IMLebanon

“بارونات” الإنماء والإعمار

 

roads

 

 

 

كتب غسان سعود ورلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:

تقف غالبية الزعامات اللبنانية على «سيبة» من أربع أرجل: 1 ــ التمويل الخارجي الذي يشترون ببعضه ولاء الناخبين بوسائل مختلفة. 2 ــ مصادر الدخل المباشر المتمثل بالشركات التجارية التي تهيمن على معظم القطاعات المربحة. 3 ــ استغلال السلطة لتوظيف الناخبين في مختلف المؤسسات وتأمين عدد كبير من الخدمات اليومية. 4 ــ عائدات الصناديق: صندوق المهجرين ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار. سابقاً، كان السياسيون يستفيدون من هذه الصناديق بوصفها أدوات خدماتية تتيح لهم استرضاء هذا الناخب عبر تزفيت مدخل منزله، وتلك الرعية عبر تقديم حائط دعم للكنيسة أو الجامع وغيرهما من الخدمات الصغيرة. لكن، سرعان ما تعلموا من الرئيس رفيق الحريري أن الاستفادة من السلطة لا تقف عند حدود الخدمات الانتخابية فقط؛ هذه الدجاجة تبيض ذهباً وخدمات، لا خدمات فقط. فبات لكل زعيم مجموعة مقاولين أساسيين وشركات استشارية تشفط الجزء الأكبر من ميزانيات الصناديق والهيئات والمجالس. والمشكلة لم تعد باستغلال السلطة لتحقيق مكاسب انتخابية، وإنما بالنهب المنظّم لمال السلطة.

«الأخبار» حصلت على المحاضر الكاملة لجلسات مجلس الإنماء والإعمار لعام 2015، وهي تكشف قليلاً عن طبيعة العمل في الصندوق الأضخم المعني بتنفيذ معظم مشاريع الطرقات والجسور وشبكات الصرف الصحي والمدارس والمستشفيات والنفايات.

وقبل عرض التفاصيل، يمكن القول بإيجاز إن البحث يبيّن الآتي:

1ــ وجود خمسة أشخاص يجتمعون دورياً منذ أكثر من عشر سنوات في مكتب فخم ليقرروا صرف مئات ملايين الدولارات من دون حسيب أو رقيب. والأشخاص الخمسة هم: أولاً، رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر (شقيق النائب سمير الجسر) الذي يعدّ من الحلقة الضيقة لرئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة. ثانياً، نائب رئيس المجلس ياسر بري (شقيق رئيس المجلس النيابي نبيه بري). ثالثاً، الأمين العام للمجلس غازي حداد الذي يوزع ولاءه بين النائب ميشال المر والرئيس السابق ميشال سليمان. رابعاً، عضو المجلس مالك العياص المحسوب اليوم على النائب وليد جنبلاط. خامساً، عضو المجلس يحيى السنكري المقرب عائلياً وسياسياً من آل كرامي. وهو يدير أعمالاً في السعودية، لكنه يقصد بيروت للمشاركة في جلسات المجلس حصراً، بعدما جعلت وفاة أعضاء في المجلس تأمين النصاب رهناً بحضور الأعضاء الخمسة السابق ذكرهم. هذا الواقع عزز مكانة جميع الأعضاء، فبات استرضاء الخمسة ضرورياً دائماً لأن حرد أحدهم سيعطل أعمال المجلس بالكامل، علماً بأن الخمسة انتهت ولايتهم منذ أكثر من خمس سنوات، لكن الأمين العام (السابق!) لمجلس الوزراء سهيل بوجي أفتى بقرار شخصي ــ لا بقرار وزاري أو بتشريع ــ باستمرارهم في عملهم. وهم يواصلون الاجتماع، يوم الجمعة غالباً، فوق مئات ملايين الدولارات وأمامهم كومة كبيرة من الملفات ليبدأوا «اتخاذ القرارات».

2 ــ تتراوح مدة الاجتماع، بحسب المحاضر، بين ساعة ونصف وساعتين يتخذ خلالها بين 20 و30 قراراً، بمعدل قرار (بصرف عشرات ملايين الدولارات) كل خمس دقائق.

3 ــ يتقاسم الميزانية السنوية الضخمة أقل من عشرة مقاولين كبار يتوزعون على أربع أو خمس مرجعيات سياسية، وأربعة مكاتب استشارية صديقة لهم. وفي كل مرة يكلف أحد هذه المكاتب تحضير مناقصة ما، ينسق المقاولون بين بعضهم البعض: يترك أحدهم لغيره المشروع مقابل ترك الآخرين له مشروعاً آخر. ويعمد المقاول المتفق عليه الى خفض سعره، مقارنة بالآخرين، وفق معادلة واضحة: تخفيض مذهل في أسعار بعض الخدمات المكلفة جداً التي يتبين للمجلس لاحقاً أن في وسعه الاستغناء عنها. هكذا يفوز بالمناقصة بحكم سعره المنخفض ليتبيّن لاحقاً، بعد حذف الخدمة المكلفة من سائر العروض، أنه كان صاحب السعر الأعلى. لكن، لا أحد من المقاولين يعترض، فتقاسم الحصص والمحسوبيات يفرض عليهم السكوت هنا للفوز هناك.

4 ــ لا يكاد المشروع يقلع حتى تبدأ لعبة تعديل الاحتياجات، وبالتالي تبديل الأسعار. ويصدف دائماً وضع المقاول تسعيرة مرتفعة جداً لما سيتبين لاحقاً أن هناك طلباً كبيراً عليه، فتتضخم كلفة المشروع الذي ضخمت قيمته التقديرية منذ البداية.

5 ــ هيمنة المقاولين الرئيسيين (أقل من عشرة) على معظم المشاريع تتناقض بشكل واضح مع قانون المجلس الذي يمنع تكليف متعهد واحد تنفيذ أكثر من ثلاثة مشاريع في الوقت نفسه، علماً بأن الخمسة السابق ذكرهم يقولون في مطلع كل قرار إنهم قرروا «عدم إخضاع الشركات لمفاعيل وأحكام قرار المجلس رقم 380/2007/أ تاريخ 19/4/2007 الذي يمنع تلزيم مجلس الإنماء والإعمار أكثر من ثلاثة مشاريع للمتعهد نفسه في الوقت ذاته».

تُظهر المحاضر التي حصلت عليها «الأخبار» أن 10 شركات كبرى، وعدداً مماثلاً من الشركات الأصغر نسبياً، استحوذت على معظم مشاريع مجلس الإنماء والإعمار عام 2015، وهي:

«دنش للتجارة والمقاولات»

يرأس مجلس إدارتها محمد حسن دنش المحسوب على حركة أمل، ويشتهر بولائمه شبه الشهرية في ديوانيته في بلدة الغازية على شرف نواب ووزراء ومسؤولين أمنيين وسياسيين وعسكريين، يتقدمهم وزير الأشغال غازي زغيتر والنائب هاني قبيسي، الذي تسلم مرة درعاً تقديرية من دنش. وقد تجاوزت حصة «دنش» في «الإنماء والإعمار» عام 2015 وحده 120 مليون دولار، توزعت كالآتي:

ــ نحو 47 مليوناً و624 ألف دولار مقابل «استكمالها تنفيذ شبكات الصرف الصحي في مدينة صور وجوارها».

ــ نحو 43 مليوناً و827 ألف دولار مقابل تنفيذ «مشروع أنظمة مياه جبل عامل (بنت جبيل، مرج الخوخ وشبعا)».

ــ نحو 26 مليوناً و484 ألف دولار مقابل القيام بـ»أشغال مائية إضافية في جبل عامل».

ــ نحو 3 ملايين و998 ألف دولار مقابل تنفيذ أشغال مائية في بعض قرى قضاء بنت جبيل مكملة لمشروع أنظمة مياه جبل عامل.

ــ نحو 363 ألف دولار مقابل تنفيذ بركة زراعية في قرية بيت ليف.

ــ نحو 295 ألف دولار مقابل تنفيذ بركة زراعية في عيتا الشعب.