IMLebanon

نحو حرية الديكتاتورية (بقلم بسام أبو زيد)

freedom

 

كتب بسام أبو زيد

كان اللبنانيون ومازالوا يتغنون بحرية  التعبير، إلا أن عددا من الصحافيين على وجه الخصوص دفعوا الثمن من حياتهم جراء ما كتبوه أو قالوه لأن المضمون الوطني والمنطقي لكلامهم أزعج سلطة أمنية سياسية ما فعمدت  إلى تصفيتهم للتخلص من أرائهم أولا ولتوجيه رسالة لأقرانهم تقول إن التأثير على الرأي العام لبنانيا أمر ممنوع.

هذا الخطر الحقيقي تخطاه الصحافيون اللبنانيون أو كثيرون منهم رغم أنه ما زال موجودا ويمكن أن يعود في أي لحظة سياسية أمنية.

كل هذا كان يجري وسط تقدم سريع ومدهش لوسائل التواصل الاجتماعي التي منحت المواطنين في لبنان ومن ضمنهم الصحافيون مساحة أوسع للتعبير عن الرأي بالكلمة والصورة والصوت. ولكن الأخطر في كل هذه العملية أنها تمت وتتم وسط جو مشحون سياسيا ومذهبيا أسفر عن نتيجة خطيرة وهي عدم تقبل الرأي الآخر وعدم الرد عليه بأراء مختلفة ونقاش عملي وفكري، بل انحدر الأمر إلى استخدام لغة الشتم والتهديد والتخوين والتكفير وهي مقدمات صالحة لخلق مناخات مؤاتية لاعتداءات جسدية تطال من تتعارض أرائهم مع أراء مجموعات أخرى.

إن هذا التوجه هو نتاج ثقافة الإلغاء التي رسختها ممارسات سياسية وأمنية، فرضت معاملات بالمثل من الجهات الأخرى فوقع المحظور الآخذ بالتوسع نحو  آحادية الرأي في كل مجموعة وطائفة ومذهب إلى حد الإقصاء المعنوي والجسدي ليتخطى أيضا كل هذه الحدود ويصل إلى جميع الذين يفكرون حتى في التعبير عن اختلاف بسيط مع رأي الأكثرية.

أن لبنان بالتأكيد ليس ديكتاتورية سياسية ولا فكرية ولا إعلامية ولن يكون، ويفترض بكل المرجعيات السياسية والحزبية والدينية وجماهيرها أن تفهم هذا الواقع للمرة الأخيرة لاسيما وأن كل تجارب القمع السابقة قد سقطت، فلا رأي وكلام الزعيم والقائد والرئيس والوزير والنائب وغيرهم كلام منزل وغير قابل للجدل، وليست توجهاتهم وحدها الصحيحة، وليس كل انتقاد لهم هو اعتداء على طائفة أو حزب أو تيار أو مجموعة.

إن من بديهيات الديمقراطية أن تكون القيادات قدوة للقاعدة فتتقبل الانتقاد من الداخل قبل الانتقاد من الخارج وان يكون الرد بالنقاش الجدي وتصحيح المسار والأخطاء، بدل أن يكون الرد بالشتم والتخوين.

إن الاستمرار في هذا التوجه الالغائي ينذر بالمزيد من التفكك للبنان،وسط سياسة التخويف لكم الأفواه،وهو أمر مدعوون نحن جميعا إعلاميين وصحافيين ومفكرين ولبنانيين ككل للوقوف في وجهه ومنعه من التمدد إلى ما تبقى من العقول كي لا نقع في ظلام الديكتاتورية وظلمها.