IMLebanon

تجارة الحروب: أموال الثورة في يد النظام

SyriaCurrencyMoney2
رائد الصالحاني

مع بدء حصار قوات النظام المناطق الخارجة عن سيطرته في محيط دمشق، وإحكام السيطرة على منافذها بهدف إخضاعها، سارع عدد من رجال الأعمال إلى تشكيل مليشيات مسلحة، لتقف إلى جانب قوات النظام في قتال المعارضة. وأصبحت هذه الميليشات، وأهمها “الدفاع الوطني” تشكل مراكز قوى حاكمة في سوريا، وباتت ذات سلطة أكبر من قوات النظام. فلا رادع لها، تصول وتجول كما يحلو لقيادتها، وتتاجر بالمحروقات والسلاح والمخدرات.

ومع استمرار حصار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومع الدعم المستمر من قبل الدول والداعمين، لم يجد قادة الفصائل مورداً للسلاح ومعبراً للأموال الآتية من الممولين الخارجيين، سوى المليشيات الموالية للنظام، التي سيطرت على التخوم بينها وبين مناطق النظام، بالإشتراك مع مليشيات “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة”.

الغوطة الشرقية، مثلاً، محاصرة منذ ثلاثة أعوام تقريباً، والجبهات لم تهدأ منذ عامين. والغنائم التي تستولي عليها فصائل المعارضة لا تشكل إلا جزءاً صغيراً من الذخيرة التي يتم استهلاكها في المعارك، فضلاً عن الحاجة إلى المحروقات لتسيير السيارات والمدرعات. بالإضافة إلى حاجة الغوطة إلى تبديل الدولارات التي تأتي من الداعمين الخارجيين للفصائل، من خارج سوريا، بالعملة السورية. ولم يجد قادة الفصائل إلا تجار حرب تابعين لمليشيات “الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية” لشراء الأسلحة منهم وتوريدها إلى الغوطة، بصفقات سرية جداً، عبر المعابر مع دمشق، والتي يسيطر عليها الطرفان بنقاط تماس مباشرة.

وتعتبر المناسبات “الوطنية” ورأس السنة وخطابات الأسد، إحدى أهم أيام تجارة السلاح في دمشق وريفها، إذ لا خطاب للأسد إلا ويليه إطلاق رصاص بملايين الليرات في أغلب الحواجز الرئيسية والفرعية، فيتم سحب كميات كبيرة من الذخيرة دون محاسب، وإدخالها إلى المناطق المحررة مقابل مبالغ مالية يتم قبضها بالعملة الصعبة.

ويساهم كثير من التجار المرتبطين بالنظام، وقادة المليشيات الموالية، بإدخال الأموال من خارج سوريا عبر “مكاتب تحويل” غير رسمية، ليتم تبديلها عبر وسطاء مع “المصرف المركزي” في دمشق، مع اقتطاع نسبة لقادة المليشيات والتجار.

وبالتالي، فإن التناقض يصبح بأن مصير أموال المعارضة من العملة الصعبة يصير بيد النظام، الذي تسعى المعارضة لتقويضه، والتعجيل بانهيار إقتصاده، منذ خمسة أعوام. ومدخول النظام شهرياً من المناطق المحاصرة، وفق مصادر “المدن”، يعادل ملايين الدولارات. فإذا توقفت عملية التحويل، لمدة شهر واحد، ستفقد الغوطة الشرقية الليرة السورية، مع وجود كمية هائلة من الدولارات التي تأتي للفصائل والمنظمات الإغاثية والطبية العاملة في المنطقة.

في جنوب دمشق، يقول عضو في “مجلس محلي” لأحد الأحياء المحاصرة، لـ”المدن”، إن بعض قادة فصائل المعارضة على تواصل مباشر مع مليشيات محلية موالية للنظام، تقوم بجلب مبالغ طائلة شهرياً دعماً للفصائل، بالتنسيق بين الطرفين وتحويلها لليرة السورية. ثمّ يتم إدخال السلاح والذخيرة بدلاً من هذه الأموال. يتابع المصدر: “نحن اليوم نقاتل النظام بأموالنا، نقوم بدفع الملايين له ودعم مليشياته المقاتلة بطريقة غير مباشرة، لنحصل على سلاح ونقوم بفتح معركة مع المليشيات نفسها، كأننا ندور ضمن حلقة مغلقة”. والسلاح الذي يصل إلى المعارضة عبر هذه المنافذ، خاضع لمعايير النظام، وهو بمجمله عبارة عن ذخائر لأسلحة خفيفة.
والميليشيات تتعمد كل فترة، قطع الوارد من الذخيرة والسلاح، لترفع السعر، ويضطر بعض القادة إلى شرائها رغم الغلاء، كي لا تفرغ مستودعاتهم من الذخيرة.

ولا تكتفي هذه الميليشيات بالإتجار بالسلاح والمحروقات، بل وصل الأمر إلى إخراج المصانع والسيارات من المناطق المحررة وشرائها بمبالغ صغيرة جداً وإفراغ المناطق المحررة من الأدوات الصناعية. ويقول مصدر في ريف دمشق لـ”المدن”، إن مسؤولين تابعين للمعارضة قاموا في السنتين الماضيتين بإخراج مئات المعامل إلى خارج الريف، عبر وسطاء وتجار، بالتنسيق مع الملشيات الموالية للنظام، في ضاحية الأسد، وبيعها بمبالغ محدودة جداً مقارنة بأسعارها. ويقول آخر إن مليشيا “الدفاع الوطني” هي القائم الأول على مصالحات ريف دمشق، وهي المسؤولة عن المناطق المهادنة بشكل مباشر، وبدورها تتحكم في كل شيء يدخل إلى تلك المناطق فتقوم بإجبار كثير من التجار بشراء البضائع التي ستدخل المناطق المهادنة من متاجر معينة يملكها قادة تلك المليشيات. ولنفرض أن تلك الأموال لا تساهم بشكل مباشر بدعم النظام إقتصادياً، فهي على الأقل تستطيع تغطية تكاليف عناصر هذه المليشيات من رواتب وغيره.

وتعتبر عمليات تجارة السلاح وغيرها منظمة وتعلم بها القيادات بشكل مباشر، فيما يقوم بعض القادة الميدانيين لمليشيات “الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية” بعمليات وصفقات فردية تجلب مردوداً عالياً من المال. فالتجارة بالمعتقلين والسعي لإخراجهم مقابل مبالغ طائلة تعتبر أهم موارد هؤلاء القادة، فضلاً عن تسيير الأعمال اللاقانونية، والقيام باستثمارات عديدة داخل دمشق وفي محيطها، لتبيض الأموال المسروقة عبر مشاريع صغيرة تعتبر أبرزها الملاهي الليلة التي يتم افتتاحها مؤخراً في منطقة جرمانا.