IMLebanon

أميركا .. نفوذ متزايد للمرضى على هيئة الغذاء والدواء

fda
ديفيد كراو

توجه أوستن ليكلير بكرسيه الكهربائي المتحرك نحو قاعة الفندق الرئيسة، واستعد لما يمكن أن يصفه لاحقا بأنه اللحظة الأكثر مدعاة للفخر في حياته. عند أخذه المايكروفون، ناشد الفتى الذي يبلغ من العمر 17 عاما الجهات المنظمة الأمريكية الموافقة على علاج تجريبي للمرض القاتل الذي يعانيه والذي يُهلِك جسمه. قال أمام جمع من العلماء والأطباء: “إنه يجعلني أتناول الطعام بنفسي، ويمنحنا فرصة. لقد حان الوقت للاستماع للخبراء الحقيقيين”.

يعاني أوستن مرض “دوشين”، وهو اختلال جيني نادر الحدوث يؤدي إلى عدم وصول تغذية كافية إلى العضلات ويسبب وفاة ضحاياه – تقريبا جميعهم من الذكور – في سن مبكرة، عادة قبل أن يبلغوا 25 عاما. وكان هو واحدا من أكثر من 150 طفلا مريضا يحضرون اجتماعا نظمته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الشهر الماضي، ناقشت خلاله ما إذا كان ينبغي إعطاء الضوء الأخضر لإصدار عقار إتيبليرسين؛ أول دواء لعلاج هذا المرض.

من المقرر أن تعلن إدارة الغذاء والدواء غدا ما إذا تمت الموافقة على هذا الدواء، وهذا يعد حكما يوصف بأنه واحد من أكبر الاختبارات لقدرة الوكالة على العمل في عصر من “سلطة المرضى”.

يتحد آباء الأطفال الذين يعانون مرض دوشين وأطباؤهم المعالجون في المطالبة بإنزال الدواء إلى الأسواق، على الأرجح بسعر يعادل مئات الآلاف من الدولارات سنويا لكل مريض. لكن هناك شكوكا عميقة بين علماء إدارة الغذاء والدواء وغيرهم في المؤسسات الطبية، الذين يقولون إن هناك أدلة ضئيلة على نجاعة العقار.

تقول ديانا زوكرمان، رئيسة المركز الوطني لبحوث الصحة: “إذا تمت الموافقة على هذا الدواء – بناء على أكثر البيانات إثارة للشفقة التي رأيتها في حياتي – حينها سيشكل ذلك سابقة غير مريحة على الإطلاق”.

وتحاول “ساريبتا”، مجموعة التكنولوجيا الحيوية في بوسطن التي تنتج إتيبليرسين، تأمين حكم إيجابي من إدارة الغذاء والدواء باستخدام تجارب سريرية يجري فيها اختبار العقار على 12 ولدا، وهي عينة صغيرة جدا من المرضى حتى بالنسبة لمرض نادر. وعندما بدأت الشركة تجاربها في عام 2011، قالت إنه لا يمكنها تحمل تكاليف تصنيع ما يكفي من هذا الدواء من أجل إجراء دراسة أكبر حجما.

مرضى دوشين، الذين يراوح عددهم ما بين تسعة آلاف و12 ألف مريض في الولايات المتحدة، لا تنتج أجسامهم الديستروفين، وهو بروتين يعمل على امتصاص الصدمات ويمنع تعرض العضلات للإهلاك. ويتطور المرض بطريقة لا يمكن للمرضى وآباؤهم تحملها. في الصغر، يسقط الأطفال أرضا أكثر من أقرانهم ويعانون أثناء تسلق الدرج، أو أثناء الركض. وعند بلوغهم 12 عاما، تقتصر حياة معظمهم على الكرسي المتحرك. ويكون سبب الوفاة عادة الفشل في الجهاز التنفسي أو القلب.

تعديل الشيفرة الجينية

من الناحية النظرية، يعمل دواء إتيبليرسن على جعل الجسم ينتج نوعا من الديستروفين عن طريق تعديل جزء معيب في الشيفرة الجينية. وهو يستهدف 13 في المائة من المرضى الذين يعانون عيبا وراثيا محددا، لكن إذا نجح الدواء، فإن شركة ساريبتا تعتقد أن بإمكانها استخدام التكنولوجيا لمساعدة كثير من الأولاد الآخرين. لا أحد يقول إن الدواء سوف يوقف أو يعكس المرض، لكن الأنصار يدَّعون أن بإمكانه إبطاء تطوره، بحيث يتمكن المرضى من العيش حياة أطول وأكمل.

الاعتقاد بمدى نجاح هذا الدواء يعتمد على الشخص المؤهل أكثر من غيره لإصدار الحكم – الجهات المنظمة أو المرضى الذين يتناولون العلاج. على حد تعبير أوستن، من هم “الخبراء الحقيقيون”؟ على الرغم من أن شركة ساريبتا تسعى للحصول على الموافقة استنادا إلى بيانات جمعتها من 12 ولدا، تم إعطاء الدواء إلى ما لا يقل عن 100 ولد آخر، وأفاد جميع آبائهم بوجود تحسن كبير.

نادرا ما نرى مثل هذا المستوى من الدعم المقدم لعقار جديد، ناهيك عن أنه مرض تعانيه قلة قليلة من الناس. اضطرت إدارة الغذاء والدواء إلى نقل اجتماع الشهر الماضي من مقرها في إحدى ضواحي واشنطن العاصمة إلى فندق قريب، بحيث يمكنها استقبال أكثر من ألف شخص من المدافعين الذين جاؤوا بهدف الضغط من أجل الحصول على الموافقة. وعلى مدى 3 ساعات تقريبا، تحدث أكثر من 50 شخصا من أجل الضغط على إدارة الغذاء والدواء.

لدى جين ماكناري، والدة أوستن، ابنان يعانيان المرض ويتناولان إتيبليرسن. الابن الأكبر، ماكس، البالغ من العمر 14 عاما، كان أحد المشاركين في “كولومبوس 12″، وهي التجربة التي تجريها شركة ساربيتا كأساس للموافقة، والاسم مستعار من عاصمة ولاية أوهايو، حيث أجريت الدراسة.

وتقول إنها شهدت “عددا لا يصدق من الفوائد لدى ابنيها”. مثلا، ماكس لا يزال يمكنه المشي، في الوقت الذي يستطيع فيه أوستن، الذي كان يستخدم كرسيا متحركا قبل بدء تناول الدواء، إمساك الأشياء ورفع يده فوق رأسه.

إذا كان ذلك التحسن الذي طرأ على طفلي ماكناري وغيرهما من الأطفال المصابين بالمرض سببه تناول العلاج، حينها قد يكون من المعقول افتراض أن عضلاتهم تضعف بشكل أبطأ من قبل، وأنهم ربما يعيشون حياة أطول في النهاية.

اختبار الدقائق الست

مع ذلك، ليس هناك ما هو أكبر من التناقض بين التجارب التي أبلغ عنها الآباء والأمهات وبين آراء علماء إدارة الغذاء والدواء. قضى موظفو قسم أمراض الأعصاب في الوكالة، المكلفون بمراجعة تطبيق ساريبتا واستعراضه، جانبا كبيرا من السنوات الأربع الماضية في الضغط على الشركة لإجراء دراسات سريرية أكبر وأفضل، دون تحقيق أي نجاح. الآن يتعين على إدارة الغذاء والدواء أن تبني قرارها على تجربة “كولومبوس 12”.

لم تكن المحاولة ضئيلة الحجم فقط بل كانت معيبة وبشكل كبير، وفقا للمراجعين لدى إدارة الغذاء والدواء. في البداية تم إعطاء أربعة أولاد علاجا مموها بدلا من عقار إتيبليرسين، لكن الشركة بدأت في إعطائهم العلاج بعد مضي 12 أسبوعا – قبل أن تقرر ما إذا كان فاعلا لدى المرضى الآخرين.

وخرقت تلك الإجراءات واحدة من الركائز التي يقوم عليها اختبار العقار: بعض المرضى ينبغي إعطاؤهم الدواء المموه للتأكد من أن المرضى الآخرين يستجيبون بالفعل للعلاج، بدلا من العوامل الأخرى، مثل الأمل أو الضغط العائلي.

لتحديد ما إذا كان الدواء فاعلا، قاس الباحثان المسافة التي يمكن للأولاد قطعها خلال ست دقائق. في غياب بيانات الدواء المموه، اضطروا إلى مقارنة النتائج التي توصلوا إليها بتاريخ المرضى الإيطاليين والبلجيكيين الذين يزعم أنهم كانوا يعانون الأعراض نفسها – وهو أسلوب محفوف بالعيوب الإحصائية.

الأسوأ من ذلك، قالت شركة ساريبتا إنه ينبغي أن يُستبعَد من النتائج ولدان توقفا عن المشي بعد فترة قصيرة من تناول العلاج.

وأنهى الباحثون الذين يعملون في تجارب شركة ساريبتا أيضا إنجاز الخزعات العضلية وأفادوا بأن الأولاد ينتجون مستويات مرتفعة جدا من الديستروفين. لكن عقب تفتيش إدارة الغذاء والدواء، اكتشف المنظمون أن الأساليب المعيبة أدت إلى نتائج كانت مضللة بشكل كبير: كانت المستويات أقل بكثير – نسبتها فقط 0.9 في المائة من الكمية التي يمكن لطفل يتمتع بصحة جدة إنتاجها، مقابل نسبة 50 في المائة التي ادَّعَتها الشركة.

ومع مرور الوقت، توترت العلاقات بين إدارة الغذاء والدواء وشركة ساريبتا، إلى درجة أنه في نيسان (أبريل) استبدلت الشركة رئيسها التنفيذي في محاولة لاستعادة الثقة. يقول براد لونكار، وهو مسستثمر تكنولوجيا حيوية مستقل لا يمتلك أسهما في شركة ساريبتا: “شعرت إدارة الغذاء والدواء بتعرضها للخداع. لقد شعروا بأنه قد غرر بهم بطريقة غير عادلة وهناك بعض الاستياء حيال ذلك”.

في نهاية اجتماع الشهر الماضي، صوتت مجموعة من المستشارين الخارجيين الوافدين إلى إدارة الغذاء والدواء بنتيجة سبعة إلى ثلاثة، مع امتناع ثلاثة، على منح الموافقة لإصدار عقار إتيبليرسن. وعلى الرغم من الإقرار بسلامة العقار، خلصوا إلى أن النتائج الواردة من تجربة “كولومبوس 12” لم تثبت أنه علاج ناجح.

لكن كانت هناك فرصة لإجراء استفتاء حول ما إذا كان ينبغي منح الدواء شكلا من الموافقة المشروطة أو “المتسارعة” – سبعة مقابل ستة مؤيدين. لا يتعين على إدارة الغذاء والدواء الإصغاء للتصويت الاستشاري، وأدت النتيجة المتقاربة، مقترنة مع الشعور القوي في مجتمع مرض دوشين إلى أن يأمل بعض الآباء بأنهم سيتمكنون قريبا من الحصول على الدواء. ويوافق بعض المستثمرين على ذلك: قفزت أسهم شركة ساريبتا 15 في المائة منذ ذلك الاجتماع.

قرار تنفيذي

منذ بداية أزمة مرض الإيدز في الثمانينيات، عندما ضغط المدافعون عن المرضى الذين يموتون وأفلحوا في أن يعطى هؤلاء المرضى أدوية تجريبية غير مثبتة، تتعرض إدارة الغذاء والدواء للضغط لتصبح أكثر سرعة، وأكثر مرونة إلى حد ما. وقد سمحت تغييرات تشريعية للوكالة بالموافقة على بعض العقاقير على وجه السرعة، عادة في الحالات التي يكون فيها المرضى على وشك الموت، لكن مع قليل من البيانات السريرية. ويطلب القانون الصادر في عام 2012 من الجهات المنظمة أيضا أن تأخذ في الحسبان رغبات المرضى وعائلاتهم.

يأمل الآباء والأمهات، أمثال ماكناري، أن ينقض مديرو إدارة الغذاء والدواء رأي علماء ومستشاري الوكالة ويمنحوا الدواء الموافقة المستعجلة. وقد وجدوا بعض العزاء في تعليقات الدكتورة جانيت وودكوك، رئيسة وحدة تقييم الأدوية في الوكالة، التي اتخذت خطوة غير عادية بحضورها اجتماع الشهر الماضي للإدلاء ببعض الملاحظات الافتتاحية.

قالت الدكتورة وود أمام الحضور إن الوكالة تقضي الكثير من وقتها في محاولة عدم الموافقة على أدوية غير فاعلة، لكنها حذرت بأنه كان هناك “اعتبار قليل لخطأ آخر، وهو إخفاق الوكالة في منح الموافقة لأدوية أخرى تكون ناجحة فعلا”. الموافقة المستعجلة، بطبيعتها، تتطلب من إدارة الغذاء والدواء أن تقول نعم للأدوية ذات الطبيعة الأكثر غموضا، بحسب ما أضافت.

ويقول لونكار: “إذا كان هذا الأمر متروكا لعلماء إدارة الغذاء والدواء، حينها سيتم رفضه كليا. إنه بالتأكيد موقف سيتعين فيه على الدكتورة وودكوك اتخاذ قرار تنفيذي”.

ومثل هذه المواقف غير عادية بالنسبة لإدارة الغذاء والدواء، لكنها غير مجهولة. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل على المرضى تنظيم أنفسهم وممارسة الضغط. في العام الماضي وافقت الجهات المنظمة على عقار فيلبانسرين، وهو عقار للعجز الجنسي عند النساء يطلق عليه اسم “فياجرا النساء”، عقب حملة بارزة سعت لتصوير إدارة الغذاء والدواء وكأنها متحيزة جنسيا.

ولدى الحملات التي ينظمها المرضى القليل من القيود المفروضة على التمويل الذي يمكنهم الحصول عليه. وقد تلقت كثير من جماعات مرض دوشين الأموال النقدية من شركة ساريبتا وغيرها من شركات المستحضرات الصيدلانية الأخرى التي تعمل على تطوير الأدوية الخاصة بذلك المرض، تماما مثلما كان أنصار عقار فيلبانسيرين يحصلون على تمويل جزئي مقدم من الشركة التي تقف وراء هذا الدواء.

ويحذر الأطباء والعلماء المتشككون من أن سلطة المرضى ازدادت بشكل كبير. ويقولون إنه إذا وافقت إدارة الغذاء والدواء على عقار إتيبليرسين، فإنها يمكن أن تبشر بعهد جديد في مجال الأدوية، حيث يمكن لمجموعات المرضى ذات التنظيم الجيد وعائلاتهم التغلب على الأدلة العلمية. ويقول عدد من الأشخاص المنخرطين في قضية عقار إتيبليرسين إنهم تعرضوا للتخويف من قبل مجتمع مرض دوشين. وتحدثت لورا جوتشالك، العالمة في المركز الوطني لبحوث الصحة، ضد الموافقة خلال اجتماع الشهر الماضي. وتقول إنها بعد ذلك تبعها رجل إلى سيارتها وهو يقذف الشتائم ثم بعد ذلك هدد بأن يلكم زميلها في وجهه.

ويقول طبيب يقدم المشورة إلى إدارة الغذاء والدواء إنه تلقى رسالة إلكترونية مسيئة بعد الاجتماع. وامتنع كثيرون آخرون عن التحدث عن الموضوع خوفا من إشعال عواقب مماثلة. إن مثل هذه المشاعر المتأزمة ربما تفهم بشكل أفضل في سياق ما هو على المحك: إذا لم توافق إدارة الغذاء والدواء على عقار إتيبليرسن، ربما ستتخلى شركة ساريبتا عن هذا الدواء، ما يعني أن المرضى الذين يتلقون العلاج سيجدون أنفسهم عائدين بخفي حنين. وستكون مجموعة التكنولوجيا الحيوية ثالث شركة يرفض دواؤها الخاص بعلاج ضمور العضلات في السنة الماضية، وهو أمر يمكن أن يكون له أثر سيئ على الاستثمار في أبحاث المرض.

تقول ماكناري: “إذا لم يكن هناك مسار ناجح أمام ساريبتا وتوقفت عن الوجود، عندها لن نفقد فقط القدرة على الاستفادة من دواء يُبقي الأولاد قادرين على الحركة. سنفقد أيضا الأمل في أن شركات أخرى تهتم بمرض دوشين سوف تواصل طريقها”.

ورغم الوضع المأساوي الذي يمكن أن تصل إليه نتيجة من هذا القبيل، يجادل آخرون بأن البيانات القوية، وليس العواطف، هي التي ينبغي أن تحكم ما إذا كان يجب الموافقة على الأدوية. يقول طبيب يوجه النصح والمشورة للوكالة: “إذا تمت الموافقة على الدواء، فلا أدري سببا يجعلنا نحتاج إلى إدارة الغذاء والدواء. هل هذا الأمر يتعلق بالجوانب العلمية أم أن كل ما يهمهم هو محكمة الرأي العام؟”.