IMLebanon

هل يتعظ “حزب الله” قبل فوات الأوان؟ (بقلم رولا حداد)

hezbollah

كتبت رولا حداد

لا يتردد “حزب الله” عند كل منعطف في التأكيد أن لبنان كدولة ومؤسسات واقتصاد ومجتمع ليس موجوداً في حساباته، ولا حتى في أدبياته إلا بما يخدم مصالح الحزب إقليمياً.

فالحزب الذي انتهك كل مقومات السيادة اللبنانية بالذهاب للقتال في سوريا والتدريب في اليمن والعراق، استفاق مؤخراً على منطق سيادة الدولة اللبنانية عند تطبيق مصرف لبنان والمصارف اللبنانية قانون العقوبات الأميركية!

والحزب الذي لم يُسجّل في الحكومات التي شارك فيها اعتباراً من العام 2005، ولا في المجالس النيابية المتعاقبة التي دخلها اعتباراً من العام 1992، أي مشروع قانون يتعلق بالمصارف اللبنانية أو برفع الضرائب على أرباح المصارف، نراه اليوم عبر تسريبات من هنا وتهديدات من هناك يهدّد المصارف بأنه سيطالب بان تصبح الفائدة على سندات الخزينة صفر %، وبرفع الضرائب على أرباح المصارف الى 30%!

حبّذا لو كانت تهديدات “حزب الله” غير مرتبطة بصفقة يعرضها على المصارف، عنوانها المقايضة ما بين السماح لكل أنواع تبييض الأموال التي يمارسها الحزب في مقابل غض النظر عن أرباح المصارف. وحبّذا لو كان اهتمام الحزب ينصبّ فعلا على مصالح اللبنانيين الذين يودعون أموالهم في المصارف اللبنانية!

لكنّ قيادة “حزب الله” تدرك جيدا أن ليس في يد مصرف لبنان وجمعية المصارف أي خيار غير تنفيذ القانون الأميركي. حتى الأوروبيين أدركوا أنهم باتوا ملزمين بتنفيذ هذا القانون. فالاقتصاد العالمي برمته مرتبط بالدولار الأميركي، وبالخزانة الأميركية وقوانينها حتى إشعار آخر. برميل النفط وأونصة الذهب وغيرها من المعادن تقاس قيمتها بالدولار الأميركي وليس أي عملة أخرى. وبالتالي فإن لا خيار أمام مصرف لبنان والمصارف اللبنانية سوى الالتزام بالقانون الأميركي تحت طائلة عزل القطاع المصرفي في لبنان عالمياً، ومنع أي تحويلات من والى لبنان، ما يؤدي الى عزل لبنان مالياً عن العالم، وهذا ما يعني سقوط آخر الأعمدة التي لا تزال صامدة في لبنان، أي القطاع المصرفي. وسقوط هذا القطاع يعني انهيار لبنان بالكامل وانهيار الدولة وتجويع اللبنانيين!

ما نقوله ليس تهويلاً على الإطلاق بل هو القراءة الأكثر واقعية. فعزل القطاع المصرفي في لبنان عن العالم يعني الإفلاس الفوري للمصارف التي ستصبح عاجزة عن القيام بأي عملية تجارية والاكتتاب في البورصات والأسواق العالمية، وستعجز بالتالي عن دفع أموال المودعين لديها. وإفلاس المصارف اللبنانية التي تموّل الدولة ومؤسساتها يعني سقوط الدولة وإفلاسها، وعدم قدرتها حتى على دفع الرواتب. ويعني أيضاً وقف كل المشاريع الخارجية والهبات وعمل المؤسسات الدولية في لبنان على كل المستويات… فهل من يدرك كل المخاطر التي ستنجم عن مثل هذه الخطوة؟

في هذا الوقت، ينبري “حزب الله” للتهويل على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى المصارف اللبنانية، ساعة بتحركات ميدانية ذات طابع أمني، وساعة أخرى بالتوجه لفرض المزيد من الضرائب على المصارف ومنعها من تحقيق أرباح، وذلك في محاولة فاشلة لإيجاد “تسويات” تؤمن له التحايل على القانون الأميركي، وهذا ما يُعدّ من سابع المستحيلات.

عوضاً عن ذلك يجدر بـ”حزب الله” أن يكف عن أن يكون ذراعاً للحرس الثوري الإيراني في لبنان مع امتدادات خارجية وخلايا نائمة، وأن يوقف عمليات تبييض الأموال وتجارة المخدرات والسلاح عبر العالم لتمويل أنشطته. ويجدر بـ”حزب الله” أيضاً أن يكف عن أن يكون دويلة خارج الدولة اللبنانية، فيسلّم سلاحه ويوقف قتاله وعمليات من سوريا والعراق واليمن مرورا ببلغاريا وصولا الى الأرجنتين وغيرها من الدول. وحدها مثل هذه الخطوات تحمي البيئة الشيعية الحاضنة للحزب في لبنان، وتحمي جميع اللبنانيين. أما الاستمرار في سياسة التحدي فلن تجلب سوى الويلات على “حزب الله” وبيئته وعلى جميع اللبنانيين. فهل يتعظ “حزب الله” قبل فوات الأوان؟!