فعلاً؟ أم أن خروج إسرائيل ومن بعدها سوريا في 2005 هما حدثان في مسيرة استقلال منقوصة؟

تاريخياً، لعبت المقاومة اللبنانية التي تألّفت من الأحزاب والقوى الوطنية بمختلف مشاربها دوراً أساساً في التصدّي للاحتلال قبل أن يباغتها فصيل ناشئ يتخذ من اسم الله درعاً يستر به حزباً عقائدياً ليصادر إنجارات كل المقاومين الذين سبقوه. واستفاد هذا الحزب، الذي رعته إيران ليكون ذراعها الشرق أوسطية خارج حدودها الجغرافية، من غياب الدولة، التي مزّقتها الحرب الأهلية، فعلاً وقولاً وبكل الأشكال عن الساحة الجنوبية ليثبّت أقدامه بالاغتيال السياسي مرّة وبالمعارك مع أبناء الجنوب مرّات وبالتقديمات والإغراء المالي في مجتمع يغلب الفقر عليه، ليؤسّس تدريجاً وفي غفلة من الزمن كياناً رديفاً للدولة.

واليوم ما أشبه الحاضر بالماضي… فالدولة شبه غائبة ليس عن الجنوب وحسب بل عن مساحة كبيرة من البلد يمنعها من ذلك “حزب الله” في مناطق نفوذه وبالقدر ذاته يمنعها وهنها المتزايد على نحو مقلق من إثبات ذاتها في المناطق الأخرى إلى درجة تتيح ملاحظة انتشار الجرائم على أنواعها من دون قدرة فعلية من الشرعية على الحسم السريع والفاعل إنفاذاً للقانون.

بهذا المنطق لا يمكننا القول إن لبنان تحرّر فعلاً في حين يسود منطق اللادولة على الأرض وبينما يمكن التفريق بين مناطق خاضعة لسلطة ميليشيا تستطيع ضبط الإيقاع حيث تتواجد بالشكل الذي تريد، وبين مناطق أخرى قد تتمتع بالحد الأدنى من النظام، ومناطق متفتلة بالكامل. على سبيل المثال لا الحصر، قُتل الشاب وسام بليق في بيروت وبعده بساعات قُتل حسين الحجيري في عرسال وفي الحالتين لم تؤت جهود الدولة أي ثمار ليبقى المجرمان فارين، ولو كان أي من الحادثين ليحصل في مناطق سيطرة “حزب الله” لاستطاعت أجهزته من ضبط الفاعلين في وقت بسيط.

ليس مهماً أن تجري الدولة إنتخابات بلدية تستفتي الناس على ولائها للقوى السياسية التي تؤلف مجتمعة هذه الدولة الواهنة وهي ذاتها تلعب، بتناحرها ومحاصصتها، الدور الأكبر في إضعاف الشخصية المعنوية للدولة. وليس مهماً أن تعقد الدولة الصفقات التي تصب في جيوب الفاسدين المنتمين إلى كل القوى السياسية، وليس مهماً أن يسعى هؤلاء الساسة إلى إقناعنا بأنهم يعملون لمصلحة الوطن ويختلفون عليها.

كل هذا ليس مهما وليس مفيداً طالما أننا لانتمتع بالحد الأدنى من الدولة، التي تؤمن لمواطنيها وعلى امتداد مساحتها الجغرافية الأمن والعدال والخدمات الأساسية. هل تحرّرنا من السلاح الذي يقضي على الناس ابتهاجاً أو عمداً أو ثأراً؟ هل تحرّرنا من حزب يبسط هيمنته على شريحة من اللبنانيين وعلى مناطق واسعة ويتصرّف على هواه لأنه يعرف أن لا دولة موجودة؟ هل تحرّرنا من ثقافة الفساد وتغطية المرتكبين؟ هل تحرّرنا من منطق التبعية والاستزلام والمحسوبيات التي تأتي بالرجل في المكان غير المناسب؟ هل تحرّرنا من الانخراط في مناكفات داخلية تنتهتي بتسويات مفسلة بعدما تكون قد أثّرت في الناس وجيّشت الرأي العام وزرعت في صفوف الناس منطق الكراهية والحقد؟

الأسئلة تطول وإلى أن يجد اللبنانيون أنفسهم يعيشون في ظل دولة تستطيع أن تجيب على كل أسئلتهم بأفعال واضحة المعالم ولها وجودها على أرض الواقع، عندها فقط يمكن أن يكون لبنان قد تحرّر وحينها فقط يمكن الاحتفال، وما عدا ذلك فإن ذكرى 25 أيار لا تتعدى كونها مجرّد فصل في مسرحية تكريس هيمنة “حزب الله”… ولا حاجة للبلد لا بمسرحيات إضافية ولا بتحرير منقوص.