IMLebanon

الحسيني: السلة المتكاملة ملهاة للناس

 

hussein-el-husseini

 

 

ذهب رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، الذي كان يراقب مجريات “ثلاثية الحوار”، في عين التينة، إلى الاعتقاد بأن هامش المناورة لدى القيّمين على السلطة أصبح ضيقاً، وأن محاولاتهم هدفها التشبث بالسلطة لا نقل البلاد إلى مرحلة قيام الدولة الحقيقية.

“أبو الطائف”، كما يُطلق عليه، يروي أن الاتفاق الذي أنهى الحرب اللبنانية عام 1989 جاء بتأييد عربي ودولي، لكن حرب الخليج غيّرت المسار. فـ ”اتفاق الطائف” بُني على أساس تطبيق القرارات الدولية في الجنوب وحل أزمة لبنان كمدخل لحل أزمة المنطقة، غير أن المعادلات تغيّرت مع حرب الخليج الثانية، يوم اجتاح صدام حسين الكويت، ولم تعد الأولوية لدى الأميركيين حل أزمة لبنان، بل تحرير الكويت، وآلت حرب الخليج الثانية إلى مؤتمر مدريد للسلام، الذي أرسى منطلقاً مختلفاً ربط فيه حل أزمة لبنان بحل أزمة المنطقة، وأفضى تبدّل الأولويات إلى تغيّر دور سوريا الذي بدل أن يكون دوراً داعماً لحل أزمة لبنان أصبح دوراً شريكاً في “إدارة الأزمة” نتيجة غياب الحل، فبقي الجنوب محروماً من تطبيق القرارات الدولية، ولم يكن اتفاق الطائف هو المرتكز والمنطلق في إدارة السلطة في البلاد والتي رست على المحاصصة، وانتهى الأمر اليوم إلى دين عام بنحو 110 مليارات دولار وإلى عدم شرعية المؤسسات وانهيارها.

الكلام عن “دوحة لبنانية” والسلة المتكاملة هو كلام لا أفق له، وملهاة للناس. فاتفاق الدوحة أصلاً علّق قيام الدولة اللبنانية وألغى مجلسي النواب والوزراء وكرّس المحاصصة في السلطة بعدما وسّع دائرتها.

ما نراه اليوم - بالنسبة للحسيني - هو احتلال لمباني السلطة اللبنانية يترافق مع عجز كامل، فيما المطلوب إعادة بناء السلطة على أسس تمثيل الناس. فـ ”قصة أن كل واحد مرتبط بدولة تُديره من حيث هي انتهت، ذلك أنهم كانوا يعتبرون لبنان ساحة يتصارعون على أرضها، سواء إقليمياً أو دولياً، وإقفالها يمكن أن يؤدي إلى انتقال الصراع إلى ساحاتهم. اليوم تغيّر المشهد. انتقل الصراع إلى ساحاتهم، وأصبحت أولوياتهم في مكان آخر، فلا أحد منهم يريد الانخراط في الساحة اللبنانية”.

السؤال الذي يطرحه الحسيني: هل يمكن الإتيان برئيس جمهورية بطريقة غير شرعية ليطبّق الشرعية؟! صحيح أن المشاكل متعددة: من السلاح إلى المال فالكهرباء والدين العام والمياه والنفايات، لكن حلها يحتاج إلى قيام الدولة. وهو أمر ممكن لا سيما أن ثمة فرصة حقيقية للبنان للخروج من النفق المظلم و”لبننة” حل الأزمة نتيجة انشغال القوى الإقليمية والدولية بأحوالها وإشاراتهم المتعددة للبنانيين بأن يعملوا بأنفسهم على حل مشاكلهم.

الخروج من النفق لا يحتاج إلى اجتراع المعجزات. «الوصفة» التي يقترحها الحسيني تكمن في انتخاب “رئيس حياديّ” لمرحلة انتقالية، تكون مهمته إجراء انتخابات نيابية على أساس مشروع القانون الذي أعدّه مروان شربل وزير الداخلية السابق في حكومة نجيب ميقاتي، وتمّ إرساله إلى مجلس النواب، لكنه وُضع في الأدراج ليذهب النواب لاحقاً إلى مناقشة 17 مشروعاً قدّمت من الكتل النيابية ويتجاهلوا المشروع الأصلي الذي أرسلته الحكومة لتأتي النتيجة تمديداً للمجلس خلافاً للقانون.

القانون الذي قدّمه شربل يتوافق مع الدستور، فهو قانون مبني على النسبية مع أرجحية الصوت التفضيلي، ويوفّر صحة التمثيل بحيث يحل الإشكالية التي يطرحها المسيحيون عن وصاية الغير على مقاعدهم، والتي دفعت بهم إلى طرح مشروع القانون الأرثوذكسي الذي دعا إلى انتخاب كل طائفة لنوابها، كما ينهي مصادرة الحياة السياسية عند المسلمين التي كرّسها “التحالف الرباعي”.

يذهب الحسيني إلى التحذير من الاستمرار في المكابرة، أو الذهاب إلى حلول هجينة كقانون انتخاب مختلط هو أسوأ من القانون الأكثري ومنافٍ للدستور. ويعتبر تالياً أن الحل هو بـ ”الرئيس المنقذ” الذي يتولى المرحلة الانتقالية لسنة على أبعد تقدير لإجراء انتخابات نيابية مناصفة على أساس النسبية والصوت التفضيلي بدوائر انتخابية إلى حين نشوء الأحزاب العابرة للطوائف والوطنية.

تلك الانتخابات ستؤدي إلى مجلس نيابي شرعي تكون مهمته انتخاب رئيس جمهورية، ويعود الانتظام العام إلى المؤسسات مع تشكيل حكومة شرعية ليطلق بعدها العمل على استكمال تطبيق بنود اتفاق الطائف، سواء في ما خص اللامركزية الإدارية أو تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وفق المادة 95 التي تؤسس لكيفية الخروج من العقلية الطائفية وصولاً إلى تهيئة الأجواء والمناخات والأرضية نحو مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ.

ما يحض الحسيني عليه اللبنانيين، من خلال تجربته الطويلة في العمل السياسي، أن يؤكدوا عيشهم المشترك. ففي قناعته أن لا طائفة في لبنان تستطيع أن تحمي نفسَها بنفسِها، فالكيان اللبناني مبني على فكرة حماية الكل للكل، وبالتالي فإن كل واحد يرفض هذا المنطق هو خارج الدستور وخارج الشرعية.

وإذا استمر القابضون على السلطة بمنطق المناورة فإنهم سيصلون إلى مرحلة السقوط المدوي، ذلك أن الإحصاءات والانتخابات البلدية عكست أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين خارج الاصطفافات الحزبية والعصبوية، وعليهم تالياً أن يعوا أنه لم يعد لأحد سلطة على أحد والبلد على شفير الانهيار الاقتصادي، وأن المطلوب عملية إنقاذ بمرحلة انتقالية وفقاً للطائف تبدو الأمور عبثاً من دونها.