IMLebanon

الديون السيادية .. سابقة تشجع صناديق التحوط على ملاحقة الدول المدينة

argentina-currency
روبن ويجلزويرث وإلين مور

في الساعة 8:13 صباحا في نيويورك في 22 نيسان (أبريل)، دخل نحو 2.4 مليار دولار إلى الحساب المصرفي لصندوق إليوت مانيجمينت، وهو صندوق تحوط مخيف معروف بملاحقته الدؤوبة للبلدان التي تعجز عن سداد ديونها.

الأموال جاءت من الأرجنتين، آخر دفعة من حملة قانونية شديدة مستمرة منذ 15 عاما من صندوق إليوت ضد هذا البلد من أمريكا الجنوبية. وكان صندوق إليوت قد قاد مجموعة من الدائنين الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد بوينس آيرس بعد أن عجزت عن سداد 80 مليار دولار من الديون في عام 2001، وبلغ الأمر ذروته في الحصار المالي للأرجنتين الذي أسفر عن عجز آخر في عام 2014.

هذا العام، حكومة الرئيس موريسيو ماكري الإصلاحية أنهت الكارثة. في شباط (فبراير)، توصلت الأرجنتين إلى اتفاق مع صندوق إليوت، ومجموعة من صناديق التحوط الأخرى والدائنين الذين رفضوا أخذ عرض إعادة هيكلة الديون العقابية الأصلية من الأرجنتين. لقد تم جمع الأموال في نيسان (أبريل) من خلال أكبر عملية بيع للسندات – بقيمة 16.5 مليار دولار – من قبل أي بلد في البلدان النامية.

القصة الطويلة التي استحوذت على عالم الديون السيادية انتهت أخيرا، إلا أن مختصي الاقتصاد والمحامين يدرسون الآن الآثار الأوسع. الشك هو أن التكتيك القانوني الذي استخدمه صندوق إليوت بنجاح – وأرباحه الكبيرة – يمكن أن يشجع صناديق التحوط الأخرى على محاولة استغلال البلدان التي تعاني محنة ويجعل من الصعب أكثر على الدول مواجهة أعباء الديون المفرطة.

يقول جوزيف ستجليتز، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل: “إنها كارثة بالنسبة للعالم. إنها تضع سابقة سيئة جدا وستسبب الكثير من القلق في النظام المالي العالمي”.

علاوة على ذلك، عمليات الإفلاس من بلدان مثل اليونان وأوكرانيا أسهمت في تفاقم خطوط الصدع الأخرى التي يمكن أن تعقد عملية إعادة هيكلة الديون السيادية. هذا مصدر قلق مباشر، لأن دولا مثل فنزويلا ومجموعة من الدول الأخرى التي تعتمد على صادرات السلع الأساسية تواجه صعوبات.

احتشد أوصياء النظام المالي استجابة لهذه المخاوف. صندوق النقد الدولي وهيئات الصناعة المالية أمضت الأعوام القليلة الماضية في إصلاح جوانب هيكلة عمليات الإفلاس السيادية. لكن يبقى السؤال مطروحا ما إذا كانت هذه التدابير، مثل شروط السندات المعززة، ستكون كافية.

التعامل مع الدائنين

عندما رست السفينة الحربية الأرجنتينية، ليبرتاد، في ميناء تيما في غانا في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، توقع القبطان وطاقم السفينة المكون من 220 شخصا زيارة قصيرة ودية ممتعة إلى هذه الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. لكن صندوق إليوت مانيجمينت كان قد قرر عكس ذلك.

في غضون يوم من رسو السفينة، رفع محامو صندوق إليوت دعوى للمطالبة بالسفينة تعويضا جزئيا عن ديون الأرجنتين. في نهاية المطاف، حكمت محكمة تابعة للأمم المتحدة بأن سفينة ليبرتاد تتمتع بحصانة سيادية، الأمر الذي سمح لطاقمها بالإبحار إلى الوطن. لكن صندوق إليوت تمتع بنجاح أكثر بكثير في المحاكم الأمريكية.

جميع السندات لديها مجموعة من الشروط والأحكام. جادل صندوق إليوت أن أحدها يسمى شرط باريباسو (عبارة لاتينية تعني “بالتساوي”) كان يعني أن الأرجنتين لا تستطيع الاستمرار فب تجاهلهم وأن تدفع في الوقت نفسه إلى الدائنين الذين قبلوا على مضض عروض الـ 30 سنتا لكل دولار، المقدمة في عام 2005 وعام 2010 واحتفظوا بسندات “تبادل” جديدة.

ليس فقط أن توماس جريزا، القاضي في إحدى مقاطعات الولايات المتحدة، يتفق مع تفسير صندوق إليوت، لكنه أيضا أصدر أمرا قضائيا ضد أي شخص يساعد بوينس أيرس على تجنب الأمر. من الناحية العملية، هذا ترك الأرجنتين مع خيار بغيض بين الدفع لأعدائها أو العجز مرة أخرى. في عام 2014، الرئيسة كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر اختارت الخيار الأخير.

بعد أن توصلت حكومة ماكري الأكثر سلاسة إلى اتفاق مع صندوق إليوت وغيره من الدائنين في وقت سابق من هذا العام، رفع القاضي جريزا الأمر القضائي، والعجز تم “إصلاحه” الآن والأرجنتين أعيد تأهيلها. لكن التقاضي يمكن أن يترك إرثا كبيرا.

يقول ميتو جولاتي، أستاذ القانون في جامعة ديوك، إن كثيرا من السندات السيادية لديها أحكام من قبيل باريباسو، وطفرة صندوق إليوت المالية يمكن أن تشجع الدائنين الآخرين على متابعة تكتيكات مماثلة في المستقبل. “أنا أخشى أن هذا الفيلم لم ينته بعد. العوائد المحتملة مذهلة ويمكن أن تخلق صناعة كاملة من صناديق إليوت الصغيرة”.

على الرغم من أن كل حالة تختلف إلى حد كبير، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن الدائنين بدأوا يتخذون نهجا أكثر صرامة مع البلدان. “فرانكلين تيمبليتون” تشدد في موقفه مع أوكرانيا، و”جراميرسي”، وهو صندوق تحوط آخر في الولايات المتحدة، يقاضي بيرو الآن على عجزها عن سداد بعض سنداتها القديمة المستحقة منذ فترة طويلة.

جاي نيومان، وهو مدير محفظة استثمارية بارز في صندوق إليوت وخصم الأرجنتين الأساسي، يجادل بأن القلق بشأن تأثير عمله الناجح مبالغ فيه إلى حد كبير. ويشير إلى أن معظم عمليات إعادة الهيكلة تبدأ بسلاسة نسبيا ويسلط الضوء على الطول الهائل للدعاوى القضائية من صندوق إليوت كرادع ضد الشركات الأخرى التي تسعى إلى الحلول القانونية في المستقبل.

يقول نيومان: “هذه الحالات يمكن حلها بسرعة وبشكل ودي إذا كانت هناك رغبة من كلا الجانبين للجلوس والتفاوض. الدرس من حالة الأرجنتين هو أن التقاضي ليس مسارا مجديا بالنسبة للبلدان أو دائنيها (…) التقاضي لن يكون أبدا المسار الأساسي. الأرجنتين حالة شاذة. إنها كما لو أن الجزء الأقل أهمية يملك نفوذا أكثر من الجزء الأكثر أهمية”.

ما يؤكد ذلك بحث أجرته إلينا دوجار، من وكالة موديز لخدمة المستثمرين، في عام 2013. وجدت أن معظم عمليات إعادة الهيكلة على مدى الأعوام الـ 15 الماضية حلت بسرعة وجميعها تقريبا حدثت دون مقاضاة من الدائنين “المقاومين”. في 34 قضية، بلغ متوسط مشاركة الدائنين 95 في المائة وتم توقيع الصفقات بعد عشرة أشهر من إعلان الحكومة عن خطط لإعادة الهيكلة. وحدها قضية الأرجنتين أدت إلى تقاض مستمر.

الأرجنتين قد تكون حالة شاذة، لكن كثيرا من المختصين الآخرين هم أقل تفاؤلا بشأن التأثير على المدى الطويل. أحد الأسباب لعدم وجود الكثير من التقاضي هو أن معظم البلدان ببساطة تختار سداد الممانعين – لكن الأهم أن هذا يعتمد على كون عددهم محدودا. وحتى إذا كان هناك القليل من الدائنين الذين لديهم العقل القانوني والموراد والعناد الهائل الذي لدى صندوق إليوت، فإن حقيقة أنها كانت ناجحة جدا يمكن أن تثير قضايا مشابهة.

يقول محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في مجموعة أليانز: “الممانعون سيكون لديهم الآن شيء للإشارة إليه. اعتقد أن عمليات إعادة الهيكلة ستصبح أكثر إثارة للخلافات بكثير الآن”.

علاوة على ذلك، العجز عن السداد من أمثال اليونان وأكروانيا وجامايكا سلط الضوء على مشاكل ذات علاقة. هذه تتضمن جمع الدائنين في اتفاق، وتشجيع الحوار المبكر مع المستثمرين، وإجراءات صندوق النقد الدولي نفسه، والصعوبات في تقييم بالضبط متى تعرض البلد للإفلاس. الأهم من ذلك كله، يغلب على البلدان تأجيل سداد الديون – الأمر الذي يفاقم التحديات عندما يظهر الواقع في نهاية المطاف.

قضية جماعية

كثير من هذه القضايا يجري التصدي لها. في أعقاب أزمة اليونان درس صندوق النقد الدولي عملية إعادة هيكلة الديون السيادية، وأعاد تكوين مساحات من إطار العمل الخاص به. هذه تشمل إلغاء استثناء مثير للجدل على سياسة الإقراض الخاص به التي سمحت للمؤسسة في البداية بإنقاذ اليونان، دون الإصرار على عملية إعادة هيكلة للديون.

لكن ربما الإصلاح الأكثر وضوحا جاء من القطاع الخاص، وإن كان مع بعض التملق من الحكومة الأمريكية. في نيسان (أبريل) 2013، نظمت وزارة الخزانة الأمريكية مجموعة غير رسمية من الدائنين والمصرفيين والمحامين والحكومات من أجل إيجاد حل للمشكلة. على مدى عام، تم حضور اجتماعات “طاولة الديون السيادية” من قبل ممثلين من مؤسسات متعددة الأطراف، وحكومات كبيرة، وجمعية أسواق رأس المال الدولية القائمة في لندن.

جمع الحكومات والقطاع الخاص معا كان أمرا صعبا لكن حيويا، بحسب شخص مطلع على تفكير وزارة الخزانة. يقول أحد المشاركين: “عرفنا أنه يجب على كلا الجانبين المشاركة من البداية – وإلا لم يكن ليتم الاتفاق على أي شيء خلافا لذلك. هذه أسواق هائلة وتغييرات هائلة. كان على الجميع الشعور بالمشاركة”.

بحلول آب (أغسطس) 2014، تم التوصل إلى اتفاق. نشرت جمعية أسواق رأس المال الدولية مبادئ توجيهية مقترحة للسندات الجديدة التي أوضحت صياغة شرط باريباسو لتحييد أهميته القانونية، وجادلت بأن إصلاح ما يسمى بنود العمل الجماعي يهدف إلى إحباط التهديد من الممانعين.

بنود القضية الجماعية عادة ما تنص على أنه إذا صوت أكثر من 75 في المائة من الدائنين على صفقة إعادة هيكلة، عندها هذا يلزم جميع الدائنين. البنود أصبحت شائعة بعد عجز الأرجنتين في عام 2001 وهذه الأيام، معظم البلدان – بالتأكيد البلدان النامية – تدرج بنود العمل الجماعي في سنداتها. لكنها تملك نقطة ضعف كبيرة واحدة يمكن أن يستغلها الدائنون: أنها تعمل على كل سند على حدة، لذلك أذا تمكن أي مستثمر من الحصول على 25 في المائة من السندات بإمكانهم منع إعادة هيكلتها – شيء فعلته صناديق التحوط مع مجموعة من السندات اليونانية في عام 2012.

على الرغم من أن إعادة الهيكلة اليونانية كانت لا تزال غير مكتملة – بفضل إدخال بنود القضية الجماعية المناسبة بأثر رجعي إلى سندات القانون المحلي – إلا أن هذا أثار انزعاج كثير من المسؤولين الحكوميين في أنحاء العالم كافة وجعل الإجراء ضروريا، كما يقول لياند جوس، كبير المحامين في جمعية أسواق رأس المال الدولية. ويضيف: “كان الناس خائفين جدا وقلقين في ذلك الوقت. بالتالي كان لا بد من تغيير شيء ما في الهيكلة المالية العالمية”.

مباشرة في أعقاب عملية إعادة الهيكلة اليونانية في نهاية المطاف في آذار (مارس) 2012، قالت بروكسل إن جميع البلدان في منطقة اليورو ينبغي أن تدرج الجيل الثاني من بنود العمل الجماعي التي تخفض الحد الأدنى للتصويت، ومن الأهمية بمكان إدراج “التجميع” للسماح للأصوات بأن تكون ملزمة عبر كومة ديون بلد معين. جمعية أسواق رأس المال الدولية وسعت ذلك من خلال تحديث المبادئ التوجيهية لإصدار السندات لجميع أعضائها.

اعتماد “بنود العمل الجماعي الكبيرة” الجديدة كان سريعا. في غضون شهرين، أصبحت كازاخستان أول بلد يدخل هذه المزايا، تبعتها المكسيك، وهي واحدة من أكبر البلدان المقترضة في الأسواق الناشئة. عملية بيع السندات الكبيرة في الأرجنتين هذا العام تشمل البنود الجديدة. على عكس مخاوف بعض الحكومات، استوعب المستثمرون التغييرات في مسيرتهم والسندات الجديدة لم تظهر أي فرق ملحوظ في الأسعار. حتى أنه يقال إن الصين تنظر في إعادة كتابة سنداتها لدعم إطار العمل الجديد.

الاعتماد الطوعي

هناك نقاط حساسة أخرى لا تزال قيد المعالجة. ويرغب كثير من المستثمرين أيضا في إدخال بنود تتطلب الإفصاح في الوقت المناسب ومفاوضات بحسن نية مع الدائنين. ما تسمى بنود لجنة الدائنين هي قيد المناقشة الآن في صندوق النقد الدولي ومن المتوقع إصدار إعلان بشأنها هذا العام.

لكن هذه التطورات بالكاد تعتبر ترياقا شافيا. مبادئ التوجيه لجمعية أسواق رأس المال الدولية هي بالضبط كذلك، ولم تعتمد كل البلدان إعادة صياغة الشروط. التغييرات طوعية وبعض الحكومات اختارت ببساطة نسخ مادة السندات القائمة الخاصة بها. السندات الأخيرة التي أصدرتها بلدان مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا لا تعرض البنود الجديدة.

علاوة على ذلك، بنود باريباسو المحايدة وبنود العمل الجماعي الكبيرة ستظهر فقط في السندات الجديدة، ما يترك ديونا مستحقة بقيمة تريليونات الدولارات يمكن أن يتبين أنها عرضة للخطر.

وما إذا كانت عملية إعادة هيكلة الديون السيادية بحاجة إلى إعادة تفكير أكثر جوهرية، فإن ذلك سوف يصبح أكثر وضوحا في الأعوام المقبلة – مع فنزويلا التي من المرجح أن تكون أول وأكبر حالة اختبار.

يقول شون هاجان، كبير المحامين في صندوق النقد الدولي: “كان هناك الكثير من التقدم، لكنه ربما أكثر تدرجا مما نود أن يكون”.