IMLebanon

مئة مليار ليرة لعرسال في ذمة الدولة

arsal

 

 

كتبت سعدى علّوه في صحيفة “السفير”:

تقع عرسال وخراجها على مساحة 420 كيلومتراً مربعاً من مساحة لبنان، أي ما يوازي 1/22 من الـ10452 كيلومتراً مربعاً. عرسال المتروكة لم تنتظر إنماء الدولة يوماً. بعض مساحاتها، خصوصاً تلك الشهيرة بـ «الربع الخالي»، أي جردها، لم يره أي من المسؤولين، لكون بعض النواب والوزراء تعرّفوا إلى البلدة فقط بعد الأزمة السورية.. ولغاية في نفس يعقوب.

بزنودهم السمراء والقوية، حوّل «العراسلة» أراضيهم الوعرة بساتين مثمرة وحقولاً لأشهى الثمار والخضار اللبنانية، ليصل مجموع الأراضي التي استصلحوها إلى 14 هكتاراً أي ما يوازي 14 ألف دونم مشجّر بالكرز والمشمش.

وعلى مدى خمسمئة دونم في وادي الرعيان (جنوباً)، وفي شبيب وصفا الأقرع وطواحين الهوا (الجرد الشمالي)، زرع فلاحو عرسال البندورة والخيار والباذنجان وبعض الحشائش.

ومن الجرد المستعصي، استخرجوا الصخر الذي زين معظم منازل لبنان بحجره المميّز. ومن رحم المقالع ولدت المناشير التي تقطّع الحجر وتجهّزه للبيع. ومن المناشير كان لا بدّ من آليات تنقل الحجر العرسالي إلى اقصى الجنوب والشمال مروراً بالبقاع وجبل لبنان.

ووفق آخر إحصاء قبيل اندلاع الأزمة السورية، كانت هناك 165 عائلة عرسالية تربي المواشي (ماعز وغنم)، ناهيك عن قطاع التجارة الحدودية (التهريب) الذي كان ناشطاً في عرسال مع الجارة السورية قبيل الأزمة أيضاً.

قبل الأزمة السورية، لم يكن هناك عاطل عن العمل في عرسال. مَن لا يملك أرضاً، حفر مقلعاً، أو أنشأ منشرة، أو اشترى شاحنة أو آلية «بيغ آب»، أو على الأقل اشتغل عاملاً في أحد القطاعات الخمسة (زراعة، حجر، نقل، مواشٍ وتهريب).

اليوم، وبعد خمس سنوات على أحداث سوريا، تحتار بلدة الخير من أين تبدأ في عدّ خسائرها وأولوياتها. فبالإضافة إلى سعيها لاستعادة أمنها الحياتي، تُعدّ بلدية عرسال مذكرة مطلبية إلى الدولة لتحصيل تعويضات ما زال أصحاب الشأن في الحكومة وقواها السياسية يديرون الظهر لها.

لا ملف للتعويضات

عندما زار وفد من بلدية عرسال الرئيس سعد الحريري يوم السبت الماضي، وعدهم «دولته» بدعم مطالبهم في مجلس الوزراء. في الحقيقة، ليس هناك ملف عرسالي موثق، ولم تطرح تعويضات البلدة في أي جلسة حكومية مؤخراً.

حتى تعويضات «غزوة آب» 2014 جاءت ناقصة، بحيث لم تشمل الأضرار في الأراضي الواقعة تحت النيران. «لم يتمكن فريق الهيئة العليا للإغاثة من الكشف عليها»، وفق ما يؤكد أمين عام الهيئة اللواء محمد خير لـ «السفير». كما أن الدولة لم تطلب من الهيئة مجدداً التعويض، و «ليس لدينا أي ملف جديد لعرسال»، وفق خير نفسه.

عشرون ملياراً في الزراعة

منذ العام 2013، بدأت أزمة خسائر عرسال بالتفاقم، ولكنها لم تكن قد أضحت كارثية كما هي الحال منذ «غزوة آب» 2014. عامان على الكارثة وعرسال تراكم خسائر تصل إلى خمسين مليار ليرة على الأقل في كل عام. مئة مليار ليرة فقدتها البلدة التي انضم أهلها إلى قوافل العاطلين عن العمل، خلال عامين، باستثناء من نزحوا عنها بحثاً عن رزق في المدن والعاصمة، حيث يعانون الأمرّين من ارتفاع بدل السكن وكلفة تعليم الأبناء ومتطلبات المعيشة.

يقول رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري إن البلدية قدرت الخسائر الزراعية بنحو عشرين مليار ليرة في العام «ونحن نسعى لإعداد ملف موثق وتفصيلي بكل الخسائر الأخرى».

فالبلدية تواجه حالياً تحديات أمنية كبيرة. وهي بدأت تطبيق منع تجول السوريين بدءاً من العاشرة من ليل أمس الأول، و «ننوي قريباً تأسيس مكتب إحصاء ودراسات»، يؤكد الحجيري.

لكن عرسال تعرف أرقامها ومعطياتها. هي البلدة الوحيدة في البقاع الشمالي التي لم يكن أهلها يعرفون البطالة أو القلة. كان أهل عرسال المحرك الأساس لاقتصاد البقاع الشمالي. يرسلون أبناءهم للتعلم في مدارس المنطقة ويبتاعون احتياجاتهم من مؤسساتها ومحلاتها. مات القرش العرسالي ومعه مات جزء كبير من اقتصاد وأسواق المنطقة.

تقول أرقام العاملين في منظمات المجتمع المدني إن 14 هكتاراً في الجرود تحتوي على نحو أربعة ملايين كعب شجرة مثمرة. ومع إنتاج 500 دونم من الخضار تصل خسائر عرسال الزراعية إلى 20 مليار ليرة سنوياً بعدما لم يعد العراسلة قادرين على الوصول إلى أراضيهم في الجرود. حتى الأراضي التي سيطر عليها «حزب الله» إثر معاركه مع «النصرة» لم يستردها «العراسلة» ولم يستأنفوا استثمارها بعد.

ثلاثون ملياراً في الحجر

وإلى 20 مليار خسائر زراعية، حوّل المسلحون مقالع عرسال البالغ عددها نحو 350 مقلعاً في الجردين الوسطاني والأعلى إلى متاريس طبيعية بين الصخر ووراء تلال قطع الحجارة وكسرها وفي الكهوف الطبيعية التي استُخرج الحجر منها. مُنع أصحاب المقالع من الوصول إليها.

ومع انعدام استخراج الحجر، توقف 95 في المئة من المناشر (نحو 450 منشرة) ومعه قطاع النقل الذي لا تقل آلياته عن الستمئة شاحنة وكميون و«بيغ آب».

وتبلغ خسائر قطاع الحجر وحده نحو ثلاثين مليار ليرة لبنانية مع النقل. اليوم يشتغل قلة لا يتجاوزون أصابع اليدين مما يستورده العرسالي من حجر جرود الهرمل ونيحا والقدام في البقاع الشمالي، وفق ما يقول عرسالي بمرارة «كنا أم الحجر وأبوه، صرنا مستوردين».

قطعان عرسال المهجّرة

أما الرعاة وأصحاب قطعان الماشية، فقد تهجّروا من عرسال نهائياً. كان يعيش من هذا القطاع 165 أسرة عرسالية يملك أفرادها 40 الف رأس غنم و23 الف رأس ماعز. يقضون الصيف في الجرود الوسطانية والمرتفعة ثم يأوون شتاء إلى شبيب وصفا الأقرع ووادي الرعيان في الجرد المنخفض. اليوم صار رعيان فليطا وجراجير في القلمون السوري يسرحون في جرد عرسال، فيما تهجّر «العراسلة» بقطعانهم إلى العاقورة وجرود الهرمل صيفاً، وإلى سهل الفاكهة ورأس بعلبك قرب منبع نهر العاصي شتاء.

قبل أشهر عقد عدد من فاعليات الفاكهة وعرسال اجتماعاً لوضع حد للمشاكل التي اندلعت بين رعاة البلدتين على خلفية المنافسة على المراعي.

طغى الأمن ولقمة العيش على هواجس «العراسلة» ومع نضوب المردود الاقتصادية لقطاعاتها الأساسية، اضمحلت تقريباً التعاونيات والجمعيات التي كانت تهتمّ بهذه القطاعات.

اليوم، يطالب أصحاب المواشي بتعويضهم عن مراعيهم والكلفة الباهظة التي يدفعونها لضمان (استئجار) أراضٍ في العاقورة وجرود الهرمل وحظائر ومنازل في سهلَي الفاكهة ورأس بعلبك.