IMLebanon

أزمة اللاجئين: المقاربة التنموية بدلاً من المقاربة الإنسانية

Syrian-refugees-lebanon
لا يمكن لبنان أن يستمر بالتعامل مع أزمة اللاجئين بالطريقة نفسها بعد مرور سنوات عدة على تدفّق أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ. المنظمات الدولية بدأت تغيّر مقاربتها الإنسانية، منتقلةً إلى مقاربة تنموية تقوم على خلق فرص عمل للاجئين لدعمهم، فيما ترى الحكومة في هذه الخطوة تمهيداً نحو التوطين. أمّا القطاع الخاص والمصارف، فبدأوا يستعدون لعملية إعادة الإعمار في سوريا، بالتوازي مع الضغط المستمر لإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص

إيفا الشوفي

ست سنوات مرت على الأزمة السورية، نتج منها 12 مليون نازح ولاجئ داخل سوريا وخارجها. تدفق الهاربون من الحرب إلى دول الجوار، وكان الجميع، من حكومات ومنظمات دولية، يعتقد أن الأزمة ستطاول بضعة آلاف من الأشخاص لبضعة أشهر.

في لبنان، تجاوز عدد اللاجئين مليوناً ونصف مليون لاجئ، من دون أن تضع الحكومة أي خطة للتعامل مع الأزمة، ما زاد التداعيات الاقتصادية والاجتماعية سوءاً. اليوم، بعد مرور سنوات على اللجوء السوري، وفي ظل تراجع التمويل المخصص للأزمة، يتركّز النقاش في لبنان على ثلاثة محاور أساسية، هي: الخوف من التوطين، الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإعادة إعمار سوريا، وهو ما ناقشه «المنتدى الإقليمي لإغاثة اللاجئين وإعادة إعمار سوريا» خلال اليومين الماضيين.

فزاعة التوطين

المقاربة الجديدة التي تسعى المنظمات الدولية إلى المضي بها تقوم على الانتقال من سياسة المساعدات الإنسانية إلى سياسة تنموية على المدى المتوسط والطويل الأجل إلى حين إيجاد حل للأزمة السورية. تقول ميراي جيرار، ممثلة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “نحن بحاجة للمساعدات في القطاع الزراعي، في البنى التحتية، في مشاريع المياه… ونتطلع إلى العمل على توفير سبل المعيشة للاجئين. لا نتحدث هنا عن دمج دائم، بل فقط خلق بعض الأعمال التي تمكنهم من دفع إيجار منازلهم وتوفير غذائهم وإرسال أطفالهم إلى المدارس”. تعبّر جيرار عن وجهة نظر المفوضية بضرورة تغيير المقاربة الإنسانية، إذ لا يمكن بعد مرور 5 سنوات أن تبقى المقاربة نفسها، فالتبعية للمساعدة هي العدو الحقيقي برأي جيرار، التي توضح قائلةً: “لقد رأيت أشخاصاً يعيشون في مخيمات منذ 20 عاماً وفقدوا الثقة بأنفسهم وبإمكاناتهم، وهذا ما يؤدي إلى خوفهم من العودة إلى بلادهم. لا يعتقد أحد أنه إذا اعتمدنا مقاربة مختلفة على المدى المتوسط فسننفق أقل، ونحن لا نسعى إلى الحلول مكان السلطات المحلية”.

السلطات المحلية، ممثلةً بوزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، ترى أنّ “شغلتين بتطلع ريحتن بالبيت بعد يومين، السمك والضيف”. بهذه اللهجة يعبّر الوزير عن “هواجس” المجتمعات المضيفة، ويستطرد بسؤال: هل يمكن أن يعيش شعب على الهبات والمساعدات؟ يجيب: “كانت الاستراتيجية تقوم على الهبات، لكن المسألة أبعد من هذا. يجب إيجاد حل، فإذا طالت الأمور وبقيت الاستراتيجية نفسها، فستصبح هذه المساعدات مثل مساعدات الأونروا”.
تتحدث جيرار عن بعض العقبات التي واجهت عمل المفوضية، ومنها أن الحكومة منعت إقامة مخيمات رسمية، إلّا أن هذا الأمر انعكس إيجاباً على لبنان، لأنه ساعد في دعم المجتمعات المضيفة عبر تجهيز المستشفيات والمدارس… “لكن كان ممنوعاً المسّ بالأراضي حيث يوجد اللاجئون، فلم يكن ممكناً إقامة نظام لإمدادات المياه، وكان لا بد من تغيير الخيم سنوياً”. تقول جيرار: “لا يمكن أن نبني نظام مياه صالح للشرب، لأننا في مزاج “المؤقت”، لكن وضع اللاجئين لم يعد محمولاً”. اليوم، أكثر من نصف المجتمع غير قانوني، لأنه ليس لديه المال لتجديد إقاماته، الكثيرون غير قادرين على ارسال أولادهم إلى المدارس، ازدادت عمالة الأطفال وارتفع دين العائلة السورية من 800 دولار إلى 1000 دولار.
تُنهي جيرار بجملة تفتح باب الانتقال إلى نقاش “الهيئات الاقتصادية” التي “تحارب” للاستفادة من الأزمة عبر الضغط لإقرار مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فتقول: “نحن نتحدث عن مستوى جديد من الدعم، أكبر من المعتاد، لأن المسألة لن تحل قريباً، وهذا ما أدركه المشاركون في مؤتمر لندن”.

القطاع الخاص: اللهث خلف الشراكة

بقدر ما يتخوّف السياسيون من فكرة خلق وظائف للاجئين، يستخدم القطاع الخاص بقوة هذه الفكرة للضغط من أجل إقرار مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. يرى زياد حايك، الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة، الشراكة وسيلة لتحقيق هذا الأمر، ويلخص الأمر ببساطة، قائلاً: نحن بحاجة لبنى تحتية، سواء كان هناك لاجئون أو لا، وحكومتنا ليس لديها الأموال لذلك. بالمقابل، يملك القطاع المصرفي موارد نقدية كثيرة، ويريد أن يجد سبيلاً للاستثمار في مشاريع من دون اللجوء إلى إقراض الحكومة. أمّا اللاجئون، فيوفّرون اليد العاملة الأقل ثمناً تاريخياً، ما يوفّر خبرة للمستثمرين.
يُطلعنا حايك على خبرين: الأول هو أننا أمام فرصة لاعتماد الشراكة، لكن لسوء الحظ لم تقرّ الحكومة التشريعات. والثاني هو أنّ القطاع الخاص لا يحتاج التشريع لتنفيذ مشاريع شراكة، لأن هذه المشاريع موجودة منذ زمن. لكن لماذا يحتاج القطاع الخاص إلى الشراكة؟ “لإرساء أفضل الممارسات التي تُعَدّ مهمة جداً لتنفيذ الأمور بنحو صحيح، لأن جميع مشاريع الشراكة التي قمنا بها فشلت”، يقول حايك. فعلياً، يناضل هؤلاء لإقرار مشروع الشراكة بهدف الاستفادة من المشاريع المخصصة للاجئين والمجتمعات المضيفة، وهم انتقلوا إلى مرحلة الإعداد للمشاريع التي من الممكن أن يستفيدوا منها في ظل وجود اللاجئين. يتحدث رئيس تجمّع رجال الأعمال فؤاد زمكحل، عن ضرورة استخدام قدرات اللاجئين لتقوية قطاع الزراعة، كذلك دعم قطاع الإنشاءات والبنى الذي كان يعمل فيه نحو 500 ألف سوري قبل الأزمة، إضافة إلى إنعاش القطاع الصناعي. لا يتوقف زمكحل هنا، بل يتطلع مستقبلاً: علينا أن نجهز أنفسنا لإعادة إعمار سوريا، إذ سيمر جزء كبير عبر لبنان.

إعادة الإعمار

تقول وزيرة المال السابقة ريا الحسن، إنه “ليس مبكراً أبداً أن نبدأ بنقاش عملية إعادة الإعمار في سوريا”. الحسن، التي عملت مساعدةً لوزير المال بين عامي 1995 و1999، تحدّثت عن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة لبنان في إعادة الإعمار من الناحية المالية، باعتبارها واكبت هذه الفترة. أمّا نتائج إعادة الإعمار المأسوية في لبنان، فليست ضمن حسابات منظمي المؤتمر. فبعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان دُمّر وسط بيروت، ازداد الدين العام، بُني اقتصاد ريعي غير منتج، ازداد الحرمان وارتفعت موجات الهجرة. كل هذا بسبب “إعادة الإعمار”.
برأي الوزيرة السابقة، أيّ عملية إعادة إعمار يجب أن تترافق مع خطة اقتصادية شاملة طويلة الأمد تخلق فرص عمل وتسهّل بيئة الأعمال، ويجب بذل جهود لاستقطاب هبات وقروض ميسرة وإعطاء المانحين مروحة واسعة من الخيارات، ووضع لائحة أولويات بالمشاريع المطروحة. كذلك يجب إيجاد مزيج بين القطاعين العام والخاص، الأخذ في الاعتبار الشق الاجتماعي ومشكلة الفقر، والاستناد إلى إحصاءات لوضع سياسات اجتماعية واقتصادية. اعترفت الحسن بأن لبنان لم يتقيّد بأي منها.
اللاهث الأكبر وراء إعادة الإعمار هو القطاع المصرفي الذي يموّل اليوم رجال الأعمال السوريين خارج سوريا، وفق ما قال الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر. تسعى المصارف إلى مواكبة إعادة تأهيل المشاريع الصناعية مثل مصانع الإسمنت، ولعب دور الوسيط مع المؤسسات المالية الدولية للاستحصال على قروض ميسرة. تعوّل المصارف على وجودها في سوريا، إذ هناك 7 مصارف لبنانية في سوريا ستشكّل مدخلاً للقطاع للمشاركة في إعادة الإعمار.