IMLebanon

فضيحة «فولكسفاجن» تقلص مبيعات سيارات الديزل في أوروبا

vw-diesel
بيتر كامبل

واقفا أمام المساهمين في أنجولشتادت الشهر الماضي، كان روبرت ستادلر، الرئيس التنفيذي لـ “أودي”، يحمل أخبارا سيئة.

قال: “إن العبء الناتج عن قضية الديزل لم يتراجع”، مشيرا إلى أن فضيحة انبعاثات الديزل التي اجتاحت “فلوكسفاجن”، الشركة الأم لـ “أودي”، في أيلول (سبتمبر) الماضي كانت لا تزال تلقي بثقلها على شركة صناعة السيارات الفاخرة.

بعد ثباتها لعدة أعوام، انخفضت مبيعات سيارات أودي التي تعمل بالديزل في الاتحاد الأوروبي كنسبة من المجموع، من 69 في المائة عام 2015 إلى 67 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.

هذه الأرقام تتفق مع بيانات جديدة تشير إلى أن ما تكشف فضحية “فلوكسفاجن” يلعب دورا كبيرا في تشجيع المستهلكين الأوروبيين على رفض السيارات التي تعمل بالديزل والتحول إلى تكنولوجيات البنزين والطاقة الكهربائية.

وكانت الحصة السوقية للسيارات التي تعمل بالديزل آخذة في الانخفاض قبل قضية “فلوكسفاجن”، لكن وفقا لهيئة صناعة السيارات، Acea، أظهرت بيانات عن 15 بلدا في الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، أن هذا الاتجاه تسارع.

هذا يعتبر مشكلة بالنسبة لشركات صناعة السيارات في أوروبا لأن السيارات التي تعمل بالديزل لا تزال تمثل أكثر من نصف جميع السيارات التي تباع في الاتحاد الأوروبي – أعلى بكثير من أي مكان آخر. هناك نتيجة واحدة يمكن أن تكون، وهي دفعة أسرع نحو السيارات الكهربائية، التي تمثل أقل من 1 في المائة من المبيعات العالمية والأوروبية، في الوقت الذي تؤثر فيه التنظيمات الصارمة على السيارات التي تعمل بالديزل والبنزين.

ومنذ اعتراف “فلوكسفاجن” العام الماضي بأنها كانت قد ثبتت برامج فيما يصل إلى 11 مليون سيارة من أجل التقليل من انبعاثات أكاسيد النيتروجين الضارة في الاختبارات الرسمية، خضع عديد من شركات صناعة السيارات الأخرى لتدقيق تنظيمي.

ولم يتم العثور حتى الآن على أي منها تستخدم أجهزة غش مماثلة لتلك التي ثبتتها “فلوكسفاجن”، لكن التحقيقات تهدد بتآكل ثقة الجمهور أكثر من قبل بتصريحات شركات صناعة السيارات حول الأداء والسلامة في سياراتها.

وتشير بيانات Acea إلى أنه من حيث القيمة المطلقة، كانت مبيعات السيارات التي تعمل بالديزل في أوروبا في الأشهر الستة من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى نيسان (أبريل) أعلى مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

لكن هذا أبعد ما يكون عن الصورة الكاملة. سوق السيارات في الاتحاد الأوروبي خرجت من الأعوام البور التي تلت الأزمة المالية، مع بيع سيارات خلال عام 2015 أكثر بنسبة 9.3 في المائة من عام 2014.

وعلى الرغم من أن مبيعاتها زادت، إلا أن السيارات التي تعمل بالديزل خسرت الحصة السوقية بشكل كبير، مع ارتفاع مبيعات السيارات التي تعمل بالبنزين والكهرباء بشكل أسرع بكثير. في جميع أنحاء المنطقة التي تعقبتها Acea انخفضت الحصة السوقية للسيارات التي تعمل بالديزل من 52.9 في المائة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 ونيسان (أبريل) 2015 إلى 50.9 في المائة خلال الفترة نفسها من العام التالي.

ذلك الانخفاض بمقدار نقطتين مئويتين يمثل انحدارا في انخفاض الحصة السوقية للسيارات التي تعمل بالديزل في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ 15 بين عامي 2011 و2015، من ذروة بلغت 56.1 في المائة إلى 52.1 في المائة.

وقالت أورسولا باشل، نائبة المدير العام للمجموعة الاستهلاكية الأوروبية، BEUC: “ليس من المستغرب على الإطلاق رؤية حقيقة أن المستهلكين كانوا يتحولون ضد السيارات التي تعمل بالديزل، لأنه لم يعد هناك ثقة في الادعاء أن السيارات التي تعمل بالديزل هي أنظف”.

ستيوارت بيرسون، المحلل في “إكسين بي إن بي باريبا”، يرى أن “ذلك الرد العنيف من الجمهور كان بالتأكيد يتجمع بأية حال، لكن من المنصف القول إن فلوكسفاجن عجلت به”. ويعيد أصل التغير في حظوظ السيارات التي تعمل بالديزل إلى بيان صدر في عام 2013 قالت فيه منظمة الصحة العالمية إن هناك صلة بين تلوث الهواء، حيث أبخرة الديزل هي مساهم كبير، ومرض السرطان.

والاندفاع لترويج السيارات التي تعمل بالديزل خلال التسعينيات وبداية العقد الأول من الألفية كان مدفوعا بتنظيمات الاتحاد الأوروبي التي تحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسبب دورها في تغير المناخ. وفي المتوسط، تنفث محركات الديزل ثاني أكسيد الكربون بشكل أقل مما يعادلها من محركات البنزين بمقدار الخمس. لكنها تنفث مستويات من أكاسيد النيتروجين أعلى بكثير مما يعادلها من محركات البنزين. وتشديد قواعد الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بانبعاثات أكاسيد النيتروجين، أدى إلى تآكل ربحية السيارات التي تعمل بالديزيل.

ومن المقرر أيضا أن تتضرر السيارات التي تعمل بالديزل من تكاليف الامتثال لقيود الانبعاثات في العالم الحقيقي، خلافا لما يحدث في ظروف الاختبار.

فضيحة “فلوكسفاجن” سلطت الضوء على كيف أن الانبعاثات على الطريق أعلى بكثير مما هي في المختبر، والاتحاد الأوروبي يستجيب من خلال وضع قيود على نتيجة العالم الحقيقي. وسيتم وضع القواعد حيز التنفيذ العام المقبل بحيث أن انبعاثات السيارات على الطريق يجب ألا تتجاوز 210 في المائة من تلك التي في المختبر، لتنخفض إلى 150 في المائة في عام 2020.

وإنتاج محركات الديزل التي تتوافق مع التنظيمات المقبلة يتطلب تكنولوجيا مكلفة من شأنها زيادة سعر السيارات أكثر مما قد يكون بعض المستهلكين على استعداد لدفعه.

سيرجيو ماركيونه، الرئيس التنفيذي لشركة سيارات فيات كرايسلر، قال إن قواعد الاتحاد الأوروبي سوف تؤدي إلى موت السيارات الأصغر التي تعمل بالديزل. وأضاف أن أية سيارة مع محرك أصغر من لترين سيتم “إخراجها من السوق من خلال تسعيرها بأسعار أعلى”، بسبب التكلفة العالية لتثبيت أداة حقن مادة اليوريا – وهي مادة كيماوية تخفض انبعاثات أكاسيد النيتروجين. لكنه شدد على أن “السيارات التي تعمل بالديزل لم تمت”.

أحد أهم الأشياء التي تحافظ على حياة السيارات التي تعمل بالديزل – أو على الأقل إبطاء معدل تراجعها – هو تركيز الاتحاد الأوروبي المستمر على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

أندرو فولبروك، المحلل في “آي إتش إس”، قال: “إذا أخرجنا جميع السيارات التي تعمل بالديزل من السوق، فإن شركات التصنيع لن تتمكن من تحقيق أهدافها من [ثاني أكسيد الكربون]”.

بالتالي، شركات صناعة السيارات التي تواجه التحدي المتمثل في خفض إنتاج كل من ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين، تتحول إلى تكنولوجيا الكهرباء الخالية من الانبعاثات. وتم اعتبار الانخفاض في كل من محركات البنزين والديزل – وصعود السيارات الكهربائية – على أنه أمر مفروغ منه عندما أوجز ماتياس مولر، الرئيس التنفيذي لـ”فلوكسفاجن”، استراتيجية المجموعة الأحدث لمدة عشرة أعوام الأسبوع الماضي. قال إن محركات الاحتراق الداخلي ستكون “مكلفة على نحو متزايد” في الأعوام المقبلة، لأن تنظيمات الانبعاثات تصبح أكثر صرامة. لكن تكلفة السيارات الكهربائية لا مجال أمامها إلا الانخفاض بسبب تحسن التكنولوجيات وزيادة نطاقها.

وأضاف: “محركات الاحتراق تبقى مهمة. ستبقى معنا لبعض الوقت في المستقبل وستمثل نحو ثلثي حجم سوق السيارات الجديدة في عام 2030”.

“لكن هذا أيضا يعني أن الثلث الآخر سيعمل بالطاقة الكهربائية”.

ووفقا لمسؤول كبير سابق في جهاز الرقابة البيئية الأمريكية القوية، يتعين على الاتحاد الأوروبي إنشاء هيئة للرقابة على عموم أوروبا لمراقبة صناعة السيارات ومنع تكرار فضيحة “فلوكسفاجن”.

وقالت مارجو أوجي، وهي متمرسة أمضت ثلاثة عقود في وكالة حماية البيئة قبل أن تتقاعد في عام 2012، إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى قانون تنظيمي مستقل للانبعاثات لتجنب المصالح الوطنية التي تعوق كشف المخالفات.

وأضافت أن حكومات الاتحاد الأوروبي مترددة في انتقاد صناعة السيارات، لأنها توفر عددا كبيرا من فرص العمل. “أعتقد بقوة أن البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يجب أن تعيد التفكير بجدية في نظام الامتثال والإنفاذ القائم”.

ووفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي، يتم اعتماد السيارات التي تصنعها شركات صناعة السيارات في البلد الذي يعتبر مقرا لها، وبعد ذلك يسمح لها ببيع السيارات في بلدان الاتحاد.

هذه الترتيبات تعرضت لضغوط في أعقاب فضيحة فولكسفاجن. وفي الشهر الماضي شركة فيات ـ كرايسلر اتهمت KBA، منظم النقل في ألمانيا، بتجاوز سلطته بعد تقارير نشرتها وسائل إعلام تفيد بأنه وجد أدلة على تجهيز سيارة فيات للغش في اختبارات الانبعاثات.

شركة فيات التي قالت إنها ترى أن جميع سياراتها تحترم معايير الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، أصرت على أنه يسمح فقط للسلطات الإيطالية بتقييم سياراتها. وقالت روما في وقت لاحق إن فيات لم تفعل شيئا خطأ. وبحسب أوجي، الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى هيئة تنظيمية مستقلة، أي ما يعادل وكالة حماية البيئة الأمريكية، لإزالة المصالح الوطنية من صناعة السيارات. وقالت: “لولا كشف الولايات المتحدة عن عدم الامتثال [من قبل فولكسفاجن] لا أعتقد أن أوروبا كانت ستفعل أي شيء حيال ذلك”.

واقترحت المفوضية الأوروبية بعض التحسينات على القوانين التنظيمية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك خطط لتمكين السلطة الوطنية للتصديق على السيارات بتحدي نتائج سلطة أخرى. كذلك بروكسل ستكون لديها بعض الصلاحيات للتدخل، لكن المفوضية لم تقترح جهة تنظيمية على غرار وكالة حماية البيئة الأمريكية.