IMLebanon

باريس في بيروت… بلا المفتاح!

Jean-Marc-Ayrault-at-unifil-headquarter

 

 

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

بحسب ما أسرّ به السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون، لا تحمل زيارة وزير الخارجية جان مارك ايرولت لبيروت مضموناً سياسياً، مقدار ما يبدو مهتماً بمناقشة المسؤولين اللبنانيين في مساعدة حكومته للبنان، البالغة 100 مليون يورو، تقسّم مناصفة هذه السنة والسنة المقبلة لمعالجة جزء من مشكلة النازحين السوريين والمجتمع المضيف لهم، في نطاق دعم الدولة اللبنانية، كمجتمع مضيف، على جبه وطأة النزوح السوري.

يذهب ما يقارب ثلث هذه المساعدة الى المجتمع المضيف في سبيل تعزيز البنية التحتية، من شأنها استيعاب عبء هذا اللجوء.

كانت المساعدة هذه تقررت قبل اشهر، واعلن عنها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في زيارته الثانية للعاصمة اللبنانية في نيسان الفائت. ثم عمد بعد عودته الى بلاده الى توجيه رسالة الى المسؤولين اللبنانيين تؤكد التزام باريس تقديمها في اسرع وقت.

في هذا السياق بالذات تكمن زيارة الوزير الفرنسي، الاولى لمسؤول فرنسي رفيع منذ الزيارة الاخيرة لهولاند. بالتأكيد لا تخلو من كلام سياسي لا يتعدى المواقف المعلنة المعروفة، لاسيما منها ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي، بعدما كان ايرولت ابدى رغبة في الحضور في ايار المنصرم، ثم صرف النظر بناء على نصيحة لبنان، اذ لم يبصر فيها جدوى تتيح الافصاح عن نتائج ملموسة، ولا يريد في المقابل ان تبدو خالية الوفاض. لم يقتصر طلب الارجاء على ايرولت. سبق للبنان ان تمنى على الاليزيه، اواخر السنة الماضية، عندما كشف عن رغبة هولاند في زيارة هذا البلد، ان تمنى تأجيلها للاسباب نفسها بعض الوقت، الى ان رضخ المسؤولون اللبنانيون للموعد الذي تمسك به الرئيس الفرنسي، وهو ان يزور لبنان في نيسان.

تزامن ارجاء زيارة ايرولت في ايار مع تأجيل اجتماع محتمل لمجموعة الدعم الدولية للبنان، رغم سعي فرنسي حثيث الى التئامها، بيد ان الدول الاخرى المشاركة فيها ــ المنشغلة باستحقاقات بعضها داخلي والآخر متصل بالحرب على الارهاب ــ اظهرت عدم حماسة كافية لتوقيت اجتماع جديد غير مثمر. عندما تيقن المسؤولون اللبنانيون من تعثر اجتماع مجموعة الدعم الدولية، طلبوا من باريس تأخير زيارة وزير الخارجية، وكان لبنان خرج من الاجتماع الاخير لمجموعة الدعم في نيويورك في ايلول الفائت، برئاسة الرئيس تمام سلام والامين العام للامم المتحدة بان كي مون، ببيان ليس الا خلافاً لما توقعه. لم يدم ذلك الاجتماع اكثر من 20 دقيقة، وكان ثمة حدث اكثر اهمية خارج القاعة يستحوذ اهتمام الديبلوماسيين الغربيين المشاركين، هو رفع علم فلسطين في الامم المتحدة. في الايام الاخيرة جاء مَن يهمس في آذان المسؤولين اللبنانيين ان مجموعة الدعم قد تجتمع مجدداً في موعد مشابه للسنة الفائتة، في المكان نفسه في نيويورك، في مناسبة مشاركة سلام في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة.

من دون تقليلهم من اهمية الجهد الفرنسي لتوفير الاستقرار في لبنان وإمرار الاستحقاق الرئاسي، يشعر المسؤولون اللبنانيون بأن باريس لا تزال لا تملك مفتاح انتخاب الرئيس اللبناني، ما يقلقهم من انهيار صدقية المساعي الفرنسية التي أخفقت مرة تلو اخرى لدى حاملي المفتاح، الرياض وطهران، حيال تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. ورغم تنقل ملف محادثاتها معهما من أيد الى اخرى في المملكة وايران كما في باريس، بيد ان لا نتائج ملموسة حتى الآن توحي بإحراز ادنى تقدم في اخراج لبنان من ازمة شغور طالت الى أكثر من سنتين.

يتركز موقف المسؤولين اللبنانيين الذي يستقبلون ايرولت اليوم، في خضم مروحة واسعة من المشاورات سبقه اليها مَن يتقدمه مكانة كهولاند ومن يدنوه كرئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية السفير جان فرنسوا جيرو عندما عُهد اليه في ملف الاستحقاق، على الملاحظات الآتية:

1 ــ ما لم يحمل الوزير الزائر مفتاح انتخاب الرئيس، لن يكون في وسعه اقناع الرئيس ميشال عون بالتخلي عن ترشحه للرئاسة، ولا اقناع معارضيه بالتخلي عن رفضهم والاقتراع له. بذلك لن يسعه سوى الاكتفاء بالاصغاء الى الافرقاء اللبنانيين جميعاً، وهو سيلتقيهم، من غير ان يتمكن من الحصول من اي منهم على اي تعهد. اذ ذاك تمسي زيارته كومة نصائح يسديها اليهم فحسب.

2 ــ يعتقد المسؤولون اللبنانيون بأن التحضير المتقن للزيارة يؤدي الى النتائج المتوخاة للبنان وفرنسا على السواء. لا يريد لبنان لباريس مزيداً من التورط في الإخفاق وإن يعترف لها ــ وهو ما قيل ايضاً ابان زيارة هولاند ــ بأنها البلد الوحيد الذي لا يزال هذا البلد يشغل اهتمامها. بدورها فرنسا لا تود كذلك خسارة صدقيتها عندما تكثر من جهودها وتحرّكها، فإذا هي لا تعرف من اين تخرج قبعتها؟

موقف كهذا سبق ان سمعه السفير بون قبل اعتماده في بيروت، ابان وجوده في فريق المستشارين الرئيسيين للرئيس الفرنسي.

3 ــ يرى المسؤولون اللبنانيون ان النجاح الرئيسي الذي يمكن ان يسفر عن الزيارة، وقد يكون هو المطلوب بالذات واساساً، سوى مساعدة 100 مليون يورو، تأكيد الوزير الفرنسي في المؤتمر الصحافي الذي يعقده اليوم ــ كما بعد لقاءاته القيادات فرادى ــ دعم الرئيس تمام سلام وحكومته رغم ما فيها من ندوب، كونها لا تزال تمثل واجهة الشرعية الدستورية الوحيدة وعامل الاستقرار في هذا البلد.