IMLebanon

سلام لوزراء متبرّمين: أتغيّر عندما تتغيّرون

tamam-salam

 

 

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

على هامش الجلسة ما قبل الاخيرة لمجلس الوزراء الثلثاء الفائت، 27 حزيران، في انتظار دخوله الى القاعة، تهامس وزراء بكثير من التبرّم في مواقف كان الرئيس تمام سلام ادلى بها ونشرت صباح ذلك اليوم («الاخبار»)، قال فيها عن مجلس وزراء حكومته انه «كابوس». أبدوا انزعاجهم منها، وبينهم مَن استخدم عبارة انه «يفخّت» بالحكومة.

عند انعقاد الجلسة سارع اربعة منهم على الاقل ليسوا من كتل الرئيس نبيه بري وحزب الله وتيار المستقبل، مخاطبين رئيس الحكومة، الى ابداء تحفظهم عن المواقف السلبية تلك حيال حكومة يرئسها، ويكثر من انتقادها وتقصيرها في قيامها بدورها عوض دعمها، والتركيز على صعوبة الظروف التي تمر فيها ما يؤثر على ادائها. فإذا هم يبصرونه يفرط في الكلام عن عوراتها. لم يكتموا حتماً اخفاقها وعجزها، الا انهم رغبوا في مدّها بمزيد من جرعات الدعم والتشجيع.

كان ردّ رئيس الحكومة متمسكاً بكل ما ادلى به عنها: لا ازال على ما قلته وأتشبّث به لأنه واقع الحكومة، ولن أغيّر رأيي فيها ما لم أشعر انكم تعملون جدياً. لن أغيّر رأيي في حكومة لا تنتج، أو حكومة لا تريد اتخاذ قرارات، او عندما تقفون في طريق اقرارها. سأبقى أكرر هذه المواقف حتى يحصل التغيير فيها.

للمرة الاولى منذ الشغور الرئاسي في ايار 2014، قبل اكثر من سنتين، تجد حكومة سلام نفسها لا تتنازع على صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد مخاض طويل عبرت فيه حيال تفسير وزرائها ممارستهم صلاحيات الرئيس وتوقيع المراسيم. قبل أقل من سنة، ايلول 2015، استقرت على الآلية الحالية في ادارة جلسات مجلس الوزراء لدى مناقشة جدول الاعمال والتصويت على البنود وتوقيع المراسيم، سواء تلك الصادرة عن المجلس او العادية المقتصرة على تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير او الوزراء المختصين.

لم يعد سلام يشكو في الوقت الحاضر من آلية عمل مجلس الوزراء بعدما أثقلت عليه طوال سنة ونصف سنة، يتقلب من طريقة حكم الى اخرى، بغية امرار اتخاذ القرارات.

لم يؤيد علناً الآلية الحالية القائلة بتأجيل الخوض في بند يتحفظ عنه مكوّنان رئيسيان. ورغم أنها نافذة ويجري احترام تطبيقها بتكافل الوزراء جميعاً تقريباً، إلا أن رئيس الحكومة يتفادى الحديث عنها تفادياً لتكريسها عرفاً. مع ذلك يعثر مجلس الوزراء على استقراره المعقول في بضع قواعد يحرص سلام كما الكتل الرئيسية على التزامها:

ــــ لا تصويت على أي من بنود جدول الاعمال. بل تقرّ بالتوافق.

ــــ البند موضع الخلاف يؤجل بتّه الى أوان الاتفاق عليه.

ــــ اعتراض مكونين رئيسيين على بند يقضي بتأجيل الخوض فيه.

بيد أن ثمة قواعد أخرى مكمّلة، أكثر أهمية، يعرف رئيس الحكومة أنه لا يملك تماماً خياراتها، أو في أحسن الأحوال المجازفة بها بالسهولة المتوخاة: لا إستقالة، لا تصريف أعمال.

منذ اليوم الاول للشغور، لا يفوت سلام جلسة لمجلس الوزراء لا يجدد الدعوة فيها الى استعجال انتخاب الرئيس، رغم تيقنه من أن الاستحقاق مؤخر الى أمد غير منظور، ويلاقي رئيس مجلس النواب نبيه بري في الاعتقاد بأن انتخاب الرئيس لم يعد بين أيدي الأفرقاء اللبنانيين. بيد أن الوجه الآخر للإصرار على انتخاب الرئيس هو تنكّب سلام، في آن، دوره ودور رئيس الجمهورية على رأس مجلس الوزراء. إذ يمثل وجود رئيس الجمهورية عندما يحضر الجلسة ويترأسها ضامن إدارتها: يفتتحها ويدلي بكلمة استهلالية، يعطي حق الكلام، يمتص التناقض، يطرح البند على التصويت أو يؤجله أو يقترح مخارج لخلاف قائم. اذ ذاك يتحول رئيس الحكومة الى رقم 2، يتقدّم الوزراء جميعاً، إلا أنه لا يكون في صدارة مجلس الوزراء في ظلّ الرئيس.

منذ الشغور، يفتقر رئيس الحكومة الى مثل هذا الموقع، إذ يجد نفسه يرئس الجلسة ويفتتحها، ويدلي بالمداخلة الاولى ويعطي حق الكلام، ثم يجد نفسه ايضاً وايضاً ــــ من دون الرئيس ــــ في موقع الحَكَم والطرف في الوقت ذاته: لأنه يحلّ محل الرئيس على رأس طاولة مجلس الوزراء، ولكونه ينتمي الى فريق سياسي شأن أسلافه القريبين الرؤساء فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وسعد الحريري.

لعلّ ذلك ما فسرّ إبان حكوماتهم المتعاقبة منذ عام 2008 انعقاد مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ــــ غير المنتمي إلى أي فريق في الظاهر على الأقل ــــ كلما أثيرت ملفات او قضايا حساسة ودقيقة، تحتاج إلى أوسع تفاهم وتوافق عليها، وبغية أن يمسي رئيس الدولة دون سواه صمام أمانها، من غير التقليل من أهمية جلسات مجلس الوزراء في السرايا برئاسة رئيس مجلس الوزراء، حينما لا يرغب رئيس الجمهورية في ترؤسها.

حمل تمييز جلسات قصر بعبدا عن جلسات السرايا الرئيس ميشال سليمان، خلال ولايته، على رفض نعت «جلسات استثنائية» في قصر بعبدا وأخرى «عادية» في السرايا، تفادياً للإفتئات على رئيس الحكومة والإساءة إليه والإنتقاص من صلاحياته، كما لو أن إحداهما مهمة والأخرى عابرة غير ذات شأن.

على نحو مطابق حاذر سلام الايحاء بحلوله محل رئيس الجمهورية بامتناعه عن دعوة المجلس الأعلى للدفاع، وهو نائب رئيسه، إلى الإنعقاد لجبه أحداث أمنية وعسكرية طارئة، واستعاض عنه باجتماعات أمنية موسّعة تضم المسؤولين إياهم المعنيين بحضور جلسات المجلس الأعلى للدفاع ما خلا رئيس الجمهورية. آخرها لايام خلت على أثر الاعتداء على القاع، بعد سلسلة مماثلة تلت هجمات إرهابية في مناطق لبنانية عدة. رغم أن الصلاحية تتيح له توجيه الدعوة ما دام يحلّ محل رئيس الجمهورية في رئاسته، أهملها.

ضاعف من الدور المزدوج لرئيس الحكومة، من حيث شاء أو لم يشأ، تناقض مواقف وزرائها إذ يتصرّف كل منهم على أنه بديل من رئيس الجمهورية، ناهيك بوطأة الملفات والنزاعات من حولها بعدما ألقى الفساد بظلاله عليها كلها بلا استثناء تقريباً، ما حمل رئيسها بدوره على إلقاء النعوت واحداً تلو آخر. يوم تحدث عن «نفايات سياسية» في حمأة المواجهة مع المجتمع المدني في ظل ازمة النفايات، لم يعنِ بالتأكيد هذا الفريق، بل أولئك في حكومة يرئسها هم إياهم في كتل مجلس النواب، هم إياهم القوى السياسية في الشارع الواقفين على طرف نقيض من المجتمع المدني. ذلك ما عناه كذلك بكلامه عن الحكومة الأكثر فشلاً وفساداً، إلى كابوسها الذي يشكو منه.